بكلمات مخنوقة بالعبرات كتب الشاعر المصري محمد الغرباوي هذه القصيدة التي تزخر بمواقف خالدة من ربيع المد العربي وتزخر أيضا بالأسى على انحسار هذا المد وتفتت موجته، وتتحسر على ما آل إليه حال العرب عامة وحال جدته سوريا - على حد وصفه - وإليكم القصيدة: ألا يا جدتي عذرا... تأخر مقدمي عنك ولكني بذلت الجهد. أتاني طائف بالليل أخبرني بأن بأرضكم غدرا... وطالبني وفاء العهد. فقمت إليه منتفضا... حزمت جميع أمتعتي، حملت بها مواساة من الإخوان في الأقصى... وغمرا من مياه النيل يغسل جرح ثائركم لكي يبرا. عصابا من أخي ليبيا لمن كشفت ضفائرها فباتت بينكم تعرى. وبعضا من تراب البأس في بغداد نلقمه فم الذئب الذي عربد. وجئت بحكمة تروى من اليمن: "إذا ألقيت في بحر فيمم شطه واصمد ولا تصعد خطى اليأس فتسقط في مهاوي الموج مندحرا" ومرثية سأرسلها إلى الشهداء يحملها جناج الود: "سلاما من بني مصرا" ****************** ولكن الجنود البهت سدوا الباب دون دخولنا سوريا وشادوا دوننا سورا من العدوان والبهتان والزورِ ليحبط نصرة الأحرار ويحمي قلعة الفرعون أن تندك تحت عزائم الثوار فيبقى الناس أقنانا ويبقى جلدهم نعلا ويبقى الدهر يخبرهم: "أنا ربكم الأعلى" ولكنا على غرة... تخففنا ومثل النحل طفنا نبتغي ثغرة... فما لملمتِ يا كرة؟؟؟ دماء مثل سيل الماء تحفر في الثرى نهرا... وتحمل في جوانحها بقايا زهرة ذبلت... ومركبة من الورق. لطفل حالم بركوب البحر للأقصى.. يفتش في خزائنه ويخرج منه أسيافا عطاءا من صلاح الدين للعقبى فيلمح في مرايا النصل حمحمة وقعقعة وتهليلا وتكبيرا فيعلم أنما الأسياف قد تركت إلى الأخلاف تبشيرا وينظر: ها هم الأوغاد يندسون في الرمس وتذوى جعجعاتهم كظل مات في إطلالة الشمس يبوح السيف في يده بأن حشاه ظمآن لطول سنين وأن لهيبه الريان بركان يبرده دماء من بني صهيون. فيجري البشر فوق جبينه القدسي: ومنطقه: لعل اليوم كالأمس ********** وما هذا؟ أليس على رقاب الموج عقد حبيبة القلبِ؟ هديتها التي أعطيت لما كنت في حلبِ؟ تراها لم تزل تحيا أم الأوغاد خانوها؟ تراها في احتضان الحلم أم قبرت أمانيها؟ وهل بقيت أسامينا على الجدران تذكرنا؟ وهل صفصافة اللقيا تهيم بسرد قصتنا؟ ترفرف مثلما كانت يداعبها الهواء الطلق يجذب في ضفائرها إلى أعلى إلى أسفل، ويرغب في تزوجها ويخطبها فلا تقبل؟ أم اغتيلت لأن لغصنها ميلا إلى أجواء حرية؟ وأن حفيفها لحن يمجد شعب سورية؟ لقد قطعت إلى الجذر. وتلك بقية الأغصان خلف دمائنا تجري. ومسبحة من العاجِ لشيخ كان مبتهلا يصلي في الدجي الساجي وفي فجأة: تقافز فوق سقف المسجد الأواب صاروخ تهاوى السقف دثره وضن به على الأرض وفتته ولم يترك سوى يده ومسبحة من العاج ولا زالت يد التسبيح تقضي وردها في جهد. وتؤذن في نهايته بخيبة صولجان الفظ قاتل شعبه بالعمد. ***** يسير النهر مفزوعا كما المنساق للإعدام يجرجر خطوه كمدا فلجته دم الشهداء فرقه هوى الحكام. ومخنوقا بعبرته، ومربوطا بذلته، يردد صوت لجته: "يعيش الحاكم السفاح قاتل شعبه غدرا" ألا ياجدتي عذرا ******** أحن إليك يا جدةْ فإن البعد عن مثواك إعصار من الشدةْ أحن إلى حكاياكِ بذكر الله تبتدئين باسم الله مولاكِ "وكان يمكان بساحة غابر الأزمان نسور من بني حمدان ذبوا عن قلاع العرب أفواجا من الجرذان تدفق خطوها بحرا بأنياب حديد تنقب البنيان وكاد الصرح – يا ولدي – تخر قواه تنهدم وكادت جذوة الإيمان تخبو نارها وهنا وتنعدم فهبت لفحة الفرسان لتبلع موجة الجرذان لا تبقي ولا تذر فيهوي الكفر مغلوبا فمنهم من قضى النحب ومنهم من سينتظر وهام الكفر مثل ثعالب الصحراء يقفو إثره الفرسان نسور شقت الأفلاك هزت قلعة الرومان فقالوا: "يا حماة العرب ما في وسعنا حرب ولا نية وعن أيد ونحن الصاغرون نقدم الجزية" ***** وأين اليوم ما قلتيه من شعر أبي الطيب؟ وما ألقاه في حلب؟ وما غناه من فخر على قيثارة العرب؟ وكم يبكي على ملك تفرق مثلما النعم، وكم يأسى على شعب لدى الحكام كالبهم، فلا ضير إذا جاعت ولا ضير إذا عطشت ولا ضير إذا طاف الذئاب على هياكلها فما صمدت وإن صرخت حناجرها بسيف بارد قطعت ليبقى الشعب للحكام كالأقنان ويبقى الملك في يدهم إلى شيخوخة الأزمان ***** ألا فلتقبلي عذري فلم يبق سوى شعري أحار به فأرسل موجة النهر تعود إلي تخبرني بأن الجند سدوا الباب دون دخولنا سوريا وشادوا دوننا سورا من العدوان والبهتان والزور فأحضنها وأخبرها: بأنا نبتغي ثغرة وأن لشعبنا النصرة وأن لسوريا النصرة