الحوار الدائر حاليا بين مجموعة من القوى السياسية حول تشكيل قائمة وطنية موحدة تضم الإخوان المسلمين والوفد والعدل والمصريين الأحرار والكرامة والغد، بجانب ائتلاف شباب الثورة، وبعض الشخصيات المستقلة، يفتح أفقا جديدا للتعامل مع مجموعة من القضايا السياسية، التى ظلت عالقة طوال الفترة السابقة، وأولاها التعامل مع الإخوان باعتبارهم جزءاً أصيلاً من المشهد السياسى، سواء بالاختلاف أو الاتفاق، وليس كفزاعة يجب إخراجها كل يوم لوقف حال البلد. من المؤكد أنه لن تنجو أى قائمة وطنية تضم القوى المدنية والإخوان إلا بعد التزام الأخيرة بمدنية الدولة وعدم استخدام الشعارات الدينية فى الانتخابات كما جرى فى 2005 و2010، ومنع استخدام دور العبادة فى الدعاية السياسية، كما يحدث الآن. «فالتطبيع» مع الإخوان لن يتم إلا بعد التزامهم الكامل بقواعد اللعبة الديمقراطية، وبعد أن تؤمن القوى السياسية الأخرى بأن «صراعها» معهم هو صراع سياسى، الهدف منه تقديم برامج سياسية مختلفة تنافس لصالح المواطن المصرى، وليس الإقصاء. إن مصر بحاجة لتوافق يضم كل القوى السياسية، من أجل كتابة دستور جديد ووضع القواعد والأسس التى تقوم عليها الدولة الديمقراطية الحديثة، وهى كلها أمور كان يمكن إنجازها بسهولة فى الفترة السابقة، لو كنا أحسنا إدارة المرحلة الانتقالية، لأن البرلمان الجديد سيرث انقساماً سياسياً وفكرياً عمقته الإدارة السيئة للمرحلة الانتقالية، وسيواجه الخراب الذى تركه مبارك، من مؤسسات مفككة، وتعليم وصحة وأمن ومرافق منهارة، وإذا انشغل بغير هذه القضايا فإن الشعب سيتعامل مع القوى السياسية القادمة إلى البرلمان باعتبارها حزب «وطنى» جديداً، هدفه الوصول للكرسى لا حل مشاكل الشعب، وإن استمرار هذه المهاترات البليدة قد يدفع البلاد إلى حالة من الفوضى والفشل غير مسبوقة. القائمة الوطنية ليست حلاً فى ذاتها، ولكنها قد تسهم فى فتح طريق أمام القوى السياسية المتناحرة إلى تقديم مشروع بناء لهذا البلد، وقد يكون تعثر تشكيلها لأسباب موضوعية طريقاً آخر للبحث عن مشروع سياسى توافقى، وليس قائمة انتخابية هدفها «التكويش» على أكبر عدد من المقاعد، ولا تكون قادرة على تغيير أى من الأوضاع القائمة، فيبقى التعليم على حاله، والصحة على حالها، والأمن محلك سر، والإعلام فى فلتانه، ولكن عندنا قائمة وطنية وكتلة مصرية وطريق ثالث لا تخدم المواطن فى شىء. قد تتعثر القائمة الوطنية لأسباب مبدئية أو سياسية، والنجاح والفشل ليسا بالضرورة مرتبطين بتكوينها، فقد تفشل فى ضم معظم القوى السياسية على قوائمها، وقد تفشل بسبب عدم صياغتها خطاباً مدنياً يحرص على تقديم مشروع حقيقى لبناء هذا البلد، وقد تفشل بسبب انشغالها بالدخول فى معارك وسجالات جانبية مع القوى الأخرى الرافضة لها. القائمة الوطنية ليست هدفاً، إنما هى وسيلة لتحقيق هدف أكبر يتمثل فى تقدم هذا البلد، وهو لن يتم إلا إذا ضمت الغالبية العظمى من الاتجاهات السياسية، وتوافقت على مجموعة من المبادئ والأسس التى ستبنى عليها الدولة المصرية الديمقراطية الحديثة. [email protected]