الآن مع خروج الطرف صاحب الصخب الأعلى من الساحة السياسية المصرية (المجلس العسكرى)، آن للاعبيها أن يعرفوا أنه باتت للعبة السياسية قواعد واحدة يتساوى فيها الجميع دون أن ينتظر البعض نصرة ال«مخلص» أو يلقى البعض الآخر التبعة على «المتآمر»، فأسطورة أو ثنائية «المخلص»/«المتآمر» هي «طاحونة هواء» ذهبت بذهاب ذلك المجلس. فنحن كما نحن منذ اليوم الأول للثورة .. لا مخلّص لنا إلا «العمل المجتمعى و السياسي الجاد» وفق قواعد تنافسية شريفة .. ولا متآمر علينا إلا تصديقنا بأن «طواحين الهواء»-مهما بلغ تنظيمها- قادرة على أن تهزم إرادتنا. ولا عدو لنا إلا "الاستبداد". فإلى تلك القواعد الحاكمة للعبة السياسية. القاعدة الأولى: ليس لأي طرف احتكار الحديث باسم الثورة أو الإيماء باحتكار مبادئها. فكل الأطياف والفصائل السياسية من حقها فقط أن تلتمس الالتحاق بثورة شعب، وتسعى لتنال شرف تحقيق مبادئها، كل فى موقعه .. ولكن حين يأتى الحديث عن الموالاة أو المعارضة، فأنت توالى أو تعارض باسم فصيلك أو حزبك أو تيارك، وليس هناك موالاة أو معارضة باسم الثورة .. أنت مصرى تلتمس الوطنية وخصمك السياسي مصرى يلتمس الوطنية .. القاعدة الثانية: أي كان موقعك رئيس أو وزير أو حزبي أو برلماني .. ليس لك أن تتعدى على حرمة ثورة هذا الشعب بخلع صفتها على داعميك وأتباعك، وتحرم منها مناهضيك. فأنت بهذا تغتصب ما ليس لك، وهذا كان فعل مبارك ومن كانوا معه حين احتكروا الوطنية والمصرية ومنعونا إياها .. فكانت تلك نهايتهم. القاعدة الثالثة: لدينا وظيفة «مسئول أول» وموظف عام بدرجة رئيس جمهورية. هو ليس أميرا للمؤمنين أو خليفة للمسلمين وليس زعيما روحيا أو ملهما .. يأتي من فصيل الاسلام السياسي أو اليسار أو اليمين .. لا فرق. هو في النهاية موظف عام وليس رمزا لوطن- منصبه رمز الوطن وليس هو بذاته-وتقديره يكون بقدر احترامه رمزية المنصب وأدائه الموائم لرفعة مسئوليته. القاعدة الرابعة: من حق الرئيس أو رئيس الوزراء أن يكون له أنصاره ومريدوه، بل ومن يتشيع له إن أرادوا .. لكن من الحقائق الملزمة له- التى لا يملك إزاءها اختيارا- هو أنه بمثلها له معارضوه و الرافضين لسياساته بل و كارهيها. وقبول المجتمع بالأولى .. هو إلزام للموظف العام بقبول الثانية. القاعدة الخامسة: الاختلافات فى الآراء من الآن فصاعدا هي اختلافات فصائل سياسية في رؤاها عن مطالب سياسية لثورة لا يملكها إلا شعب واحد، يسميها هو مطالب ثورية حين تلتحم أطيافه وروافده الإنسانية في مشهد واحد، كما كان بين يومي 28 يناير و11 فبراير 2011 .. أما بغير هذا المشهد تبقى تأويلات سياسية تخص الفريق أو الفصيل أو الحزب أو الجماعة صاحب تلك التأويلات .. كل الرؤى يبقى لها احترامها ونصيبها من الاجتهاد، بغير تخوين أو تكفير للمجتهد المخطئ .. إلا من أراد التخوين و التكفير اسما لخطأ الاختلاف .. فهذا اختياره وهو من سمى نفسه. القاعدة السادسة: شرط لشرعية المنصب العام غير الأهلية الثابته للقيام عليه، هو التزام الموظف العام باحتياجات رافضيه أكثر من التزامه أمام شيعته و أنصاره. عليه أن يكون أكثر تواصلا واستماعا وضمانا لحقوق مناهضيه. فمن عقلائهم يستطيع أن يعرف ما يعينه على تطوير أدائه. هذا هو شرط الشرعية التي أعطيت له من هيئة ناخبة اختاره بعضها ولم يختره بعضها الآخر، واعتبره بعضها الثالث ليس أهلا هو أو نده لأن يختار بينهما. هذا هو شرط الشرعية! وبغير القبول به، تسقط شرعية المنصب بمعنى يصبح رئيساً أو رئيساً لحكومة بغير شرعية وعليه ترك منصبه. القاعدة السابعة: الرئيس فى موقعه الآن وأي رئيس يليه بعد الآن يتمتع بسلطات تنفيذية كاملة وحاليا بسلطات تشريعية لم يمتلكها من سبقوه. ومن ثم عليه أن يحرص على ألا يتسبب بفعله أو قوله فيما يؤلب الشعب على بعضه أو يشق صفه باستنصاره لمؤيديه على معارضيه. شق صف الوطن باسم السياسية حنث بالقسم الرئاسي وخيانة لله في الشعب. استبرأ الرئيس الحالى لنفسه منها .. فى أولى كلماته حين كرر: «لن أخون الله فيكم». ولا نريد له ولا لمن بعده أن يقع فيها. القاعدة الثامنة: كان نهج النظام البائد أن يصرف كل جهده لدعم قواعد بقائه واستمرار حكمه، فلم يكن له هم إلا أن يملك رقاب شعبه بقبضة الأمن و أذانه و عواطفه بسطوة لسان الدين .. أما أن يسعى إلى قلوبهم بتمثله لحقيقة دوره دون تكبر عليهم أو إلى عقولهم بصلاح نتاج فعله، فهذا لم يكن من أولوياته. إعادة إنتاج ما كان غير منطقي وغير مجدٍ حتى وإن تصور البعض أنه أكثر إقناعا من النظام السابق. تلك هي القاعدة!