لم يخرج الكاتب الكبير «لويس جريس» كعادته كى يستقبلنى.. ويفتح الباب بابتسامة تكشف عن طيبة قلبه، هذه الزيارة مختلفة فى كل شىء.. استعان الرجل بسيدة كى تدير شئون منزله وتلبى احتياجاته، وبمجرد دخولى الشقة سمعت صوتا ينادينى «اتفضل هنا». دخلت غرفة النوم واكتشفت الصدمة.. فقد أصيب الرجل بالشلل، ولم يعلن الخبر.. فقد القدرة على الحركة ولم يفقد قدرته على الابتسام والتصالح مع الحياة.. بعد السلام طلب مهلة لتغيير ملابسه وخرج على كرسى متحرك.. وقال ضاحكًا: لا تندهش.. قطار الحياة كما يدهس الأحلام يأكل الصحة والحب وكل الاشياء الجميلة.. ومن هذه النقطة بدأ حوارى مع الكاتب الكبير لويس جريس زوج الفنانة الراحلة سناء جميل. بعد هذا المشوار الطويل.. ما الدرس المستفاد من تجربة الحياة؟ - الدرس المستفاد من الحياة هو أن تتأكد من الخبر مرة ومرتين وثلاثاً قبل أن تتعامل معه على أنه حقيقة.. الاستعجال فى فهم الأشياء والمواقف يدفع الإنسان فى أحيان كثيرة الى الخسارة وربما الندم لذا أنصح كل من يسألنى عن تجربة الحياة بالهدوء والبحث عن المصداقية فى الأشياء والمواقف. كيف تمضى بك الحياة دون الفنانة الكبيرة سناء جميل؟ - توفيت زوجتى وحبيبتى سناء جميل فى 22 ديسمبر عام 2002، وهذا يعنى اننى وحيد منذ 13 سنة، كل شىء فى حياتى توقف بعد رحيلها.. كنت أحبها وأحترمها إلى حد كبير.. كانت سناء جميل تسافر إلى اليونان والخليج لتصوير مسلسلات.. وكنت دائما أقول لها «إلى اللقاء» لكن فى هذه الرحلة الطويلة قلت «الى لقاء قريب بإذن الله» ولا أبالغ إذا قلت إننى أعيش على أمل اللقاء ب «سناء جميل». متى عرف المرض الى قلبك.. وما تفاصيل حالتك الصحية التى أجبرتك على الاستعانة بكرسى متحرك؟ - بداية.. الحمد لله على كل شىء، المرض عرف طريقه الى قلبى بسبب الوحدة بعد رحيل سناء جميل لم اجد من يؤنس وحدتى ويساعدنى على التعامل والتكيف مع ألغاز الحياة.. وبشأن حالتى الصحية فقد خانتنى قوتى فى شهر يونيو الماضى وسقطت فى الحمام.. وبعد ذلك عجزت تماما عن الحركة وأثبتت الفحوص والتحاليل ان عضلات الساقين أصابها الضعف الشديد ومن المستحيل السير عليهما مرة ثانية.. سافرت الى ألمانيا مرتين واكتشفت أن ما يحدث فى مصر يحدث هناك.. لذا فضلت العلاج فى مصر، أقوم بعمل جلسات علاج طبيعى وأستعين بالكرسى المتحرك. منذ أيام.. بدأ عام جديد ما الأمنية التى تريد أن تتحول الى واقع فى 2016؟ - لم تعد هناك مساحة من الموت للأمانى حتى تتحول الى واقع، ولكنى أريد أن يحمل العام الجديد فى طياته أسباباً تدفعنى الى الرحيل عن الحياة ولقاء سناء جميل.. فقد طال الانتظار أرجو من الله أن يأذن لى بالرحيل ولقاء من أحببت، فقد قمت بدفن سناء جميل فى مقابر العائلة والتى تحمل اسم شقيقى فايز جريس «الأقباط الأرثوذكس» وأتمنى أن أدفن معها فى نفس المقبرة. تردد كثيرا أنك تكتب قصة حياة سناء جميل وتنوى تقديمها فى مسلسل.. ما حقيقة ذلك؟ - بالفعل فكرت فى ذلك ولكن كل من اقترب من سناء جميل وقرأ فصولا من مذكراتها يكتشف أن هناك لغزا يحتاج الى تفسير.. فهى تروى أحداثا تذكرتها وعمرها 9 سنوات فقط، كانت تقول إن والدها قدم لها فى مدرسة «المردية» ودفع لها النفقات حتى المرحلة الثانوية ثم اختفى عن الأنظار وعندما خرجت التحقت بمعهد الفنون المسرحية للحصول على مبلغ قدره 6 جنيهات كان زكى طليمات يمنحها لكل طالبة تفكر فى الالتحاق بالمعهد من أجل تشجيعها.. وبعد ذلك التحقت بفرقة المسرح القومى وكان مرتبها 23 جنيها وتعرفت عليها وتزوجتها دون أن ألتقى أى فرد من عائلتها، لذا كانت تقول دائما «لويس جريس هو كل أهلها وكل عائلتها». وما سبب إصرارك على دفنها بعد 3 أيام من موتها؟ - بالفعل قمت بدفن سناء جميل بعد 3 أيام من رحيلها، وكان السبب هو البحث عن أى فرد من أسرتها قمت بنشر خبر الوفاة فى كل الجرائد العربية والفرنسية وانتظرت أن يظهر أحد من أسرتها التى كانت تقول إنها غضبت منها بسبب اشتغالها بالتمثيل.. ولم يظهر أحد وقد مر 13 سنة على وفاتها ولم يظهر أحد.. ظنى أن سناء جميل نفسها لا تعرف أصل الحكاية فى عقلها أحداث طفلة عمرها 9 سنوات فقط لكن لا تعرف أين أسرتها ومن والدها.. لكن للهروب من الإجابة عن هذا السؤال كانت تقول إن أسرتها تبرأت منها بسبب التمثيل. لماذا لم تثمر حياتك من سناء جميل عن أولاد.. وهل تشعر بالندم؟ - كانت هناك ممثلة مشهورة جدا اسمها «نعيمة واصف» وكانت مشهورة وموهوبة لكن بعد الزواج تراجعت واختفت بسبب إنجابها ولدين وبنتا والتفرغ لتربية هؤلاء الأبناء.. وكانت سناء جميل قريبة منها ولأنها مغرمة بالفن قررت من تلقاء نفسها عدم الإنجاب كان ترى أن الإنجاب سوف يعطل مسيرتها الفنية واحترمت قرارها.. ولا أشعر بالندم لأننى مؤمن بالقضاء والقدر وربما رزقنا الله ابناء ولا يعرف الحنان الطريق الى قلوبهم . هل قصرت الدولة فى حق لويس جريس وسناء جميل؟ - بصراحة شديدة لم تقصر الدولة فى حقى على الإطلاق فعندما تم إحالتى إلى المعاش تم منحى وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية ولكن الدولة قصرت فى حق سناء جميل الى حد كبير. كيف قصرت الدولة فى حق سناء جميل؟ - كانت سناء جميل تقول دائما يجب أن ندخر جزءا من المال خوفا من المرض لأنها لا تثق فى كلمة العلاج على نفقة الدولة.. وبالفعل قمت بعمل وديعة بمبلغ قدره 55 ألف جنيه وبعد فترة قصية أصيبت بضعف فى عضلة القلب، ولكنها لم تفارق الحياة بسبب هذ المرض ولكن حدث التهاب فى الرئة على أثرها دخلت المستشفى، الشىء الغريب ان تكاليف علاج سناء جميل بلغت 55 ألف جنيه ولم تزد جنيها واحدا وكنت مندهشا من هذا القدر العجيب الذى جعل مبلغ الوديعة مساويا تماما لنفقات العلاج.. ونصحتنى سميحة أيوب وعدد من الأصدقاء بتقديم فواتير العلاج الى وزارة الثقافة ولكنى فوجئت برفض صرف التكاليف.. الغريب والمدهش أن أخبارا كثيرة كانت تنشر فى الصحف عن تحمل الدولة تكاليف علاج سناء جميل وهذا كله كلام لا يمت للحقيقة بأى صلة. إلى أى مدى يساهم الفن فى تغيير الواقع السياسى؟ - بكل تأكيد الفن يستطيع التغيير فى الواقع السياسى، خاصة لو كان فنا إبداعيا نابعا من الناس وللناس، لذا أنصح كل المهمومين بصناعة السينما والدراما التليفزيونية والأغنية بتقديم فن يعيش فى وجدان الناس من الاستسهال لا يكون فى مصلحة المبدع أبدا. كيف ترى حال السينما الآن؟ - مازلنا نعيش أسرى للأفلام القديمة.. لم يقدم صناع السينما الموجودون على الساحة الآن ما يجعلنا نتوقع أو نأمل فى مستقبل مبهر للسينما، لم نر واقعية صلاح أبوسيف أو خيال بركات أو رمزية يوسف شاهين.. السينما الآن بعافية. وما رأيك فى ظاهرة «السبكى» وما يقدمه من أفلام؟ - الأفلام التجارية موجودة فى كل أنحاء الدنيا وليست حكرا على «السبكى»، فليس مطالباً منه أن يقدم افلام مهرجانات التى تتسم بصفة خاصة.. «السبكى» تاجر ناجح عرف جيدا كيف يغازل الجمهور ويستفيد.. ولكن على الدولة التصدى له بتقديم افلام جيدة لها محتوى يحترم عقل المتلقى ويناقش قضايا شديدة الأهمية.. مهمة الدولة إنتاج افلام ضخمة تتباهى بها أمام العالم. فى رأيك من النجوم الذين يستحقون البقاء فى المقدمة؟ - خريطة النجوم كبيرة وتضم عددا كبيرا من الجيل القديم يعجبنى الزعيم عادل امام والتنوع فى أعماله، ومحمود عبد العزيز ويسرا وسميحة أيوب، وفى الجيل الجديد أحمد السقا الذى أرى أنه يحترم جمهوره وجدا، ومنى زكى ونيللى كريم.. وفى الغناء يعجبنى تامر حسنى وأنغام وأصالة، وأملى أن يتعافى المسرح لأنه أبو الفنون. بعيد عن الفن.. ما رأيك فى أداء الرئيس عبدالفتاح السيسى؟ - أنا معجب جدا بالرئيس عبدالفتاح السيسى فقد تحمل المسئولية فى ظروف بالغة الصعوبة، وأرى أنه يتحرك بخطوات ثابتة جدا ومهموم بمصالح الناس.. وأتمنى أن يلتف الشعب حوله لأن الواقع العالمى كله مرتبك والقائد يحتاج الى الدعم والمساندة حتى يستطيع تحقيق أحلامه والعبور بوطنه إلى بر الأمان. من واقع الخبرة من الرئيس العربى الذى ترى أن تجربته السياسة مكتملة؟ - أتصور أن السادات هو من أفضل الزعماء العربى لأنه كان يتسم بالذكاء ويستطيع تقدير المسافات ويحسب خطواته جيدا، لكن جمال عبدالناصر والسادات بدون قصد خدموا المصالح الأمريكية وكانوا يبحثون عن مجد شخصى قبل احتياجات الشعوب. الدكتور لويس جريس.. كيف رأى الأقباط صعود الإخوان إلى الحكم؟ - صعود الإخوان الى كرسى الحكم كان مفاجأة لكل الأقباط.. ومن حسن الحظ أنهم تكالبوا على السلطة وراحوا يعملون من أجل مصالحهم فقط، الأمر الذى دفع الشعب المصرى الى الثورة ضدهم والانقلاب عليهم.. الحقيقة أن ثورة 30 يونية نجحت فى تصحيح الأوضاع الخاطئة وأعادت مصر الى المصريين بالفعل.. ولكن يجب العمل حتى تنهض مصر لأن العمل والنهضة الاقتصادية يضمنان استقلال الشعوب وتقدمها. ما رأيك فى الأصوات المعارضة التى تنادى بثورة جديدة فى 25 يناير؟ - لن تفلح كل الأصوات المعارضة التى تنادى بالثورة ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى لأن شعبية «السيسى» كبيرة فقد استطاع أن يسكن قلوب الناس وجهوده الكبيرة لتنفيذ مشروعات اقتصادية وزياراته العديدة لدول عربية وغربية تؤكد أن الرجل لديه مشروع ومهموم بحال الوطن وأمله أن يعبر إلى شاطئ الأمان والاستقرار.. وما نصيحة الدكتور لويس جريس للأصوات المعارضة؟ - أرجو من الذين ينادون بثورة جديدة أن يتأملوا حال سوريا وليبيا ليدركوا جيدا أن الجيش المصرى نجح فى حمايتنا من مؤامرة كبيرة.. على المعارضة العمل من أجل مصر وليس من أجل الأعداء الذين يريدون تدمير مصر وجرها إلى مصير مجهول.