برلماني: مواجهة ظواهر التنمّر والعنف في المدارس مسؤولية مجتمعية    نواب الشيوخ يطالبون بتكاتف الجهود لمواجهة التنمر والعنف في المدارس والجامعات    23 يونيو 2025.. الجنيه يرتفع 12 قرشا أمام الدولار رغم التوترات الجيوسياسية    محافظ الغربية يشهد توزيع دفعة جديدة من لحوم صكوك الأضاحي    بلومبرج: 4 سيناريوهات محتملة تواجه الاقتصاد العالمي بعد الضربات الأمريكية لإيران    برلمان إيران يتسلم مشروعا لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    صحة غزة: 39 شهيدا و317 إصابة جراء عدوان الاحتلال آخر 24 ساعة    السويد: لا يمكننا أن نظل مجرد متفرجين على أوضاع غزة    ما هي منشأة فوردو النووية في إيران؟.. شاهد    مدرب العين يكشف أسباب الخسارة.. ويتحدث عن مواجهة الوداد    صحيفة.. فيفا يفتح تحقيقًا في مزاعم إساءة عنصرية للاعب ريال مدريد    أول رد من رئيس حى شبرا عن سبب انهيار عقار بشارع الترعة البولاقية    مطروح: لا شكاوى من امتحان مادة التوحيد لطلاب القسم العلمى بالثانوية الأزهرية    رفع جلسة استئناف قضية طفل دمنهور لبحث طلبات دفاع المتهم    الليلة.. عرض الوهم واليد السوداء ضمن مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    بعد انتهاء أعمال التطوير.. وزير الثقافة يفتتح مكتبة نجيلة في شمال سيناء    منها انتقاء المصادر.. 7 إجراءات تساعدك على متابعة الأخبار دون توتر    وزير الصحة: حريصون على ترسيخ شراكات أفريقية في المجال الصحي وبناء أنظمة تخدم القارة    بسبب قوة الدولار.. تراجع الذهب عالميا ليسجل أدنى مستوى عند 3347 دولارا للأونصة    التحقيقات تكشف تفاصيل انهيار عقار ب شبرا مصر    مدرب إنتر ميامي: مواجهة بالميراس لحظة تاريخية    كأس العالم للأندية.. تشكيل الأهلي المتوقع ضد بورتو البرتغالي    تامر حسني يحافظ على المركز الثاني بفيلم "ريستارت" في شباك تذاكر السينمات    د.حماد عبدالله يكتب: عصر "الكتاتيب"،"والتكايا!!"    البحوث الإسلامية: إنصاف الأرامل واجب ديني ومجتمعي لا يحتمل التأجيل    ترامب: أضرار جسيمة لحقت بالمواقع النووية الإيرانية على عمق كبير تحت الأرض    ارتفاع أسعار الفاكهة اليوم بأسواق الإسكندرية.. البرقوق ب55 جنيها للكيلو    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش خطة الخدمات الطبية المتكاملة المقدمة    الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    الحجر الزراعي يشكل لجان للمتابعة والرقابة على محطات التعبئة ومواقع الإنتاج    المجموعة الخليجية بالأمم المتحدة تحذر من تداعيات استمرار التصعيد بالشرق الأوسط    ضبط أحد الأشخاص بالقليوبية لقيامه بإدارة كيان تعليمى "بدون ترخيص"    الزمالك: الإعلان عن المدير الفني الجديد خلال الأسبوع الجارى    «وزير الإسكان» يشدد على رفع مستوى الخدمات المقدمة لسكان ورواد قرى مارينا    ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر: مرض السرطان تحديًا صحيًا عالميًا جسيمًا    رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    كوريا الشمالية تندد بقوة بالهجوم الأمريكي على إيران    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    في القاهرة والمحافظات.. مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23 يونيو 2025    شركات الطيران العالمية تراجع خططها فى الشرق الأوسط بسبب حرب إيران وإسرائيل    رغم تذبذب مستوي محمد هاني .. لماذا يرفض الأهلي تدعيم الجبهة اليمنى بالميركاتو الصيفي؟ اعرف السبب    كوريا الشمالية تندد بالهجوم الأمريكي على إيران    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    «متقللش منه».. مشادة على الهواء بين جمال عبدالحميد وأحمد بلال بسبب ميدو (فيديو)    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    هاني رمزي: ريبيرو لديه بعض الأخطاء..والحكم على صفقات الأهلي الجديدة صعب    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ما حكم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى؟.. أمين الفتوى يجيب    حقيقة تحديد 4 نوفمبر المقبل موعدا لافتتاح المتحف المصري الكبير    مأساة في البحيرة.. طفلان خرجا للهروب من حرارة الصيف فعادا جثتين هامدتين    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    السبكي: الأورام السرطانية "صداع في رأس" أي نظام صحي.. ومصر تعاملت معها بذكاء    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    18 يوليو.. هاني شاكر يلتقي جمهوره على مسرح البالون في حفل غنائي جديد    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاجة "زينب" تشبة مصر..كبيرة بس مش عجوزة
نشر في الوفد يوم 30 - 09 - 2011

علي وجهها ارتسم الزمن بأقسي صوره، لتحكي تعاريجه قصة الحياة وثمانين عاماً مضت، عندما تراها داخل عشتها الصفيح، تتمني الا تعيش حتي ارذل العمر، وعندما تحادثها،
تحملك بعيداً إلي عالمها الخاص المليء بالصراع من أجل لقمة العيش، وبين هذا وذاك لا تملك إلا أن تبتسم لكلماتها، وهي تصف الكون حولها بكلمات بسيطة، لا تخلو من السخرية وايضا المرارة، انها الحاجة زينب، او عجوز اسطبل عنتر، اشهر واقدم سيدة بالمنطقة، والتي يقصدها معظم سكان الاسطبل لا لشيء الا لشراء «حزمة جرجير».
تعيش الحاجة زينب حياة لا تقل جفافاً عن الصفيح المصنوع منه عشتها التي تشبه القبر، فلا اقارب ولا اصدقاء، حيث تقيم بمفردها بعد وفاة زوجها وزواج ابنائها وانصرافهم لشئون حياتهم وقد اسقطوها من حساباتهم، عندما ذهبت اليها، كانت تجلس بجوار باب «عشتها» وأمامها كمية بسيطة من الخضراوات (جرجير – فجل – بقدونس) تبيعها لتحصل من ثمنها القليل ما تواجه به الحياة الذي عايشته معظم عمرها، بعد أن انفض الكون من حولها، حين رأيتها، لم امنع نفسي من تذكر وجوه كل الأثرياء ولصوص الدولة الذين أثروا بالمليارات ونهبوا اموال مصر، ولم يدر بخلد احدهم، إنه في تلك البقعة من ارض مصر توجد امرأة مثل الحاجة زينب، او ام اسماعيل، التي لا تعرف من الطعام الا الخبز الحاف، وتعيش في عشة لا تتجاوز المترين لاكثر من 50 عاما، لا يفرق لديها البرد او الحر، ولا تعرف شيئا عما يدور خارج محيط الاسطبل، لا تعنيها ثورة ولا حكومات سقطت او اخري اعتلت عروش الكراسي، رغم هذا لم اجد مفراً من سؤالها عما تعرفه عن ثورة 25 يناير وسقوط مبارك، وقد قررت ان انقل كلماتها وردود افعالها كما هي دون رتوش أو تعديل، قبل أن أفاتحها في أي شيء صرخت في وجهي بصورة مباغتة «خليني في حالي.. انا معرفش حاجة عن (المحروق) ده اهو غار في ستين داهية وخلاص.. واحنا منعرفش حاجة عنه» وكأنها كانت تتوقع سؤالاً أو تتوجس خيفة من شيء ما..
ويتزايد لدي الاصرار علي معرفة رأيها في حقبة مبارك، فيهدأ صوتها وتبعث منه إنه الالم كله زي بعضه لو متنا من الجوع محدش عالم بينا.. ولو شبعنا محدش بيسأل علينا محدش عارف عننا اي حاجة بنشتغل اي حاجة وناكل من عرق جبينا أي حاجة.
وتشدني كلماتها برغبة جامحة للغوص اكثر في أعماقها وأسألها: تعرفي سوزان مبارك فتقول «أنا شفتها مرة واحدة في السعودية.. فضلت احوش القرش علي القرش والجنيه علي الجنيه، لحد ما جمعت فلوس الحج، كان نفسي ازور البيت، ورحت حجيت والحمد لله، وهناك شفت سوزان مبارك، كانت في الحرم في الدور الاول وأنا كنت في الثاني، والفلاحين قعدوا يجروا وراها، والعسكر يبعدوهم، فقلت لواحدة كانت معايا، احنا احسن منها، هما بيجروا عليها ليه، الناس الغلابة مفكرينها زيادة عنهم، وإيه يعني بلا فلوس بلا طمع دنيا، اهم عملوا بيها إيه.. اهم راحوا ربنا يسهلهم واحنا الحمد لله، ربنا بيرزقنا ناكل مرة ونجوع مرة بس، ساترها معانا، حتي الكفن جبناه وزمزمناه، ومستنين الاجل، وقت ما يجي، اهل الخير يجيبوا الخشبة ونطلع علي بلدنا نروح».
وفجأة تنهمر الدموع من عينيها وأعجز عن استخلاص مزيد ملامح الحزن الفائض من وجهها الحزين، واذا بها تقول «أنا صعبان علي نفسي.. احنا قاعدين في الشارع ومحتاجين، ومحدش بيسأل فينا، انا عندي 84 سنة عمري، ما زعلت حد، واذا زعلت من حد اتجنبه لأني كدة ابقي عرفته وعرفت طريقته في التعامل انا مش عارفة أهي الحكومة ما تسألش عننا ليه».
ويدفعني فضولي لسؤالها عن أبنائها، ولماذا لا تعيش معهم؟
تقول في لهجة يشوبها الكبرياء المهزوم «أنا عند ولد وبنت متجوزين، واحد في المقطم والثانية في اثر النبي، بس ماحدش بيسأل علي حد، ولما يكونوا محتاجين حاجة لاقيهم جايين وياخدوها مني».
وتنظر بعينيها الغائرتين في تلافيف وجهها وتشير لغرفتها في اعتزاز غريب الأوضة دي انا بنيتها بإيدي، أول ما جيت من بلدي طهبار، أصلي أنا من الفيوم، ولما جيت لمصر كانت بنتي لسة (لحمة حمرة) الأول بنيتها بالاقفاص، بس فيه ناس كتير بتحب الشر حرقوها علشان امشي، بس انا ماليش مكان غيرها، قلت ابنيها بالطوب والصفيح زي ما انت شايفة، وهي من غير مراحيض، ولما احب ادخل المرحاض اروح عند ناس هنا ساكنين جنبي، وتعتلي شفتيها العجفاوين ابتسامة خفيفة وتهمس لي «أصلي أنا ما بروحش المراحيض كتير، عشان مش باكل كتير».
وعندما سألتها عن زوجها؟
قالت «كان راجل غلبان، وعلي قد حالة، ومكنش عنده شغل، اهل الخير شغلوه في الجامع، لكنه مرض فترة ومات من 15 سنة، وانا ما عرفش اخدم في البيوت، ولا احب اخذ حاجة من حد، عشان محدش يبقي له جميل عليا ويعايرني بعد كدة».
واسألها عن اقاربها في الفيوم وهل يزورها اي منهم تقول: أنا مش عايزة حد يسأل علي، لأنه لو اداني حزمة جرجير.. هيكون عايز «حمارة محملة» قصادها وانا هجيب له منين؟.. مش لما اكفي نفسي الاول.. انا بحب ان اكون مع نفسي، اجوع.. اشبع، محدش يبقي له عندي حاجة، انا مش لوحدي فقيرة وحالتي كدة زي مانت شايفة، لا فيه كتير غيري برضه جعانين.
وقبل ان اغادرها، اردت ان اعرف، هل زار مسئول ما اسطبل عنتر وشاهد الحاجة زينب او ام اسماعيل في حالها الذي يعد اكبر شاهد علي عصر مبارك، واي عصور اخري لو لم تمتد اليها يد العون، وتحيطها قلوب الرحمة، واسالها، هل زارك اي مسئول؟
تقول: ربنا يخليه رئيس الحي جه مرة واحدة، وجابلي لمبة علشان ماكنش عندي.. بس بعد ما مشي الناس خدوها مني.. بس واحد من اهل الخير شحتني سرير، عشان كنت بنام علي الأرض.
ربت علي كتفها مودعة، فيما تربت هي بدورها علي كتفي وتقول في ابتسامة الكريم المحروم «أجبلكم حاجة ساقعة انا قدها والله وربنا ساترها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.