يواصل علماء آثار عرب وأجانب الكشف عن معالم العصر الذهبي الذي بلغته مدينة طبريا الفلسطينية في العهود الأموي العباسي والفاطمي، ومن ضمنها آثار أكبر مسجد تاريخي في البلاد. وتؤكد الباحثة البرازيلية د. كاتيا تسيترين سيلبرمان المحاضرة في الجامعة العبرية بالقدس أنها توظف جهودا كبيرة لاكتشاف آثار مسجد ضخم يعود بناؤه للقرن الثامن، مساحته تزيد عن سبعة آلاف متر مربع ويتسع لآلاف المصلين. وتضيف د. كاتيا أن تصميم مسجد طبريا مشابه جدا للمسجد الكبير في دمشق الذي بني بنفس القرن وما زال مفتوحا، وهو يشبه مسجدا آخر أصغر مساحة كشف عنه في تنقيبات جرش الأثرية في الأردن، وتضيف أن "المسجد الكبير دليل إضافي على كون طبريا مدينة إسلامية مركزية في بلاد الشام". وقالت الباحثة البرازيلية -في تصريح للجزيرة نت- "لا شك في أن طبريا عرفت عصرها الذهبي وبلغت أوجها كمركز روحاني وتجاري في تلك الفترة الإسلامية، فالآثار العمرانية تعكس ذلك". وأشارت كاتيا -المتخصصة في الآثار الإسلامية، خاصة تخطيط المساجد- إلى أنها فكّت لغز آثار عمارات قديمة في طبريا واكتشفت حقيقة كونها إسلامية، طالما اعتقد علماء آثار إسرائيليون خطأ أنها بيزنطية. يشار إلى أن طبريا بنيت على يد الحاكم الروماني هيرودوس آنتيباس في عام 19 ميلادي، وسميت "طيباريوس" إكراما للإمبراطور الروماني طيباريوس. وتقول كاتيا تسيترين سيلبرمان إن أوساطا في سلطة الآثار الصهيونية تميل عادة لتجاهل الفترات الإسلامية، وتعنى في حفرياتها بالفترات الرومانية/البيزنطية واليهودية. وتوضح أن الآثار الإسلامية في طبريا أهملت نتيجة اعتبارات غير موضوعية، وتشير إلى اكتشاف البعثة الأثرية برئاستها آثارا ثمينة في جبال وسواحل طبريا. ويشار إلى أن طبريا هي أول مدينة فلسطينية تم تهجير سكانها في النكبة عام 1948، وتمتاز بكثرة آثارها الإسلامية، ويعاني معظمها الطمس والهجران كمقام "الست سكينة"، وقد نجا مسجدان فيها من الهدم هما مسجد ظاهر العمر الكبير ومسجد البحر. وتقول إن المسجد الكبير الذي جسّد رمز عظمة طبريا صمد 330 سنة حتى انهار نتيجة هزة أرضية في 1068، واستغرقت المدينة بعدها وقتا طويلة للنهوض مجددا. ويعبر دوف عانتيبي -وهو طالب آثار يهودي من حيفا يشارك في التنقيبات- عن أمله في أن تحافظ السلطات الإسرائيلية على المكتشفات الأثرية من الفترة الإسلامية في طبريا على غرار الآثار البيزنطية. يذكر أن حفريات أثرية كشفت معالم كثيرة في طبريا التي فتحها العرب المسلمون عام 13 للهجرة (634 م) بقيادة شرحبيل بن حسنة، وقد بنيت على أسس أثرية بيزنطية. وقال الباحث الأثري وليد أطرش إن العباسيين أعادوا بناء مدينة طبريا بعد أن تهدمت جراء هزة أرضية مدمرة وقعت في الثامن عشر من يناير عام 749 ميلادي (130 هجرية). وأوضح الباحث أن طبريا في العصر الإسلامي شكلّت عاصمة جند الأردن، وشهدت ازدهارا استثنائيا في العهد العباسي من الناحيتين الكمية والكيفية، لكنها بلغت أوجها في الفترة الفاطمية، مشيرا إلى أنها كانت مركزا تجاريا ثقافيا وسياسيا للمنطقة. واستذكر أطرش أن الخليفة العباسي هارون الرشيد -ومن بعده نجله المأمون- كان أول من بدأ بالثورة العمرانية بشكل عام وفي طبريا على وجه الخصوص، لافتا إلى اكتشاف عشرات الدنانير الذهبية التي تحمل اسمه خلال التنقيبات.