أهنئ أبناء أمتنا المسلمة والعربيَّة جمعاء بحلول شهر رمضان المعظم، أعاده الله علينا جميعًا بكل خير، وأتمنى أن يجعله المولى شهرًا مباركًا طيبًا، نجدد فيه عقولنا وأفكارنا وتصوراتنا للإنسان وللحياة ولدورنا فيها، وخير ما يساعدنا على هذا التجديد النوعي كتاب ربنا –جلَّ شأنه- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وكثيرون منا يُقبلون في هذا الشهر المبارك على قراءة القرآن، لكن ليست كل قراءة يمكن أن تؤدي إلى هذا التجدد الذاتي في قوانا العقليَّة والنفسيَّة؛ لأنَّ القراءة الوحيدة التي يمكن أن تؤدي إلى هذا التجدد هي القراءة المتدبرة، التي يمزج فيها القارئ وهو يقرأ بين ما يلفظه بلسانه من كلمات القرآن فيأخذها إلى قلبه ثم إلى عقله ثم إلى قوى وعيه، حتى تصبح الآية وكأنَّها تجري فينا مجرى الدم، فتغذي العروق الجافة وتنمي الحياة وتقاوم الأمراض. وآنذاك تكون القراءة شفاءً لما في الصدور، وتكون القراءة هدى ورحمة، تجدد لنا طاقاتنا وقوى وعينا وأفهامنا ورؤيتنا، وتنير لنا السبيل وتكون بصائر من ربنا، هادية مشرقة. وليتم ذلك نحتاج إلى أن نزيل الوقر من آذاننا، والعمى عن عيوننا، والبلادة عن قلوبنا، لتتمكن قوانا هذه من أن تتواصل مع القرآن الكريم، وتستمطر رحمات الله، وتستنزل نفحاته، وهذا الأمر يحتاج منا إلى أن نجعل بيننا وبين الشيطان من القرآن حجابًا مستورًا، ونراقب قوى وعينا وندربها حتى تستقيم على هذه القراءة وتدرب عليها. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وجلاء همومنا وأحزاننا ونور أبصارنا وبصائرنا، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه من نسينا وارزقنا تلاوتة آناء الليل وأطراف النهار وبالشكل الذي يرضيك عنا يا كريم يا غفار، آمين آمين آمين، وكل عام أنتم بخير.