«عبد اللطيف» يشارك فى فعاليات النسخة الرابعة من منتدى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف "اسمع واتكلم"    جدول التقييمات المبدئية والنهائية للصف الثاني الابتدائي بمحافظة البحيرة    القومي للمرأة يناقش قضايا التواصل والعنف السيبراني    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    بخطى واثقة نحو العالمية.. مصر ترسخ ريادتها في مجال الطاقة الشمسية| صور    شعبة المواد البترولية تكشف حقيقة «البنزين المغشوش»    61.15 دولار للبرميل.. تعرف على أسعار النفط بالأسواق العالمية    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    «الأونروا»: 66 ألف طفل في غزة يعانون من سوء تغذية خطير    زعيمة حزب الخضر في ألمانيا: نريد حكومة قادرة على التصرف    ما الذي تحمله الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة؟    ضربة موجعة لستارمر.. رفض طلب لندن الوصول لبيانات الجريمة والهجرة الأوروبية    إيران تؤكد تمسكها بمواقفها في مفاوضات الملف النووي    الحوثيون: مقتل 4 أشخاص وإصابة 39 جراء غارات إسرائيل على الحديدة    الزمالك يفاضل بين ثنائي لمنصب مدير الكرة    الزمالك يتواصل مع "باتشيكو وبوطيب" لحل أزمة القيد    د. أسامة أبوزيد يكتب: الرئيس السيسي.. و«وشاح» الفروسية العالمي    ضبط المتهمين بالنصب على شخص ببيع تمثالين على أنهما قطع أثرية بالقاهرة    حق روان مش هيضيع.. مظاهرات حاشدة لطلاب جامعة الزقازيق للمطالبة بكشف ملابسات وفاة طالبة العلوم    الإعدام لمتهم بقتل طفل داخل مصلى العيد فى نجع حمادى بقنا    غياب نجوم الفن عن جنازة الفنان نعيم عيسي    فرقة غزل المحلة تعرض "نساء شكسبير" بالقناطر الخيرية ضمن مهرجان نوادي المسرح    رئيس الجمعية الكورية للمسرح يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    تجهيز مستشفى السباعية وتطوير قسم الغسيل الكلوي ب«كوم أمبو»    كلية التمريض جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول المشروع القومي لمشتقات البلازما    تطوير منطقة الكيت كات أبرزها.. تفاصيل لقاء محافظ الجيزة رئيسَ "التنمية الحضرية"    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    18 مايو.. بدء محاكمة مرتضى منصور في اتهامه بسب خالد يوسف وزوجته    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    أرباح"القناة للتوكيلات الملاحية" تقفز 66% مدعومة بزيادة أرباح شركتين تابعة    في ذكرى وفاته ال23.. المايسترو صالح سليم حاضر في قلوب الأهلاوية وإرثه يلهم الأجيال    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    داليا البحيري تشارك جمهورها مقطع فيديو من زيارتها لأسوان    مركز السينما العربية يكشف عن برنامجه في مهرجان كان السينمائي ال78    أبرز اللقطات من داخل عزاء زوج كارول سماحة | صور    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    "الأونروا": 66 ألف طفل يعانون من سوء التغذية في قطاع غزة    عقب التوتر مع باكستان.. حكومة الهند تأمر الولايات بتدريبات دفاع مدني    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    شوبير: الأهلي استقر على مدربه الجديد من بين خمسة مرشحين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    قرار عاجل من التعليم لإعادة تعيين العاملين من حملة المؤهلات العليا (مستند)    كم يوم متبقي حتى عيد الأضحى 2025 ؟    وزير الري: خطة وطنية لمراجعة منشآت حصاد مياه الأمطار    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    «العربية للتصنيع» تتعاون مع شركة أسيوية لتأسيس مشروع لإعادة تدوير الإطارات المستعملة    «الصحة» تستعرض إنجازات إدارة الغسيل الكلوي خلال الربع الأول من 2025    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحاجة "زينب" تشبة مصر..كبيرة بس مش عجوزة
نشر في الوفد يوم 30 - 09 - 2011

علي وجهها ارتسم الزمن بأقسي صوره، لتحكي تعاريجه قصة الحياة وثمانين عاماً مضت، عندما تراها داخل عشتها الصفيح، تتمني الا تعيش حتي ارذل العمر، وعندما تحادثها،
تحملك بعيداً إلي عالمها الخاص المليء بالصراع من أجل لقمة العيش، وبين هذا وذاك لا تملك إلا أن تبتسم لكلماتها، وهي تصف الكون حولها بكلمات بسيطة، لا تخلو من السخرية وايضا المرارة، انها الحاجة زينب، او عجوز اسطبل عنتر، اشهر واقدم سيدة بالمنطقة، والتي يقصدها معظم سكان الاسطبل لا لشيء الا لشراء «حزمة جرجير».
تعيش الحاجة زينب حياة لا تقل جفافاً عن الصفيح المصنوع منه عشتها التي تشبه القبر، فلا اقارب ولا اصدقاء، حيث تقيم بمفردها بعد وفاة زوجها وزواج ابنائها وانصرافهم لشئون حياتهم وقد اسقطوها من حساباتهم، عندما ذهبت اليها، كانت تجلس بجوار باب «عشتها» وأمامها كمية بسيطة من الخضراوات (جرجير – فجل – بقدونس) تبيعها لتحصل من ثمنها القليل ما تواجه به الحياة الذي عايشته معظم عمرها، بعد أن انفض الكون من حولها، حين رأيتها، لم امنع نفسي من تذكر وجوه كل الأثرياء ولصوص الدولة الذين أثروا بالمليارات ونهبوا اموال مصر، ولم يدر بخلد احدهم، إنه في تلك البقعة من ارض مصر توجد امرأة مثل الحاجة زينب، او ام اسماعيل، التي لا تعرف من الطعام الا الخبز الحاف، وتعيش في عشة لا تتجاوز المترين لاكثر من 50 عاما، لا يفرق لديها البرد او الحر، ولا تعرف شيئا عما يدور خارج محيط الاسطبل، لا تعنيها ثورة ولا حكومات سقطت او اخري اعتلت عروش الكراسي، رغم هذا لم اجد مفراً من سؤالها عما تعرفه عن ثورة 25 يناير وسقوط مبارك، وقد قررت ان انقل كلماتها وردود افعالها كما هي دون رتوش أو تعديل، قبل أن أفاتحها في أي شيء صرخت في وجهي بصورة مباغتة «خليني في حالي.. انا معرفش حاجة عن (المحروق) ده اهو غار في ستين داهية وخلاص.. واحنا منعرفش حاجة عنه» وكأنها كانت تتوقع سؤالاً أو تتوجس خيفة من شيء ما..
ويتزايد لدي الاصرار علي معرفة رأيها في حقبة مبارك، فيهدأ صوتها وتبعث منه إنه الالم كله زي بعضه لو متنا من الجوع محدش عالم بينا.. ولو شبعنا محدش بيسأل علينا محدش عارف عننا اي حاجة بنشتغل اي حاجة وناكل من عرق جبينا أي حاجة.
وتشدني كلماتها برغبة جامحة للغوص اكثر في أعماقها وأسألها: تعرفي سوزان مبارك فتقول «أنا شفتها مرة واحدة في السعودية.. فضلت احوش القرش علي القرش والجنيه علي الجنيه، لحد ما جمعت فلوس الحج، كان نفسي ازور البيت، ورحت حجيت والحمد لله، وهناك شفت سوزان مبارك، كانت في الحرم في الدور الاول وأنا كنت في الثاني، والفلاحين قعدوا يجروا وراها، والعسكر يبعدوهم، فقلت لواحدة كانت معايا، احنا احسن منها، هما بيجروا عليها ليه، الناس الغلابة مفكرينها زيادة عنهم، وإيه يعني بلا فلوس بلا طمع دنيا، اهم عملوا بيها إيه.. اهم راحوا ربنا يسهلهم واحنا الحمد لله، ربنا بيرزقنا ناكل مرة ونجوع مرة بس، ساترها معانا، حتي الكفن جبناه وزمزمناه، ومستنين الاجل، وقت ما يجي، اهل الخير يجيبوا الخشبة ونطلع علي بلدنا نروح».
وفجأة تنهمر الدموع من عينيها وأعجز عن استخلاص مزيد ملامح الحزن الفائض من وجهها الحزين، واذا بها تقول «أنا صعبان علي نفسي.. احنا قاعدين في الشارع ومحتاجين، ومحدش بيسأل فينا، انا عندي 84 سنة عمري، ما زعلت حد، واذا زعلت من حد اتجنبه لأني كدة ابقي عرفته وعرفت طريقته في التعامل انا مش عارفة أهي الحكومة ما تسألش عننا ليه».
ويدفعني فضولي لسؤالها عن أبنائها، ولماذا لا تعيش معهم؟
تقول في لهجة يشوبها الكبرياء المهزوم «أنا عند ولد وبنت متجوزين، واحد في المقطم والثانية في اثر النبي، بس ماحدش بيسأل علي حد، ولما يكونوا محتاجين حاجة لاقيهم جايين وياخدوها مني».
وتنظر بعينيها الغائرتين في تلافيف وجهها وتشير لغرفتها في اعتزاز غريب الأوضة دي انا بنيتها بإيدي، أول ما جيت من بلدي طهبار، أصلي أنا من الفيوم، ولما جيت لمصر كانت بنتي لسة (لحمة حمرة) الأول بنيتها بالاقفاص، بس فيه ناس كتير بتحب الشر حرقوها علشان امشي، بس انا ماليش مكان غيرها، قلت ابنيها بالطوب والصفيح زي ما انت شايفة، وهي من غير مراحيض، ولما احب ادخل المرحاض اروح عند ناس هنا ساكنين جنبي، وتعتلي شفتيها العجفاوين ابتسامة خفيفة وتهمس لي «أصلي أنا ما بروحش المراحيض كتير، عشان مش باكل كتير».
وعندما سألتها عن زوجها؟
قالت «كان راجل غلبان، وعلي قد حالة، ومكنش عنده شغل، اهل الخير شغلوه في الجامع، لكنه مرض فترة ومات من 15 سنة، وانا ما عرفش اخدم في البيوت، ولا احب اخذ حاجة من حد، عشان محدش يبقي له جميل عليا ويعايرني بعد كدة».
واسألها عن اقاربها في الفيوم وهل يزورها اي منهم تقول: أنا مش عايزة حد يسأل علي، لأنه لو اداني حزمة جرجير.. هيكون عايز «حمارة محملة» قصادها وانا هجيب له منين؟.. مش لما اكفي نفسي الاول.. انا بحب ان اكون مع نفسي، اجوع.. اشبع، محدش يبقي له عندي حاجة، انا مش لوحدي فقيرة وحالتي كدة زي مانت شايفة، لا فيه كتير غيري برضه جعانين.
وقبل ان اغادرها، اردت ان اعرف، هل زار مسئول ما اسطبل عنتر وشاهد الحاجة زينب او ام اسماعيل في حالها الذي يعد اكبر شاهد علي عصر مبارك، واي عصور اخري لو لم تمتد اليها يد العون، وتحيطها قلوب الرحمة، واسالها، هل زارك اي مسئول؟
تقول: ربنا يخليه رئيس الحي جه مرة واحدة، وجابلي لمبة علشان ماكنش عندي.. بس بعد ما مشي الناس خدوها مني.. بس واحد من اهل الخير شحتني سرير، عشان كنت بنام علي الأرض.
ربت علي كتفها مودعة، فيما تربت هي بدورها علي كتفي وتقول في ابتسامة الكريم المحروم «أجبلكم حاجة ساقعة انا قدها والله وربنا ساترها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.