تجربة المايسترو سليم سحاب مع أطفال كورال مصر تحكي.. فهى فصل جديد فى فصول إبداعه الذى بدأ قبل عقود ومازال يستمر.. عبر فيها بصدق عن ضمير الفنان الذى يتفاعل مع مجتمعه ويزرع النبت الطيب حتى يحصد الوطن الثمار الصالحة راهن على فطرة الإنسان كما خلقها الله لا تجنح للعنف ولا التطرف. حيث نجح المايسترو الحالم الذى يعشق الأوبرا والمسرح الموسيقى فى التقاط المواهب الفنية من بين أطفال الشوارع ويقدمهم للمجتمع كفاءات فنية واعدة ومواهب فطرية.. سليم سحاب عاش الحلم فى منع هؤلاء الأطفال من الاستمرار فى عالم الضياع والجريمة وبجهد كبير نجح فى التقاط أعداد كبيرة وتحويل مسار أطفال بلا مأوى إلى أطفال صالحين فى المجتمع باستخدام الفن كسلاح فتاك فى وجه التطرف.. ولأن التجربة كانت صادقة حصد بسببها التكريم الواجب حيث تم اختياره من جانب الأممالمتحدة سفيرا للنوايا الحسنة وقبل أن يغادر إلى الأممالمتحدة اليوم التقت «الأهرام» بالمايسترو سليم سحاب على مسرح وزارة الشباب والرياضة حيث كان يجرى البروفة النهائية استعدادا لإحياء الحفل الشهرى الذى يقام كل أخر ثلاثاء من كل شهر، وفيه يقدم هولاء الموهوبين. اختيارك سفيرا للنوايا الحسنة لعام 2015 من قبل الأممالمتحدة هل تعتبره تقديرا لدورك مع أطفال الشوارع؟ أشعر بسعادة لا توصف خاصة أنها جاءت من منظمة قوية مثل الأممالمتحدة وفوجئت بالخبر عندما ابلغنى به الإعلامى وائل الإبراشي، وادعو الله ان اكون على قدر هذا الاختيار. كيف جاء حصولك على هذا اللقب؟ جاء بسبب تأسيس مشروع كورال أطفال مصر المكون من أطفال الشوارع الذى اتمنى أن يستمر على مدار ابد الدهر حتى من بعدى فهو بمثابة مشروع قومى من أجل الاهتمام بتحول أطفال بلا مأوى إلى مواطنين صالحين فى المجتمع باستخدام الفن كسلاح يشهر فى وجه الإرهاب. ومن هم أعضاء هذا الكورال؟ مجموعة كبيرة من أطفال الشوارع والمتسربين من التعليم وعندما قررت تأسيس هذا الكورال كان بهدف تغيير مسار حياتهم وإعادة تأهيلهم مجتمعيا ومشاركتهم بالغناء من خلال فرقة جديدة للموسيقى العربية . هل تعتبر ما قمت به جرأة ومجازفة كبيرة باسمك وتاريخك؟ على الإطلاق لأنى فى البداية اعتمدت على الله وأثق فيه مثلما اثق فى إيمانى بأن أطفال الشوارع ورواد دور الرعاية الاجتماعية من الأطفال من حقهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، فكان من واجبى الوطنى والمهنى اكتشاف موهبتهم والاستفادة من طاقتهم، فى محاولة العمل على تنشئة جيل بلا عنف، ينتمى لوطنه مع تأكيد الانتماء لمصر وهذا هو دور الفن. كيف جاءتك هذه الفكرة ؟ قبل عدة سنوات، بعد رؤيتى لحال الأطفال المتردى فى الشوارع واستغلال هؤلاء الأطفال استغلالا بشعا خاصة خلال أخر 3 سنوات بعيدا عن الطفولة وقتها فكرت كيف يمكن تحويل هذه الطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية تنفعهم بالمقام الأول ومن خلالهما ينفعون بلادهم ويبتعدون عن التعصب والتطرف والحقد والإدمان وكل ما هو قبيح، وتجربتى فى فنزويلا هى ما دفعتنى لتكرار هذه التجربة فى مصر. كم يبلغ عدد أعضاء الكورال؟ ألف طفل تتراوح أعمارهم ما بين 8 إلى 14 عاما من بينهم 170 طفلا تم الاستماع إلى أصواتهم لاختيار الأفضل، وقمت بإقامة معسكر تدريبى مغلق للمشاركين، والانتهاء من إعداد برنامج مدته 30 دقيقة لتقديمه فى عدة مناسبات تبدأ بحفل خاص بموقع حفر قناة السويس الجديدة. هل واجهت صعوبات فى تنفيذ هذا المشروع القومي؟ المشروع لم يدخل فى حيز التنفيذ الفعلى إلا بعد دعم وزارة الشباب والرياضة ووزارة التضامن الاجتماعى له، خاصة بعد تحمس وزير الشباب المهندس خالد عبدالعزيز ود.غادة والى لفكرته واحتضنت الوزارة على الفور المشروع وقدمت له جميع الإمكانيات اللوجيستية والمالية من أجل نجاح المشروع وهو الأمر الذى سهل إجراءات عديدة تتعلق بدعم المشروع فى مراحل عمله المختلفة، ولم أواجه أى عقوبات خلال تنفيذ خطوات المشروع ولكن قلة الآلات الموسيقية أثرت على تقدم الكورال وأتمنى أن أجد من يتبرع ويدعم الكورال بهذه الآلات. أين أطفال المحافظات من هذا المشروع؟ اختيار أعضاء الكورال من كافة محافظات وربوع مصر لأن التنمية المجتمعية لا تقتصر على العاصمة فقط, فقد قمت بزيارة جميع المحافظات تقريبا وكذلك دور الأيتام والجمعيات الأهلية وأسقفية الشباب لاختيار مواهب صوتية تشارك فى كورال أطفال مصر وقمت بعمل الاختبارات واختيار براعم الأوركسترا، الذين أمل أن يصلوا إلى 10 آلاف طفل, وعدنا منذ أيام من المنصورة بعد زيارة دار لرعاية المكفوفين جميعهم أصوات بها موهبة فردية ماعدا 2 وكانت مفاجأة بالنسبة لي. هل انعكس انضمام الأطفال إلى الاوركسترا على سلوكياتهم؟ بكل تأكيد فمشاركتهم ساعدت كثيرا فى رفع حالتهم المعنوية وساهمت فى تغير تصرفاتهم وسلوكياتهم وهناك منهم من هرب من الكورال ولكن عاد له مرة أخرى وآخرون عادوا إلى مدارسهم حتى يتمكنوا من المشاركة فى الكورال، وحاليا أعيش أجمال أيامى مع أطفال كورال مصر. إذا هل يستطيع الفن بالفعل مواجهة ظواهر التعصب؟ بكل تأكيد فالفن يمكنه القضاء على كافة ظواهر التعصب ومواجهة الإرهاب، كما يمكنه تقويم أخلاق الفئات المشاركة فيه فالفن سلاح قوى فى محاربة التطرف والأفكار الهدامة, ودعنى أقل لك مثال يؤكد ذلك المعني, منذ فترة كان أحد الموسيقيين بالفرقة اللبنانية للموسيقى العربية كان قناص فى إحدى الميليشيات وقت الحرب الأهلية وكان يتقاضى 500 دولار على كل روح، وعندما تعلم العزف على آلة «القانون» فأقسم لى أنه من وقتها لا يستطيع أن يدهس ولو حشرة مرت بجانبه. هل تتذكر أول حفلة لك فى القاهرة؟ بالطبع فإنه تاريخ لا ينسى لأنه بمثابة تاريخ ميلادى الموسيقى الحقيقى وكانت يوم 3 مارس عام 1988 ورأيت أن مصر ولبنان قدما لى ما لم يقدمه الاتحاد السوفيتى ولك أن تعلم أن دراستى العربية والعالمية للموسيقى كانت فى مصر بسبب الإمكانيات الهائلة الموسيقية، التى كانت تفتقدها بلادي، فالكم الهائل من الموسيقيين الذين كانوا على أرفع مستوى أمثال عبدالوهاب وأم كلثوم ساعدونى على الإبداع. لماذا أصبحنا نفتقد مثل هؤلاء المطربين والموسيقيين العظماء؟ هذا الجيل لن يعوض لعدة أسباب أهمها نوعية الجمهور الذى كان يتذوق ما يقدمونه ولذا كان هناك تنافس قوى بينهم على اختيار العمل والألحان والكلمات لأنهم يدركون أن هناك حكما شرسا وهو جمهور عالى المستوي، كما أن دخول التكنولوجيا جعلتنا نفتقد اللحن الجميل الحى وأصبح المؤلف أو الملحن قادر على تلحين عمل فى نصف ساعة وهو الأمر الذى يفقد اللحن معناه. من وجهه نظرك لماذا نرى إذاعة كل الأغانى الوطنية التى تغنى بها كبار النجوم القدامى حتى الآن؟ قدمها هؤلاء بصدق وكتبها الشعراء بحب للوطن سواء فى المحن أو الأفراح والانتصارات وكان هؤلاء النجوم يجلسون على سلالم الإذاعة مثل عبدالحليم وشادية وفايزة ونجاة ونجاح سلام وغيرهم من أجل تسجيل عمل غنائى يكون دافعا للشعب المصرى ومقاوما للعدو فى كافة صورة. متى تعلمت الموسيقى الغربية؟ منذ الصغر حيث كنت اشترى أسطوانات الموسيقى الكلاسيكية لبيتهوفن، وتولدت لدى فكرة أن أصبح قائد اوركسترا وأنا أبلغ من العمر 13 عاما بعد مشاهدتى فيلماً لقائد أوركسترا إيطالى اسمه روبرتو بنزر وهو ما تأثرت به كثيرا. كيف استطعت التوفيق بين الموسيقى العربية والغربية؟ الموسيقى الغربية والعربية تبدوان متناقضتين ولكن فى الحقيقة ليس هناك أى تناقض فنوعية الموسيقى مختلفة، ولكن الشعور والعمق الإنسانى واحد فكل شعب يعبر عن عاطفته بموسيقاه ولغته الموسيقية الخاصة به فلا نستطيع أن نطلب من مؤلف فرنساوى أن يؤلف موسيقاه بالروسي. متى بدأت علاقتك بالموسيقى العربية؟ منذ طفولتى فالراديو لم يكن ينقطع من البيت إلا أثناء النوم، وكان يبث من خلاله أغانى أم كلثوم، وفايزة أحمد ونجاة وعبدالوهاب وفريد الأطرش وكان فى النهاية عبدالحليم حافظ، فقد كانت الإذاعة العربية وإذاعة الشام وغيرها تحولنا من مجرد مستمعين إلى طلبة موسيقيين. هل ترى أصواتا جادة حاليا على الساحة الغنائية؟ بالفعل هناك الكثير من الأصوات الجادة ولكنهم يحتاجون إلى قيادة مثل أيام السنباطى وعبدالوهاب والبعض يعجبنى كثيراً والبعض صوته كارثة, ومن أجل مسانده الغناء التراثى وتربية نشء جدد قمت بتكوين الفرقة القومية للموسيقى العربية وكورال الأطفال المكون من 250 طفلا سيطرت عليهم بالحب وتخرج منهم المطربات ريهام عبدالحكيم، مى فاروق, آيات فاروق, أحمد سعد وشيرين عبدالوهاب وغيرهم ممن تخرجوا كعازف أوركسترا، بالإضافة إلى وائل فاروق الذى مثل مصر فى المهرجانات العالمية فى البيانو ولكن الإعلام مقصر فى اذاعة الألحان والأعمال الجيدة. لماذا حرصت على الحصول على الجنسية المصرية؟ الجنسية المصرية شرف عظيم لأى انسان على وجه الأرض وكان الأمر بالنسبة لى مسألة حياه أو موت لأننى دائما وأبدا أشعر وكأننى واحدا من أبناء هذا الوطن منذ قدومى من لبنان ما يقرب من 30 عاما واحمد الله أننى حصلت على الجنسية فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك ولذا أكن له بالفضل. كيف يرى المايسترو سليم سحاب مصر الآن؟ مصر على مر التاريخ وهى لها طعم ورائحة مميزة افتقدتها خلال العام الماضى ولولا أن الله حافظ لهذا الوطن، لما عاد بريقه من جديد وعادت رائحته تفوح فى أرجاء الأرض مره أخرى وأصبحت مصر تتبوأ مكانتها الطبيعية مره آخرى فى مقدمه الدول وأؤمن ايمانا جازما ان مصر ستكون دولة عظمى خلال العشر سنوات القادمة. تفاؤل وحماس كبيران رأيناهما فى وجوه هؤلاء الأطفال فى أثناء البروفة مما شجعنى على سؤالهم عن هذه التجربة وعن الفارق بين ما كانوا عليه وما هم فيه حاليا فكانت إجابتهم: الطفل مصطفى شعبان «14 سنة» صوليست الكورال: حاسس اننا فى حلم كبير ولما بكون مع المايسترو بيخلينى أطول السما والفن ده شىء عظيم وياريتنى دخلت فيه من زمان وبقول لكل الأولاد والأطفال اللى فى سنى اللى بيخربوا: مصر جميلة اوى وتعالوا معانا فى الكورال هتحسوا بقيمتها وبقيمة فننا. الطفلة ريم يوسف «10 سنوات» والتى اشتهرت بتقديم اغانى ليلى مراد: أنا مبسوطة جدا من وقت ما دخلت الكورال حسيت أنى بقالى أهل وبيت ومكنتش أعرف ولا افهم يعنى ايه فن ولا تراث إلا لما دخلت كورال الأطفال بقيادة المايسترو سليم سحاب. أما الطفلة صابرين صبري: بجد كل حفلة بتعدى علينا بتحسسنا بقيمتنا فى المجتمع وحينما غنينا مع الفنان الكبير هانى شاكر فى الحفلة الأخيرة مكنتش مصدقة نفسى بجد وكمان بابا سليم سحاب خلانا نحب الدنيا ونحب المجتمع بعد ما كنا مش حاسين بأى حاجه فيه وبحلم انى اكون مطربة كبيرة وان العالم كله والناس لما يشوفونى يشاوروا عليا.