لعدة شهور، دأب رومني، المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة، على توجيه الانتقاد لأوباما وسياساته في الشرق الأوسط، حيث اتهمه ب"إلقاء إسرائيل تحت عجلات حافلة"؛ لأنه كان متردداً بشأن الحاجة لشن الحرب على إيران، وبأنه لجأ في الشأن السوري إلى أسلوب" القيادة من الخلف"، أما فيما يتعلق بالاحتجاجات والاضطرابات الأخيرة في مصر وليبيا، والتي أدت إلى مصرع سفير الولاياتالمتحدة لدى ليبيا كريستوفر ستيفنز، فقد انتقد رومني جهود أوباما لتهدئة غضب المسلمين بسبب فيلم مناوئ للإسلام عُرض على "يوتيوب" قائلاً: "إن الإدارة تخطئ بتصرفها هذا وإنها يجب أن تكون أكثر وثوقاً في استعمال نفوذها في المنطقة". وقد تعرض أسلوب رومني لانتقادات من مختلف الجهات، على اعتبار أنه يقوض جهود الرئيس أثناء الأزمة. لكن المرشح الجمهوري لم يبد ندماً على ما قاله بل أعاد التأكيد على قلقه بشأن ضعف أميركا وعدم رغبة إدارة أوباما في الوقوف بجوار نتنياهو الذي دعا إلى وضع خطوط حمراء على برنامج إيران النووي. لذلك، نظر الأميركيون باهتمام إلى ما عرفوه في السابع عشر من سبتمبر عن منظور جديد لرؤى رومني بشأن ما يدور من أحداث في الشرق الأوسط. ففي شريط -بات شهيراً الآن- يصور رومني وهو يخاطب تجمعاً خاصاً من أنصاره الأثرياء في "بوكا راتون" بولاية فلوريدا، وجه أحد الحضور سؤالاً لرومني عن الصراع العربي الإسرائيلي والمسألة الفلسطينية، فأجابه رومني بالقول إنه "يرى أن الفلسطينيين لا يريدون أن يروا السلام على الإطلاق لأنهم، ولأسباب سياسية خاصة بهم، ملتزمون بهدف تدمير إسرائيل... وحول هذه القضايا الشائكة أقول إنه ليس هناك طريقة لحلها". وما قاله رومني في هذا الشريط يمثل المحاولة الأخيرة من جانبه لتهميش الفلسطينيين، وعدم بذل أي محاولة للفصل بين السلطة الفلسطينية الشرعية في الضفة الغربية وبين حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة بحكم الأمر الواقع. وعندما سئل رومني عما سيفعله حيال هذه القضية، إذا ما أصبح رئيساً للولايات المتحدة، قال: "لدينا هناك موقف متقلب في أغلب الأحوال، لكن يجب علينا مع ذلك أن نتعايش معه على نحو ما، ونقوم بركل الكرة على امتداد الملعب على أمل أن يحدث شيء، يؤدي لحلها في نهاية المطاف". والحقيقة أن هذا التصريح اللافت من جانب رئيس محتمل للولايات المتحدة، كان بمثابة المفاجأة للجميع، وليس للفلسطينيين وحدهم، والذين اعتراهم الغضب من تلك الملاحظات. وحتى إذا ما سلمنا بأن تلك الملاحظات قد أُلقيت على مستمعين محدودين من النخبة من أنصار رومني، إلا أنها مع ذلك تعني بوضوح أنه إذا ما جاز للمرشح الجمهوري توجيه النقد لأوباما، لعدم قيامه بما يكفي لحل مشكلات الشرق الأوسط، فإن خططه المزمعة تبدو أبعد ما تكون عن تحقيق ذلك حيث تتشدد في الشأن الإيراني، وتقترب أكثر من موقف الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، كما ترفض التوصل لأي حل وسط أو تسوية ذات معنى مع الفلسطينيين. أما إذا كان رومني سيشرع فعلاً في مثل هذه السياسة اللامسؤولة إذا ما قدر له أن يكون رئيساً، فإن تلك مسألة لا يمكن القطع بها في الوقت الراهن. صحيح أن جهود أوباما لحل النزاعات بين العرب والإسرائيليين قد بدأت بسقف آمال عال، وأنها لم تنجح في تحقيق تلك الآمال في نهاية المطاف؛ إلا أن ذلك قد حدث في الحقيقة نتيجة لتحويل بؤرة اهتمام الرئيس لقضايا أخرى، وعدم رغبة أطراف النزاع أنفسهم في التوصل لتسوية أو حل وسط. والشيء الذي يجب على رومني أن يعلمه علم اليقين، ويقدره حق قدره، أنه إذا ما كان هناك صراع يحتاج حقاً إلى قيادة أميركية قوية فإنه صراع الشرق الأوسط بكل تأكيد، إذ ليس هناك احتمال لقبول إسرائيل أو الفلسطينيين، أو العرب بشكل عام، بحل وسط لمشكلاتهم، إلا إذا ما لعبت الولاياتالمتحدة دوراً قوياً ومعززاً. وفي غيبة مقاربة أميركية مثل هذه، فإن السياسة التي يقترحها رومني تبدو وكأنها ستسلم كل شيء لإسرائيل على طبق من فضة في الوقت الذي بات فيه الإسرائيليون أنفسهم أكثر إدراكاً لمدى الصعوبات التي يواجهونا في التعامل مع إيران والفلسطينيين. فالسلطة الفلسطينية التي نجحت في المحافظة على الاستقرار والأمن في الضفة الغربية، وفي اجتذاب استثمارات أجنبية، وخلق اقتصادي نشط نسبياً، تواجه في الوقت الراهن ما يمكن أن يطلق عليه "لحظة الحقيقة" أو لحظة مواجهة الحقائق، حيث أدى ارتفاع أسعار الطعام، والمحروقات، وصعوبة العمل تحت قيود الاحتلال الإسرائيلي... إلى وضع هذه السلطة في موقف صعب أمام شعبها. وإذا لم تتمكن السلطة الفلسطينية من توفير الأموال اللازمة لمعالجة تلك المشكلات في الأمد القصير، فمن المتوقع حدوث انتفاضة في الضفة الغربية، وهو آخر شيء يريده الإسرائيليون. أما بالنسبة للموضوع الإيراني، فإن نتنياهو وأنصاره من اليمين المتطرف في الولاياتالمتحدة، قد يعتقدون أن البرنامج النووي الإيراني هو التحدي الأكثر خطورة في الشرق الأوسط، بينما الحقيقة هي أن بقاء القضية الفلسطينية من دون حل، وعدم اليقين بشأن مستقبل مصر، يمثلان تحديان لا يقلان خطورة، ومن ثم يتعين على الولاياتالمتحدة وإسرائيل معاً مواجهتهما. لذلك نقول إنه يتعين على رومني، إذا ما أصبح رئيساً، أن ينسى تماماً ما قاله عن ركل الكرة على امتداد الملعب على أمل أن يأتي أحد ويلتقطها ويحل القضية، وأن عليه بدلاً من ذلك أن يشمر أكمامه استعداداً لبذل بعض الجهد الشاق حيالها.