برلمانية: تكليفات الرئيس للحكومة الجديدة واضحة لاستكمال مسار الإصلاح    مجلس النواب يشكر حكومة مدبولي: بذلت جهدًا كبيرًا داخليًا وخارجيًا    محافظ الغربية يتابع الإقبال على تقديم طلبات التصالح فى مخالفات البناء بقطور    تذكرة الطيران ب48 ألف جنيه.. برلماني ينتقد الحكومة لعدم تحديد أولويات الإنفاق    ناجى الشهابي: حكومة مدبولي قادوا البلد في ظروف صعبة بحرفية شديدة وضرورة الاهتمام بالصحة والتعليم    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    رئيس المكسيك المنتهية ولايته يهنئ كلوديا شينباوم على فوزها بالانتخابات    قطر تدين محاولة الاحتلال الصهيوني تصنيف "الأونروا" منظمة إرهابية    روسيا :كشف عملاء للمخابرات الأوكرانية يعدون لهجمات ضد أسطول البحر الأسود    بعد الثلاثية.. الأهلي يكرم فريق سيدات الطائرة    الإصابة الثانية.. منتخب إيطاليا يعلن استبعاد مدافع أتالانتا قبل يورو 2024    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    محافظ الإسماعيلية يعتمد بروتوكول تعاون بين المديريات استعدادا لامتحانات الثانوية العامة    تعديل تركيب وامتداد مسير عدد من القطارات على خط «القاهرة / الإسماعيلية»والعكس بدءًا من السبت المقبل    رئيس حزب الاتحادى الديمقراطى: حكومة مصطفى مدبولى عملت فى صمت وحققت الكثير من الإنجازات    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    نتنياهو: الحرب فى غزة ستتوقف لإعادة المحتجزين ثم ستتبعها مناقشات أخرى    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    جامعة كفر الشيخ تتسلم شهادة رخصة مركز تدريب معتمد من المجلس الأعلي للجامعات    الأربعاء المقبل.. انطلاق مهرجان الأفلام اليابانية بالقاهرة    مي عمر عن علاقتها بمحمد سامي: «مبخافش من الحسد ومبركزش في كلام الناس»    تعرف على موعد حفل زفاف جميلة عوض على المونتير أحمد حافظ (خاص)    شاهد.. مجدي أفشة: أنا أفضل لاعب في مصر.. والقاضية ظلمتني    إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي الغربي بقنا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    الرئيس الأوكراني يشكر الفلبين لدعم قمة السلام في سويسرا    من الترويج للمثلية الجنسية إلى إشراف «التعليم».. القصة الكاملة لأزمة مدرسة «ران» الألمانية    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    نقيب البيطريين: حصلنا على وعد بضم أعضاء النقابة إلى تعيينات ال120 ألف فرصة عمل    6 قرارات للمجلس الأعلى للجامعات لشئون الدراسات العليا والبحوث    بعد الفوز على الاتحاد السكندري.. أبوقير للأسمدة يجدد الثقة في محمد عطية    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    مرصد الأزهر: الحفاظ على عقول الأفراد من الانحراف أحد أهم مقاصد الشريعة    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    برلماني يطالب الحكومة بدعم الاستثمار الزراعي والصناعي    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: ظُلمت بسبب هدفي في نهائي القرن.. و95% لا يفقهون ما يدور داخل الملعب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناجح إبراهيم يكتب: صناعة التطرف وتدابير المواجهة الفكرية
نشر في الوفد يوم 31 - 01 - 2016

على مدار ثلاثة أيام خلال الفترة من 3 إلى 5 يناير الجارى عقدت مكتبة الإسكندرية تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى مؤتمر «صناعة التطرف.. قراءة فى تدابير المواجهة الفكرية» بعد مرور عام على انعقاد المؤتمر الأول لمكتبة الإسكندرية، والذى أطلقت من خلاله برنامجها الخاص بمواجهة التطرف وعقد يناير الماضى تحت عنوان «نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف».وقد شمل المؤتمر عددًا من المحاور الأساسية التى تمخض عنها عدد من الجلسات العامة، وأخرى متوازية على مدار ثلاثة أيام.
تناول مؤتمر هذا العام قضايا تتعلق بالثابت والمتغير فى تشكيل حركات التطرف، ومقاربة العلوم الاجتماعية للتطرف، واشتمل على عدد من الجلسات المتوازية التى تتصدى لموضوعات شتى تشغل اهتمام المشاركين على تنوعهم العلمى والسياسى والثقافى: مثل نقد خطاب التطرف، والإعلام التقليدى والإلكترونى فى مواجهة التطرف، وقضايا الأمن القومى، والتنوع والتعددية، والشباب والمرأة، فضلاً عن استعراض المبادرات المتنوعة التى أطلقتها الهيئات الشريكة لمكتبة الإسكندرية فى مجال مواجهة التطرف فى عدد من الدول العربية، مما يسمح بإمكانيات التشبيك والتعاون الكثيف فى هذا المجال، ويطل المؤتمر هذا العام، خاصةً فى ضوء التطورات التى حدثت فى طيلة الفترة الماضية- الإرهاب المحلى فى أوروبا، الإشكاليات، والدلالات، من خلال مشاركة مختصين فى هذا المجال.
وشارك فى المؤتمر عدد من المثقفين من 18 دولة عربية يعكسون تنوعًا فى النوع والسن، والمعتقد، والثقافة، والتوجه السياسى، والتخصص العلمى، والخبرة العملية، مما أضفى على النقاش حيوية وتنوعًا ومساحة من التفكير النقدى، وفى ضوء أهمية الظاهرة التى ناقشها المؤتمر وموضوعية البحوث التى تم مناقشتها وعرضت لقضية التطرف من مختلف الجوانب تقدم «الوفد» فى هذه المساحة، بالترتيب مع إدارة مكتبة الإسكندرية، مجموعة مختارة من أهم البحوث التى نوقشت مع التركيز على البحوث التى تناولت الواقع المصرى.
إذا كان الفكر صحيحاً سليماً أنتج مردوداً إيجابياً صالحاً ومصلحاً.. والعكس صحيح.. وليس هناك فكر علي وجه الأرض لا مردود له في الواقع العملي.
التكفير والتفجير:
فالتكفير علي سبيل المثال لا بد له من مردود عملي يتبعه وهو «التفجير».. سواء ثم ذلك مباشرة أو بعد حين.. ولم يحدث في وقت من الأوقات في تاريخ المسلمين كله أن اعتنقت مجموعة أو جماعة أو فصيل فكر التكفير دون أن تقتل من تكفرهم.
ولعل أبرز مثال علي ذلك الخوارج وهم أول من اعتنقوا فكر التكفير وكفروا كبار الصحابة، رضوان الله عليهم، ومنهم علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وأبي موسي الأشعري.. وتمكنوا من قتل الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب وهو خارج لصلاة الفجر دون أن يحتاط ذلك لأنه لم يتوقع أبداً أن يقتله مسلم وهو من هو فضلاً وعلماً وسبقاً.
أما معاوية وعمرو فقد كانا من دهاة العرب ولديها حس أمني قوي فاحتاطا للأمر فلم يستطع الخوارج أن ينالوا منهما شيئاً.
إن الخوارج وهم أصل التكفير وأساسه لم يتوقفوا لحظة وهم يكفرون ويقتلون ابن عم رسول الله صلي اله عليه وسلم أو يقولوا لأنفسهم كيف نكفر ونقتل الذي ضحي بنفسه وبات مكان النبي صلي الله عليه وسلم يوم الهجرة.. ولم تحدثهم أنفسهم بأفضال علي الذي لم تكن له جاهلية فقد أسلم صبياً.. وكيف يكون كافراً وقد ائتمنه رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أغلي شيء لديه وهي قديسة الإسلام فاطمة.. وكيف يكون كافراً وقد هاجر من مكة إلى المدينة وشهد بدراً.. وكلاهما يكفر الذنوب وكيف.. وكيف وذلك لا تصاب جماعة أو مجموعة بلوثة التكفير إلا وقعت في العنف وقت المسلمين أو التفجيرات العشوائية سواء عاجلاً أو آجلاً وذلك أخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن أصحاب فكر التكفير قائلاً: «يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان».
لوثة التكفير أخطر ما أصاب العقل المسلم:
ولوثة التكفير هي أسوأ ما أصاب العقل المسلم في مقتل ودمره تدميراً وكانت سبباً في إنهاء الخلافة الراشدة بقتل الخليفة علي بن أبي طالب وبداية مرحلة جديدة في الحكم وهي مرحلة الحكم العضوض الذي بدأ بالدولة الأموية ثم العباسية ثم ما تلاها من دول.
لماذا ارتبط التكفير بالتفجير والعنف؟!
قد يسأل البعض سؤالاً: لماذا ارتبط التكفير بالعنف والقتل.. أو لماذا أطلق دوماً عبارتي «التكفير والتفجير» وأربط بينهما ربطاً عضوياً لا ينفك.. فما سر العلاقة بينهما.. وما الذي جعل التكفير والتفجير وجهين لعملة سيئة واحدة؟!
السر في ذلك أن التكفير قتل معنوي للمسلم بإخراجه عن دينه.. والتفجير هو القتل المادي الذي يخرجه عن الحياة.. والخوارج عندما كفروا علياً فقتلوه.. وجماعة شكري مصطفي كانت تكفر العلماء خاصة والمسلمين عامة فقتلت عالماً عظيماً بريئاً هو أ. د. الذهبي، وزير الأوقاف، وكان وقتها علي المعاش ويعمل أستاذاً بكلية أصول الدين.. وأنصار بيت المقدس تكفر الشرطة والجيش المصري وهي تفجرهما في الكمائن والمديريات وتقيم لهما المذابح مثل مذبحتي رفح الأولي والثانية والفرافرة الأولي والثانية وتفجيرات مديرية أمن القاهرة والقليوبية وغيرهما.. وقس علي ذلك ما تشاء.
ما الفرق بين التكفير والصحابة والتابعين؟!
يختلف فكر التكفير عن فكر الصحابة والتابعين والعلماء في أن أي خلاف فقهي أو فكري أو سياسي بين التكفيري والآخرين هو خلاف حق وباطل.. وكفر وإيمان.. وحزب الله وحزب الشيطان.. وموالاة المؤمنين وموالاة الكافرين.
أما الخلاف بين الصحابة والتابعين والعلماء فهو خلاف راجح ومرجوح.. وصواب وخطأ.. فقد اختلف الصحابة والتابعون والعلماء ولم يكفر بعضهم بعضاً ولم يفسق بعضهم بعضاً.. بل كان يعذر بعضهم بعضاً.. وكان الشافعي يقول: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب» وكان كل فريق من المختلفين يحب الفريق الآخر ويمدحه في حياته.
هل تكفير الآخرين من لوازم الشريعة؟!
لم يتعبد الله المسلمين أو أبناء الحركة الإسلامية أو الدعاة أو العلم بتكفير أحد من المسلمين.. بل تعبدهم بعكس ذلك.. فلن يسألنا الله يوم القيامة كم كفرت من الناس أو كم بدعت أو فسقت؟ ولكنه سبحانه سيسألنا: كم هديت؟.. كم حببت في الدين ورغبت في طريق الله؟.. وقربتم الخلق من الحق سبحانه.
وقد نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم المسلمين جميعاً عن تكفير أحد من المسلمين فقال: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما.. فإن كانت كذلك وإلا ردت عليه».
وقد قال حجة الإسلام الغزالي والذي ينبغي الاحتراز منه التكفير ما وجد إلي ذلك سبيلاً فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلي القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله محمداً رسول الله، خطأ.. والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم المسلم.
ويقول حجة الإسلام الغزالي أيضاً: «القضية أن تكف لسانك عن أهل القبلة - يعني المسلمين - ما داموا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله.. فإن التكفير فيه خطر، أما السكوت فلا خطر منه».
اليقين لا يزول بالشك
الأصل في المسلمين جميعاً الإسلام بيقين.. ولا يزول هذا الأصل إلا بيقين أشد منه.. عملاً بالقاعدة الأصولية المعروفة «الاستصحاب» أي استصحاب الأصل.. وعملاً بالقاعدة الأصولية الأخري «اليقين لا يزول بالشك».
نحن دعاة لا قضاة
فمهمة الدعاة من أبناء الحركة الإسلامية أوغيرها هداية الخلائق وليس تكفيرهم.. فالحكم علي الناس هي مهمة القضاة بما توفر لديهم من خصائص لا تتوفر لغيرهم مثل استيفاء الشروط وانتقاء الموانع وسماع شهادة الشهود وغيرها.. وتقرير إن كان قد قال هذا القول مكرها أو متأولاً أو جاهلاً.. كالذي قال في الحديث النبوي خطأ «اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح».
وعلي الشباب المسلم عامة والدعاة والحركات الإسلامية خاصة ألا يستلبوا مكان ودور القضاة فلا يكون همهم صباح مساء أن يقولوا: «فلان كافر وفلان فاسق وفلان مبتدع».. ولو أن مطلق هذه الأحكام طبق هذه المعايير التي يطلقاه بها الأحكام علي غيره لربما صار من الكافرين أو الفاسقين أو المبتدعين أيضاً.
هل ابن تيمية كان يدعو إلي تكفير المسلمين
كتب ابن تيمية كتباً كثيرة، بعضها كتب بأسلوب علمي صعب ودقيق يصعب علي كثير من شباب اليوم فهم معانيه ومراميه وبعضهم يقرأه بمشاعره وأحاسيسه ويقتنص منه ما يريد ويجتزئ منه ما يشاء مخرجاً إياه عن سياقاته العامة.
ومصيبة الجماعات التكفيرية أنها كانت دوماً تجتزئ كلمات ابن تيمية وغيره وتقتطعها من سياقاتها العامة.. وتستدل بها استدلالات باطلة لتكفير الكثير والكثير من المسلمين الذين كانوا يعيشون أيام ابن تيمية.. مع أن كثيراً من هذه الأنواع انقرض تماماً مثل الجهمية والمعطلة.. وبعضها تغيرت معظم أفكاره وآرائه.
والحقيقة أن ابن تيمية لا يفهم كتبه إلا من تبحر جيداً في علوم الشريعة وربط بعضها ببعض.. ولم يخرجها من سياقاتها.
ولعلي أسوق إلى هؤلاء بعضاً من كلمات ابن تيمية التي يحذر فيها من التكفير:
يقول ابن تيمية: «والذي نختاره ألا نكفر أحداً من أهل القبلة - أي المسلمين - وقد نقل عن الشافعي أنه قال لا أرد شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية.. فإنهم يعتقدون حل الكذب.. أما أبوحنيفة فقد حكي الحاكم عنه أنه لم يكفر أحداً من أهل القبلة.. وحكي أبوبكر الرازي عن الكرخي وغيره مثل ذلك.
ويقول ابن تيمية في مجموع الفتاوي 3/229 وكأنه يرد علي من يدعي عليه أنه يؤيد أفكار التكفير: «من جالسني يعلم مني أنني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلي تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخري.. وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل الخيرية القولية والمسائل العملية..ومازال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم علي أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية».
ويقول ابن تيمية في مجموعة الرسائل: «ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه..كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة.. والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم علي بعض.. ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله.
وعلي هذا فإن أكثر الجماعات التكفيرية مثل القاعدة وداعش وأخواتها والتي تكفر الكثير والكثير من المسلمين وتستدل علي ذلك بابن تيمية هي لم تعرف شيئاً عن فقه ابن تيمية.. ولا تحسن قراءة النص الشرعي دائماً سواء من القرآن أو من السنة أو من أقوال الفقهاء والعلماء وعادة ما تقرأه باجتزاء أو تحريف أو إخراج للكلام عن سياقاته.. أو تبني الفكرة أولاً ثم البحث عما يؤيدها من أقوال العلماء.. مع أن الأصل أن تقرأ للعلماء والفقهاء وتدرس أقوالهم وتربط بعضها ببعض لأن أن تضرب بعضها ببعض.. فالقرآن كله متجانس.. وكذلك السنة.. وكذلك أقوال الفقهاء والعلماء.
والغريب أن داعش مثلاً تكفر تسعة أعشار المسلمين في العالم ثم تستدل علي ذلك بأقوال بعض العلماء مثل ابن تيمية وهو منهم براء.
التكفير بالجملة
حكم الكفر هو حكم علي الشخص المعين المكلف شرعاً.. ولكن القاعدة وداعش وأنصار بيت المقدس وأنصار الشريعة يكفرون بالجملة.. فيكفرون مثلاً كل الجيوش العربية ومنها الجيش المصري وكل الشرطة في البلاد العربية وكل الأجهزة الأمنية السيادية في معظم الدول العربية والإسلامية.. وكل الشيعة بلا استثناء.. وكل الصوفية.
وداعش هي أكثر المجموعات تكفيراً إذ إنها تضيف إلي هؤلاء كل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية، مثل الحرية والعدالة والنور والبناء والتنمية وغيرها.
والغريب أن هؤلاء يفعلون ذلك وكأنهم لم يقرأوا القرآن العظيم حينما يتحدث عن خصومة العقائديين من أهل الكتاب ليعدل معهم بقوله تعالى «لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَّابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللِّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ» ودائماً يتحدث عنها بتعبير «ومنهم» وهي للتبعيض.
فلا يمكن أن تكون هناك أسرة واحدة فضلاً عن سرية أو كتيبة أو جيش يشمله حكم واحد.. وإذا كان آل فرعون كان منهم مؤمن آل فرعون وهم جميعاً كانوا كفاراً.. فهل يجوز تكفير جيش أو جيوش العرب جميعاً.
إن الإيمان والكفر مناطهما القلب أساساً.. وكما أن الإنسان يدخل الإسلام باختياره وإرادته فإنه لا يخرج منه إلا باختياره وإرادته كما نص كثير من الفقهاء.
وقد نهي الإسلام عن تعميم الأحكام أو العقوبة وذلك في قوله تعالى «أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إلَّا مَا سَعَى» وقوله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ».
ولعل تكفير جماعة أنصار بيت المقدس للجيش المصري يفسر أنها قتلت الجرحى من الجنود المسلمين في مذبحة رفح الأولي في سابقة بشعة فريدة.
تشريح العقل التكفيرى
مشكلة التكفيريين تكمن في عقولهم.. وفي سوء فهمهم للنص الشرعي.. وليس في شيء آخر.. فبعضهم غني لا ينقصه المال.. وبعضهم لديه وظيفة مرموقة.. وبعضهم لا يشكو من مشاكل اجتماعية.. وبعضهم قد يصلي أو يصوم أكثر من غيره.. وبعضهم حسن النية.. ولم يكن الخوارج قديماً تنقصهم العبادة فقد كانوا صواماً قواماً قراء للقرآن.. ولكن صيامهم وقيامهم لم ينفعهم لأن مشكلتهم ليست في إنكار النص الشرعي مثل القرآن والسنة.. ولكن مشكلتهم في سوء فهمه وتأويله تأويلاً فاسداً.. ولعل هذا يفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن الخوارج والتكفير يحقر أحدكم صلاته إلي صلاتهم وقيامه إلي قيامهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية».
ويمكنني تشريح العقل التكفيري في النقاط الآتية مختصرة:
1 - العقل التكفيري عقل سطحي إذ إن كل خلاف بينه وبين الآخرين في أمر الدين هو خلاف في العقيدة.. هو كفر أو إيمان.. هو مفاصلة عقائدية.. ينتج عنها أن يكون أحد الفريقين مؤمناً والآخر كافراً.
وهل يمكن أن تتحول الخلافات السياسية أو الفقهية أو الأدبية أو الإدارية أو الاجتماعية إلي خلافات عقائدية.. والأدهي أن يصبح أحد الفريقين كافراً بعد أن كان مسلماً.
2 - العقل التكفيري يستكثر رحمة الله بخلقه، ويضن بها عليهم.. فكيف يدخل هذا العاصي الجنة، وكيف يتساوي مرتكب الكبيرة مع العابد والزاهد ليدخل هؤلاء الجنة سوياً.. ناسياً أن الله غفر لبغي «أي مومس».. لأنها سقت كلباً، رأته يلهث في الصحراء من العطش، فنزلت البئر وملأت خفها وسقته.. وكأن الله يقول لهذه البغي «أنا أكثر منك جوداً وكرماً»، وقد قال ابن القيم تعليقاً علي ذلك: «إن أنوار الرحمة والتوحيد التي أضاء بقلبها في هذه اللحظة، وهي تسقي الكلب إرضاء لله وحده دون سواه، فلم يكن يراها أحد من الخلق.. ناهيك عن التواضع لهذا الحيوان الضعيف.. كل هذه الأنوار أذهبت نار المعصية من قلبها فغفر الله لها».
3 - العقل التكفيري ينتمي لمن قال رسول الله صلي الله عليه وسلم عنهم: «من قال هلك الناس فهو أهلكهم».. فهم لا يعجبهم أحد.. يكفرون الحاكم وأعوانه.. والشرطة والجيش.. ويكفرون البرلمان أيضاً.. ويكفرون الصوفية ويكفرون بعض الحركات الإسلامية.. فالناس جميعاً عندهم هلكي.
وكان صديقي المهندس حمدي عبدالرحمن يمزح مع أحدهم، فيعطيه ورقة صغيرة ويقول له مازحاً: «اكتب لي في هذه الورقة أسماء المسلمين في العالم من وجهة نظرك»، وكان هذا أكبر تعبير عن نظرية «هلك الناس».. فهو شامخ بنفسه مغتر بإيمانه.. يري نفسه أفضل من الآخرين.. رغم أن الرسول صلي الله عليه وسلم بشره «بأنه أهلكهم» بضم الكاف.. أي هو أسوأهم وأشرهم.. أو بفتح الكاف أي أهلكهم بترك دعوتهم والاستطالة والتكبر عليهم.
الجزء التطبيقي
فكر داعش ولاية سيناء
مر تنظيم داعش «ولاية سيناء» بثلاث مراحل:
المرحلة الأولي: هي المرحلة التي سمي فيها نفسه باسم «التوحيد والجهاد».
والمرحلة الثانية: هي مرحلة «الولاء المطلق للقاعدة» والتي أعقبت ثورة 25 يناير وهي التي تجمعت فيها كل الفصائل السيناوية وانتظمت في عقد واحد وسمت نفسها «أنصار بيت المقدس».
أما المرحلة الثالثة: فهي التي تركت القاعدة وخلعت بيعتها لأيمن الظواهري وأعلنت ولاءها الكامل لداعش وبايعت البغدادي.. وفي كل هذه المراحل المتباينة كان فكرها الأساسي هو «فكر التكفير والتفجير».. ولكن المرحلة الأولي «التوحيد والجهاد» كانت أقلها في التكفير والتفجير.. أما الثانية فتزيد عنها تكفيراً وتفجيراً.. أما الثالثة فهي الأخطر والأفظع تكفيراً والأشرس تفجيراً.
وفي كل مراحل التنظيم كان فكر التكفير هو القاسم المشترك والعمود الأساسي لفكر التنظيم.. وكان التنظيم في كل مراحله الثلاث يكفر كل الحكام المصريين بدءاً من مبارك الذي شهد عهده نشأة التنظيم ومروراً بطنطاوي ومرسي والسيسي.. وهم يعتبرون أن هؤلاء الحكام جميعاً فضلاً عن كل الحكام العرب كفاراً لأنهم لا يطبقون الشريعة ولا يحكمون بما أنزل الله بحسب فكرهم لأن تصورهم عن الشريعة مقصور جداً ولا يجاوز موضع نعالهم.. ويصدق فيهم بحق قول الشيخ محمد الغزالي: «هناك أقوام يقرأون الإسلام من نعله.. والإسلام يقرأ من رأسه».. وأعتقد أن تنظيم القاعدة وداعش هم أعظم من يصدق عليهم هذا الأمر.
كما أن التنظيم في مراحله الثلاث يكفر كل أجهزة الشرطة والأجهزة الأمنية الأخري ويعتبرها من أعوان الطاغوت.. ولكنه في مرحلته الأولي لم يكن يصطدم فكرياً ولا واقعياً بالجيش المصري وكان كل عدائه مع الشرطة المصرية.
ولكن مرحلته الثانية التي انتمي فيها لفكر القاعدة بدأ يكفر الجيش المصري.. ثم بدأ بعد ذلك في استهدافه وذلك بعد مقتل بعض أفراده في حصار وزارة الدفاع في العباسية والذي كان يشارك فيه مجموعات تكفيرية كثيرة تنضوي تحت لواء «حازمون».
وبدأ هذا الصدام في عهد د. مرسي بأسوأ مذبحة وهي التي أطلق عليها «مذبحة رفح الأولي».. ثم بدأ أكثر شراسة في التكفير والتفجير بعد 30 يونية وخلع د. مرسي واستهداف الجيش لهذه المجموعات وتصديه لها.. ثم زادت حدة تكفير التنظيم للجيش المصري وكل الجيوش العربية بعد المواجهة المفتوحة التي تمت بينهما بعد انضوائه لداعش من جهة واستهدافه المستمر لوحدات الجيش المصري.
والتنظيم في كل مرحلة يكفر البرلمان لأنه يشرع من دون الله من وجهة نظره دون أن يدرك أن الله قد أباح للبشر التشريع في خمسة أمور:
1 - التشريع فيما لا نص فيه وهي مساحة العفو التشريعي كما يطلق عليهما بعض العلماء.. وهي أوسع المساحات لأن آيات القرآن في الأحكام لا تزيد على 80 آية فقط.
2 - التشريع في كل المباح وهي أكبر مساحة في الكون.
3 - التشريع بالقياس.. فلولا القياس وهو عمل العلماء والمشرعين ما استطاع أحد أن يحرم الحشيش والأفيون والهيروين لأنها ليست مذكورة بنصوصها في النصوص الشرعية من القرآن أو السنة.
4 - التشريع بالمصلحة المرسلة.. وهي المصالح التي تفيد البلاد والعباد وليس عليها نص يوجبها أو يمنعها مثل قوانين الإسكان وقوانين تنظيم الجامعات وقوانين إدارة العمل في الحكم المحلي وتحوله.. والأمثلة عليها لا تحصي.
5 - تقنين الشريعة في صورة قوانين ملزمة أمام القاضي حتي لا يشق عليه الأمر في الاجتهاد في كل مسألة كما كان يحدث من قبل.
6 - التشريع بالاختيارات الفقهية.. فمن حق المشرع البشري أن يختار من بين الآراء الفقهية المتعددة ما يناسب البلاد والناس والأعراف مثل اختيار المشرع المصري أن الحلف بالطلاق هو يمين وليس طلاقاً.. وأن الطلاق بالثلاثة يقع واحداً.. واختياراته في الخلع ونحوها مما يناسب الأسرة المصرية ويصلحها.
أما التنظيم وغيره من التنظيمات التكفيرية فتظن أن البشر لا حق لهم في التشريع مطلقاً.. والحقيقة أن الله هو الذي أعطي للبشر حق التشريع بضابط واحد هو ألا يحل هذا التشريع حراماً ولا يحرم حلالاً ولا يصطدم بثوابت الإسلام.
وحق البشر في التشريع هو الذي يعطي الإسلام حيويته ومرونته وصلاحيته لكل العصور بعكس ما يتصور هؤلاء الذين لا يفهمون من الدين إلا القشور.
ويكفر التنظيم الصوفية جميعاً ويكفر كذلك الشيعة جميعاً كما يكفر الأحزاب السياسية.. وبعضهم يكفر الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مثل حزب النهضة في تونس وحزب الحرية والعدالة في مصر.. وكذلك حزب النور وغيرها.
ولعل هذه الإضافة هي بصمة دخول التنظيم في الإطار الداعشي العالمي لأن القاعدة لا تكفر هذه الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.. قد ترفض «القاعدة» الحزبية لأنها تري أن الحرب والقتال هي الطريقة الأوحد لقيام الدولة التي يريدونها ولكنهم لا يكفرون هذه الأحزاب وتعتبرها القاعدة الآن اجتهادات لا تكفر أصحابها.. ولكن داعش الأكثر غلواً وتكفيراً وتفجيراً لديها مساحات واسعة للتكفير تفوق غيرها بمراحل.
ولي كلمة مشهورة تعبر تعبيراً دقيقاً عن فكر داعش أنها «سوبر تكفير».
والأزمة الفكرية لتنظيم القاعدة وداعش واحدة وهي تتمثل في القياسات الخاطئة والباطلة والتي تمثل الخطأ الاستراتيجي في فكرها والذي تتبني عليه كل الأخطاء الفكرية الأخري.
وهذه القياسات الثلاثة الباطلة تعد الأزمة الحقيقية لكل الجماعات الجهادية التي تفرعت وانتشرت في كل البلاد الإسلامية وهي تتمثل في الآتي:
أولاً: قياس الجيوش العربية علي جيش التتار وذلك القياس الخاطئ نتج عن قراءة خاطئة لبعض كتابات شيخ الإسلام ابن تيمية وفهمها فهماً خاطئاً تم تنزيلها علي واقع غير واقعها دون إدراك أن نقل الفتاوي من عصر إلي عصر ومن زمان إلي زمان يستلزم شروطاً فقهية محكمة جداً ومعقدة جداً.. وقد بسطت ذلك في بعض كتبي مثل «فتوي التتار قراءة صحيحة والذي صدر عن دار العبيكان».
والفرق بين الجيش المصري مثلاً وجيش التتار كالفرق بين السماء والأرض، فجيش التتار كان جيشاً همجياً غازياً.. وكان وثنياً ولم يدخل بعض جنوده الإسلام إلا بعد قرابة مائة عام من عهد جنكيز خان.. وكان يقتل كل من لقيه.. وكان يغتصب النساء ويقتل الأطفال ويحرق المدن بعد الاستيلاء عليها.. وكان يدمر المكتبات ويحرقها مثل مكتبة بغداد وكان مشهوراً بالغدر والخيانة.. وكان يعتبر جنكيز خان ابناً للإله.
وأي إنسان لديه ذرة عقل أو حكمة أو فطنة يدرك أن هذا الجيش لا يمكن قياسه علي الجيش المصري أو أي جيش عربي وطني.. فكل معسكر في الجيش المصري به مصلي.. وتقام فيه صلاة الجمعة.. وهو يدافع عن الوطن ولا يغزوه.. وحارب أعداء الوطن والإسلام كثيراً.. وقدم تضحيات كبري في حرربه مع إسرائيل.. ويحتفل بكل المناسبات الدينية الإسلامية. وكانت صيحته في حرب أكتوبر «الله أكبر».. وكان ضباطه المحاصرون في حرب أكتوبر يقرأون القرآن.. ويقيمون الصلوات ويحبون الشهادة في سبيل الله.. ولكن عمي القلوب والعقول الذي أصاب القاعدة وداعش ومن سار علي دربهم في التكفير هو الذي أضلهم عن بطلان هذا القياس.. ونسي هؤلاء أن ابن تيمية كان موالياً ومدعماً لجيش المماليك وقتها وهو الجيش الذي يدافع عن البلاد وأن كل فتاواه كانت ضد الجيش الغازي وليس الجيش الوطني رغم ما كان في جيش المماليك من مسالب ومظالم.
ثانياً: قياس كل الحكام العرب بجنكيز خان:
وهذا القياس من أبطل وأسوأ القياسات فجنكيز خان كفره ابن تيمية لأنه لم يكن مسلماً في الأصل.. وكان حاكماً وثنياً.. وكان يري نفسه ويسوق نفسه بين جيشه وشعبه أنه «ابن الله».. وأن «الوحي يتنزل عليه» وكان يصعد جبلاً ثم يمكث فيه فترة ثم ينزل ليقول لهم لقد أوحي إلي بكذا وكذا.. ويكتبونه في كتابهم الياسق.. وهو الذي جمع فيه جنكيز خان كل توجيهاته وتعليماته التي أوهم شعبه وجيشه أنها من وحي الله إليه.. ومن يتأمل الياسق كما سنشرح يدرك ببساطة أنه مجموعة من الخزعبلات والأوامر الاستبدادية التي يتعجب المرء كيف كان التتار يقدسونها ويعتبرونها دستوراً لهم.
ومن يقيس حكام العرب في أي عصر من عصورهم بجنكيز خان فقد ضل سواء السبيل.. فهم حكام وطنيون كل بحسب اجتهاده وفكره.. وهم يصيبون ويخطئون.. ويطيعون ويعصون.. ويلتزمون بالشريعة تارة ويتركونها أخري تارة تحت ضغوط سياسية أو اقتصادية أو دولية أو بحسب فهمهم للشريعة.. ومعظم صراعاتهم مع الإسلاميين هي صراعات حول الحكم والسياسة والسلطة.. وهم لا يكرهون الشريعة ولكنهم يكرهون من ينافسهم علي السلطة.. وليس فيهم حاكم جاء من خارج بلاد المسلمين ليغزوها أو يهلك الحرث والنسل فيها.
وقياس هؤلاء الحكام بجنكيز خان قياس باطل لا يستند علي أي أساس وتكفيرهم لا سند له.. حتي وإن ظلم بعضهم أو جار أو فسد، فهذا لا يبرر تكفيره لأن الفقهاء فرقوا بين الظلم والشرك.. وقد أوضحت الآية أن الشرك هو الظلم الأكبر «إن الشرك لظلم عظيم».. وهو يختلف عن ظلم الإنسان لنفسه أو لغيره.. والظلم والفسق والجور ينقص الإيمان ولكنه لا ينقضه.
ثالثاً: قياس الدساتير والقوانين في بلاد المسلمين بالياسق:
القياس الباطل الثالث الذي أوقع كل الجماعات التي تنتهج ثنائياً التكفير والتفجير في كل الأخطاء المتتالية هو قياس الدساتير والقوانين في مصر وكل البلاد الإسلامية ب«الياسق».. وهو كتاب ألفه جنكيز خان لجيشه وشعبه وهو كما قال ابن تيمية خليط عجيب من الديانات المختلفة بالإضافة إلي أفكار خاصة بجنكيز خان.. وكان التتار يعتبرون «الياسق» وحياً من الله أنزله علي ابن الإله جنكيز خان.. حيث كان الأخير يصعد جبلاً يمكث فيه فترة تطول أو تقصر ثم ينزل إليهم ويأمرهم بكتابة بعض الأوامر.. والغريب في هذا الكتاب أنه يحوي عقوبة واحدة علي كل المخالفات التي وردت فيه وهي عقوبة الموت والإعدام.
ومن تأمل الياسق ودرس بعض ما فيه يجد أن أسوأ الدساتير أو القوانين لا يمكن أن تحمل مثل هذا الخبل.. ومعظم دساتير الدولة العربية والإسلامية جيدة والمشكلة ليست فيها ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تطبيقها أو الالتفاف عليها.. ولو طبقت هذه الدساتير حقاً لأصبحت بلاد المسلمين جنة علي الأرض.
ومن أمثلة القواعد القانونية في الياسق ما يلي:
1. من بال في الماء قتل.
2. ومن أطعم أسيراً قتل.
3. ومن ذبح حيواناً ذبح مثله..بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده ويأكله.
4. من تعمد الكذب قتل.
5. من دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل.
6. من رمي إلي أحد شيئاً من المأكول قتل بل يناوله يداً بيد.
وقد كان الياسق قانوناً معصوماً مقدساً لا يجرؤ أحد علي مخالفته أو معارضته فهل للقوانين والدساتير الموجودة في بلادنا أدني صلة بمثل هذا الهراء.. فالقوانين والدساتير في بلادنا لم يقل أحد إنها معصومة.. وتخضع للتبديل والتغير دائماً.. والكثير منها لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية وبعضها ينبع منها مباشرة وبعضها الآخر لا يتصادم معها.. والقلة القليلة تخالف الشريعة الإسلامية.. والمشكلة في بلادنا ليست في الدساتير بقدر ما تكمن في عدم تطبيقها أو الالتفاف حولها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.