بقلم : مصطفى عبد الرازق منذ 29 دقيقة 33 ثانية إلى أنقى وأطهر من أنجبتهم مصر على مدار تاريخها.. ثوار 25 يناير .. استميحكم عذرا على ما قد يثير حفيظتكم بشأن هذه الرسالة .. غير أنني لم أجد منها بدا تعبيرا عن مكنون نفسي ولأول مرة وعلى خلاف عادتي، بعد أن فاض الكيل إلى الحد الذي لم أعد أجد معه لا الوقت ولا القدرة على تلقي السهام التي تنهال على من كل جانب. قد يكون لكم ملاحظات على أدائي خلال فترة حكمي التي لم تتجاوز شهوراً معدودة.. وهذا حقكم .. فهو لم يواكب طموحاتكم من شخص اخترتموه بإرادتكم الحرة لمرحلة جديدة في حياة بلدنا بعد عقود من الديكتاتورية. أعلم أن الكثيرين منكم يبدون قدرا من الاستياء من استمرار بقائي في المنصب رغم الإخفاقات التي صادفتني في رحلتي.. ولكن عزائي أنني أعربت مرارا عن عدم رغبتي في الاستمرار ولكن الأمر، كما أعلم وتعلمون، ليس بيدي، وإنما بيد من رفض استقالتي مرات ثلاث. ولهذا أيضا، أدعوكم إلى التريث في ترشيح آخرين، فقد أتتني منكم قوائم عديدة بمرشحين لمناصب وزارية تتصورون أنها يمكن أن تدفع الأمور للأمام خلال المرحلة المقبلة، رغم تجربتي التي بدت سلبية حتى أنكم خرجتم في مناسبات عديدة تطالبون بالإطاحة بي من منصبي. ولا أخفيكم، فأنا منكم وأنتم مني، أنني استعنت ببعض الأسماء التي رشحتموها وقد انسحب عليها ما انسحب بشأن اختياركم لي وهذا أدعى، كما أؤكد لكم، للتأني والبحث عن معايير جديدة في اختيار من يقود دفة المرحلة المقبلة سواء من الوزراء أو من طاقم العمل القيادي. ليس ذلك محاولة لتبرئة ساحتي.. فذلك ليس من شيمي أو أخلاقي.. بل إنني أعترف بأنني لم أخلق للعمل السياسي بمعناه المتعارف عليه في عالمنا الحديث أو حتى القديم.. فأنتم تعلمون أنه عمل قذر.. يقوم على المناورة والدهاء.. وتلك ليست صفاتي.. فقد نشأت على النوايا الحسنة والطيبة وحسن الظن بالآخرين.. وهذه، كما تيقنت، على مدى الفترة الماضية، «روشتة» عدم التوفيق لأي سياسي! حتى أنني أذيع سرا للمرة الأولى وهو أنني قبلت ترشيحكم لي خجلا وحرصا على عدم إحراجكم! لعل الكثيرين منكم استغربوا طريقتي في التعاطي مع الحياة العامة خلال منصبي والتي بدت شبيهة، حسب البعض، بما كان يقوم به عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الفارق. أؤكد لكم أن ذلك ليس تصنعا أو تطبعا فهذا طبعي الأصيل حتى أنني حاولت إرساء أسساً جديدة للعمل في مجلس الوزراء بعيدة كل البعد عن المراسم المعقدة للبروتوكول.. ورغم ذلك فقد نجح موظفو المجلس فيما نجح فيه المحيطون ب «خزعل» في رائعة «مدن الملح» للروائي السعودي الراحل عبد الرحمن منيف! ورغم ذلك أيضا وبعيدا عن أعين هؤلاء أحاول ممارسة حياتي بشكل طبيعي، بغض النظر عن اتساقها مع كوني رئيس وزراء أم لا.. إن وجبة الفول والطعمية لم تكن رياء، وقصة حذاء الفلاحة سلوك تلقائي يعبر عن القيم التي تربيت عليها. واتساقا مع هذه الطبيعة لم أستطع أن أمنع نفسي من التقاء «البطل» الذي رفع علم مصر بدلا من علم إسرائيل رغم أن صنيعه يتجاوز الأعراف الدولية! وإذا كان الشىء بالشىء يذكر، فلا أخفيكم شعوري بالحسرة على أنكم لم تقفوا إلى جانبي في مهمتي، فكنتم خير معين في وضع العقبات أمام الأهداف التي كنت وكنتم تأملون تحقيقها. إن فشلي ليس مني وإنما منكم أيضا.. فقد بدا أنكم تستعجلون الأمور، وسمحتم لبعض من لم ينضجوا سياسيا وبعض «الفلول» بالتسلل إلى صفوفكم، حتى اختطفوا ثورتكم الجميلة الطاهرة ولطخوا بياض ثوبها بالسواد، حتى لم تعد على صورتها الأولى التي بهرت العالم. ولذلك أقول إنه إذا كنتم أصبتم بخيبة أمل من أدائي، فإنني أبادلكم الشعور ذاته للأسف.. فلم أتوقع منكم بصراحة كل هذه الفوضى التي تذكرني بمقولة عمر سليمان خلال المرحلة الأولى للثورة وقبل تنحي الرئيس السابق من أن شعب مصر غير ناضج للديمقراطية! أو بما ذهب إليه عابد الجابري من أن الديمقراطية ما زالت «غير مؤسسة في عالمنا العربي»!. لقد ارتفعت مطالبكم حتى بدا وكأنها تناطح السماء.. في لحظات شعرت بأنكم تتصورون أنني المسيح عيسي بن مريم يمكنني أن أبرئ الأكمة والأبرص وأحيي الموتي.. نسيتم أن زمن المعجزات قد ولى وأننا في زمن العلم والعمل.. ورغم ذلك حاولت أن أزيح عن خاطري التهم التي يوجهها لكم الكثيرون بأنكم شعب كسول! أرجوكم.. لا تحكموا على أدائي منفصلا عن مجمل الظروف التي تواجهها مصر، فإنكم بذلك تظلمونني وتحملوني فوق طاقتي.. فلا تلوموني ولوموا أنفسكم فما أنا بسبب مشاكلكم وما أنتم بحاملين عبء المنصب عني.. ولنعترف بأن مشاكلنا نتاج إرث طويل، ساعدوني..إذا استمررت في منصبي.. على التخلص منه للتحليق بمصر عاليا في الآفاق.. المخلص عصام شرف.