تترقب القوى السياسية في مصر قرار المحكمة الإدارية العليا يوم السبت في قضية عودة مجلس الشعب، والفصل في الشق الموضوعي العائد إليها من المحكمة الدستورية العليا، القضية التي تسببت فى 14 يونيو الماضي في صدور حكم من "الدستورية" بحل مجلس الشعب بالكامل، وبطلان النصوص المنظمة للثلث الفردي به، بسبب عدم المساواة بين المستقلين وأعضاء الأحزاب. وكان قد أثير جدل كبير لدى القوي السياسية بمصر بشأن قانونية عودة مجلس الشعب لعدم اختصاص المحكمة الدستورية العليا بحله ومن ثم فإن الحكم الذي أصدرته المحكمة غير قانوني ، إضافة إلى أنه يجب على الأقل عودة ثلثي مجلس الشعب المنتخبين عن طريق القوائم للانعقاد. وفي سياق متصل رصد عدد كبير من فقهاء الدستور وقضاة مجلس الدولة مجموعة من السيناريوهات المتوقعة بشأن البت في قضية مجلس الشعب المنحل. السيناريو الأول وهو الحكم بعودة ثلثي مجلس الشعب المنتخبين علي مقاعد القوائم ، لأن حكم المحكمة الدستورية قد نص على عدم قانونية بعض أحكام قوانين مجلس الشعب على المقاعد الفردية ، الأمر الذى لم يشمل مقاعد القوائم ، إضافة إلى أن المحكمة الدستورية قد تعدت اختصاصها بالحكم بحل مجلس الشعب. وفي هذا الصدد أكد د ثروت بدوي ، الفقيه الدستوري ، أن مجلس الشعب يعتبر قائماً من الناحية القانونية والدستورية إلى أن يصدر حكم المحكمة الإدارية العليا في الموضوع ويحدد مدى الآثار المترتبة على الحكم بعدم دستورية بعض نصوص قانون انتخاب مجلس الشعب. وقال "بدوي" فى تصريحات خاصة ل "التغيير": أن المحكمة الدستورية العليا أخطأت وخرجت عن حدودها واغتصبت اختصاص مجلس الدولة حينما تعرضت لحل مجلس الشعب أو لبيان الآثار التي ترتبت على الحكم بعدم دستورية نصوص قانون الانتخابات المحالة إليها من المحكمة الإدارية العليا". أضاف "بدوي": "المحكمة الدستورية العليا غير مختصة إطلاقا ببيان تلك الآثار ويجيز اختصاصها فى الحكم بدستورية أو عدم دستورية النصوص التشريعية المحالة إليها من المحكمة الإدارية العليا ، والمحكمة الإدارية العليا هي محكمة الموضوع التي تختص بتحديد أثار الحكم بعدم دستورية قوانين انتخاب مجلس الشعب. وأشار "بدوي": " إلى أنه أعلن منذ البداية أن حكم المحكمة الدستورية الذي تعرض لحل مجلس العب خاطئ وينطوي على عيد الانعدام الذي يجعل من الجزئية التي وردت فى حكم المحكمة الدستورية بشأن حل مجلس الشعب أو بطلان تشكيله هى والعدم سواء ". وتابع "بدوي" أن المحكمة الإدارية العليا قد تحكم ببطلان انتخاب أعضاء المجلس الذين تم انتخابهم في الدوائر الفردية التي أخذت بنظام الانتخاب الفردي مع الإبقاء على سلامة انتخاب الأعضاء في دوائر القائمة، بل من الممكن أن يقتصر حكم المحكمة الإدارية العليا على إبطال بعض الدوائر التي فاز فيها حزبيون بينما كانت مخصصة للمستقلين فقط، أي أنه يقتصر البطلان على 30 أو 40 دائرة فقط أو أقل ، وهي دوائر الانتخاب الفردي التي ترشح فيها حزبيون" . السيناريو الثاني بحسب قضاة بمجلس الدولة: هو التأجيل، وهو الأرجح حسب آراء المصادر القضائية، والسبب أن جلسة يوم السبت تأتى قبل 8 أيام فقط من تغيير هيئة المحكمة بسبب انتهاء السنة القضائية، فالدائرة التي تنظر القضية هي دائرة الفحص الأولى بالمحكمة التي يرأسها المستشار مجدى العجاتي، والذي سينتقل في أول أكتوبر لرئاسة لجنة الفتوى الأولى بمجلس الدولة. وتقول المصادر إنه يكاد يكون مستحيلا أن تصدر دائرة الفحص حكما نهائيا في هذه القضية دون أن ترفعها لدائرة الموضوع الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، والتي سيرأسها ابتداء من أول أكتوبر المستشار غبريال عبدالملاك، رئيس مجلس الدولة الجديد، وسيكون على الدائرة الجديدة بدء الاستماع للمرافعات من بدايتها، بسبب تغيير معظم أعضاء الدائرة فى الحركة القضائية الجديدة. وتوضح المصادر أن القضية حتى هذه اللحظة لم تستمع فيها المحكمة لأي مرافعات، وأن المذكرة الوحيدة التي وصلتها كانت من المرشح المستقل السابق لمجلس الشعب محمود أبوالليل الذي كان قد أقام الطعن الأصلي، ودفع بعدم دستورية انتخاب الثلث الفردي لمزاحمة الأحزاب للمستقلين فيه، ورأت المحكمة برئاسة المستشار العجاتي جدية هذا الدفع فأحالت القضية إلى المحكمة الدستورية العليا. السيناريو الثالث أن تحكم ب " زوال الطعن لانتفاء شرط المصلحة وزوالها"، وهو يعنى نظريا وعمليا إغلاق ملف عودة مجلس الشعب المنحل نهائيا. ويرتكن مؤيدو هذا السيناريو إلى حقيقة أنه "بغض النظر عن اتفاق قضاة مجلس الدولة أو اختلافهم مع ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية العليا من النص فى حيثيات حكمها الشهير الصادر فى 14 يونيو على حل مجلس الشعب كاملا، رغم أن المعروض عليها من قبل المحكمة الإدارية العليا كان يتعلق ببطلان الثلث الفردى فقط" فإن حكم الدستورية العليا نافذ بذاته وواجب السريان على كل سلطات الدولة، بما في ذلك محاكم مجلس الدولة. وتضيف المصادر القضائية: حكم الدستورية العليا أجهز نهائيا على مجلس الشعب، وبالتالي لم يعد هناك محل للمنازعة أو الطعن الذي أقامه المرشح محمود أبوالليل لتمكينه من الترشح على مقعد الفردي في الدائرة الثالثة بالقليوبية، ولذلك فالأرجح أن تحكم المحكمة بزوال الطعن لانتفاء المصلحة، لأن المقعد الذي كان يرغب المرشح في إعادة المنافسة عليه تم إلغاء الانتخابات فيه من الأساس، شأنه شأن جميع المقاعد حسب حكم الدستورية العليا. السيناريو الرابع ويترتب عليه إلقاء الكرة في ملعب المحكمة الدستورية مرة أخرى: فهو أن تحكم المحكمة ب "بطلان الانتخابات في الدائرة الثالثة بالقليوبية" باعتبارها دائرة فردية ضمن الثلث الفردي التي شكت المحكمة في صحة انتخابه من الأساس، وفى حالة إصدار هذا الحكم "دون النص صراحة فى حيثياته بأن المحكمة الدستورية قضت بحل مجلس الشعب بالكامل" فإن المصادر القضائية ترجح أن يعتبر محامو جماعة الإخوان المسلمين ونواب مجلس الشعب السابقون هذا المنطوق "متناقضا مع حكم الدستورية" باعتبار أنه يعنى "بطلان الثلث الفردى فقط دون التطرق لشرعية انتخاب ثلثى القوائم". وتؤكد المصادر القضائية أنه في هذه الحالة قد يلجأ محامو الإخوان مرة أخرى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في التنازع بين الحكمين، باعتبار أن المحكمة الدستورية هي الهيئة القضائية المنوط بها الفصل بين أى أحكام متناقضة، أى أن الكرة ستعود إلى ملعب المحكمة الدستورية. وتعليقا على هذه السيناريوهات قال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن "القضية تعتبر منتهية ولن يأتي حكم الإدارية العليا بأي جديد، لأن أحكام الدستورية العليا نافذة على الكافة، ولا يجوز لأي محكمة أدنى منها إحياء ما أماتته المحكمة الدستورية، وهو فى هذه الحالة مجلس الشعب المنتخب مطلع العام الحالي". وأضاف الجمل أن الفقه القضائي المستقر يتجه إلى عدم جواز مخالفة أحكام الدستورية العليا، وأنه لم يحدث من قبل في تاريخ القضاء المصري منذ إنشاء المحكمة الدستورية باسم المحكمة العليا عام 1969 أن خالفت حكمها أي محكمة أخرى. من جهته، قال المستشار د.ماهر أبوالعينين، نائب رئيس مجلس الدولة، عضو المحكمة الإدارية العليا، إن هناك خيارين لا ثالث لهما للفصل في هذه القضية من قبل المحكمة الإدارية العليا، الأول هو أن تغلق القضية نهائيا بالحكم بانتفاء المصلحة وزوالها، وبالتالي يعتبر هذا الحكم تطبيقا حرفيا لحكم المحكمة الدستورية العليا، وإنهاء لأي طموح يراود القوى السياسية بعودة مجلس الشعب. وأضاف أبوالعينين أن الاحتمال الثاني هو الحكم ببطلان الانتخابات في دائرة المرشح مقيم الدعوى فقط، وفى هذه الحالة سيعتبر محامو الإخوان هذا الحكم مناقضا لحكم المحكمة الدستورية باعتباره لم يتطرق للثلثين المنتخبين بالقوائم، رغم أنه ليس أمرا معروضا على هذه المحكمة بالأساس، لكنه سيتخذ كذريعة لإعادة الكرة إلى ملعب المحكمة الدستورية مرة أخرى. ويرجح أبوالعينين فى هذه الحالة أن تتصدى المحكمة الدستورية للمنازعة باعتبارها منازعة بين حكمين وليس كمنازعة فى تنفيذ حكمها السابق بحل مجلس الشعب، وبالتالى فهى لن توقف حكمها، ولكنها قد تصدر قرارا تقول فيه إن المحكمة الإدارية العليا لم تخالف حكم حل مجلس الشعب، وتفتح عندئذ المجال للقيل والقال والتفسيرات القانونية المختلفة.