منذ اندلاع انتفاضات "الربيع العربي"، صاحَب الاضطرابات السياسية في مصر قيام تهديدات أمنية داخلية متجددة فضلاً عن ظهور جيل جديد من المتطرفين يستلهمون أفكار تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة سيناء». وقد أصبحت الجماعات المسلحة التي تعلن ولاءها لأيديولوجية «القاعدة» وأجندتها أكثر نشاطاً في مصر، رغم اقتصار هجماتها حتى الآن بشكل كبير على سيناء. ويتناقض هذا النشاط مع ذلك التي كانت تقوم به جماعات أخرى مثل "الجهاد" أو "الجماعة الإسلامية" حيث كانت متأصلة بصفة تقليدية في مدن وبلدات وادي النيل. وفي هذا الصدد، تم تدمير جزء من خط أنابيب في سيناء ينقل الغاز الطبيعي من مصر إلى إسرائيل والأردن من خلال شن هجوم بالعبوات الناسفة نفذه مسلحون على مشارف العريش في 9 نيسان/أبريل 2012. وكان ذلك الانفجار الهجوم الرابع عشر على خط الأنابيب منذ ثورة شباط/ فبراير 2011 التي أطاحت بنظام مبارك. ويفتقر الجيش المصري، بقيادة "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، إلى القدرة والرغبة في ضمان استقرار أمن الدولة الداخلي. وكانت الحكومات الغربية ومسؤولو الدفاع المطلعين على القدرات العسكرية المصرية قد أخبروا "آي. إيچ. إيس جينز" أن القوات المسلحة غير مستعدة حالياً بصورة ملائمة لتولي مهام مكافحة الإرهاب أو مكافحة التمرد المنخفضة الحدة، حيث تفتقر في معظم الحالات إلى المهارات والتدريب والمعدات والقيادة الضرورية. وقد يبدو هذا مفاجئاً بالنظر إلى خبرات مصر في عمليات مكافحة الإرهاب التي كانت تقوم بها جماعات متطرفة مثل "الجهاد" في التسعينيات من القرن الماضي. إلا أنه مع تشتيت انتباه الجيش وجهاز الأمن الداخلي نحو التطورات السياسية، تمكن المتطرفون من تصعيد أنشطتهم. وقد تأسست إحدى هذه الجماعات الجديدة، وهي «أنصار الجهاد في جزيرة سيناء»، في كانون الأول/ ديسمبر 2011 باعتبارها الذراع العسكري ل تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة سيناء». وفي بيان صدر في 23 كانون الثاني/يناير 2012، أعلنت هذه الجماعة رسمياً عن ولائها وبيعتها لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري. وهناك اعتقاد بأن الجماعة مسؤولة عن عمليات التخريب المتكررة التي حدثت ضد خطوط أنابيب الغاز في منطقة سيناء، فضلاً عن شن هجمات على أهداف تابعة لسلطات إنفاذ القانون، كما أنها تواصل تهديد المصالح المصرية والإسرائيلية والأمريكية. الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة عمليات تدفق الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة - من مناطق الصراع المجاورة مثل ليبيا - إلى مصر والذي تم الإبلاغ عنها، تمثل مصدر قلق خاص. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2011، أكد مسؤولون من وزارة الداخلية المصرية لصحيفة "نيويورك تايمز" بأنه على مدى الأشهر الثلاثة التي سبقت تلك الفترة، أُلقي القبض على خمس مجموعات من المهربين كانت تنقل الأسلحة من ليبيا إلى سيناء. وشملت تلك الأسلحة قاذفات صواريخ مضادة للطائرات. وفي الآونة الأخيرة - في آذار/مارس - أعلنت السلطات المصرية أنها صادرت 576 قطعة سلاح قادمة من ليبيا، تشمل "بنادق قناصة حديثة". ونقلاً عن وكالة انباء "أسوشيتد بريس" من تاريخ 5 آذار/مارس 2012، قال مسؤولون أمنيون مصريون لم تُذكر أسماؤهم بأنه مقابل كل شحنة أسلحة يتم الاستيلاء عليها، هناك خمس شحنات أخرى يتم تهريبها لكنها لا تكتشف. ومن غير الواضح فيما إذا كان تدفق الأسلحة، وهروب آلاف السجناء من السجون، وغياب تطبيق فعلي للقانون، أو تزايد الشعور بالضعف الاقتصادي هي الأسباب [التي تقف وراء عمليات التهريب]، بيد ارتفعت معدلات الجريمة العنيفة في مصر بشكل حاد منذ بدء الانتفاضة. ووفقاً لمقالة في صحيفة "لوس انجلس تايمز" من شباط/فبراير 2012 ، أدت الأسلحة المهربة من ليبيا والسودان إلى "إشعال المصادمات القبلية في جنوب مصر". واستناداً إلى عشرات التقارير الإعلامية حول هذا الموضوع، يبدو أن كميات كبيرة من هذه الأسلحة - تشمل صواريخ روسية متطورة مضادة للطائرات من طراز SA-14، SA-16، و SA-18 - تتجه إلى سيناء. وسوف يستمر الكثير من الأسلحة في طريقه إلى غزة بواسطة الأنفاق، في حين سيبقى عتاد عسكري آخر في الأراضي المصرية. التحدي الأمني في سيناء من الناحية التاريخية، تقع مسؤولية الأمن في سيناء على المخابرات المصرية، المعروفة أيضاً باسم "جهاز المخابرات العامة"، وهي إحدى الوكالات المسؤولة عن الأمن القومي. وطالما ظلت سيناء هادئة نسبياً، كانت السلطات المصرية تسمح للبدو البالغ تعدادهم نحو 500,000 نسمة بمواصلة أنشطتهم، بما في ذلك عمليات التهريب المربحة إلى إسرائيل والأردن وغزة. وبعد الإطاحة بمبارك، حل الجيش محل المخابرات باعتباره الوكالة الرئيسية المسؤولة عن الأمن في سيناء. ولا يبدو على سبيل المثال أن الجيش قد اشترك في أي عمليات كبرى جديدة ضد نشاط التهريب الذي يقوم به بدو سيناء. يشار إلى أن المتطرفين الذين يستلهمون أفكار تنظيم «القاعدة» هم ليسوا الجماعات المسلحة الوحيدة العاملة في سيناء. ففي عام 2009 اعتقلت قوات الأمن المصرية 25 عضواً من خلية تابعة ل «حزب الله» مقرها في سيناء، كان يُزعم أنها تهرب الأسلحة إلى «حماس» في غزة، وتستهدف السياح الإسرائيليين، وتجري تخطيطات عملياتية مبكرة ضد الملاحة في قناة السويس. كما أن العمليات التي ينفذها إرهابيون من غزة ضد إسرائيل، والتي تنطلق من سيناء آخذة في التزايد - حيث أن الهجمات الصاروخية العابرة للحدود والتي لم تكن متكررة قد أصبحت أمراً معتاداً، وهو الأمر بالنسبة للهجمات العابرة للحدود. وفي آب/أغسطس 2011، شنت "لجان المقاومة الشعبية"، وهي منظمة فلسطينية، غارة عبر الحدود على إسرائيل منطلقة من مصر وقتلت ثمانية إسرائيليين، بينهم جنديان. وأثناء ملاحقة المهاجمين - قتلت القوات الإسرائيلية ستة من الجنود المصريين، وهو تطور أشعل أزمة ثنائية بين البلدين. ووفقاً لمقالة في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية من 26 آب/أغسطس 2011، وافق وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك على السماح لمصر بنشر آلاف القوات في سيناء وذلك رداً على نشاط المقاومة والعمليات الحدودية المتزايدة إلى داخل الأراضي الإسرائيلية،. ("معاهدة السلام" المصرية الإسرائيلية من عام 1979 تنص بأن شبه جزيرة سيناء هي منطقة منزوعة السلاح إلا إذا تم تعديل المعاهدة من قبل كلا الطرفين). ومع ذلك، لم يؤد نشر هذه القوات إلى تحسن الوضع الأمني. وفي الوقت نفسه لا تزال الحدود مع غزة قابلة للاختراق من خلال عشرات الأنفاق التي تستخدم لتهريب البضائع والأسلحة والأفراد. هذا وقد تورط بدو سيناء المسلحون بأسلحة ثقيلة في عدد من الحوادث الأمنية الكبرى التي وقعت في العام الماضي. ففي 29 تموز/يوليو 2011، تبادل مئات البدو - الذين كانوا يرددون هتافات إسلامية - إطلاق النار مع الأجهزة الأمنية وهاجموا مركز شرطة العريش في شمال سيناء، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين واثنين من ضباط الأمن. وبعدها نشرت جماعة تطلق على نفسها "«شبكة القاعدة في شبه جزيرة سيناء»" بياناً تطالب فيه بتحويل الإقليم إلى خلافة إسلامية. وادعت التقارير الإعلامية الدولية أن السلفيين المحليين عازمين على إنشاء محاكم تطبّق الشريعة الإسلامية وتكون بإدارة زعمائهم، فضلاً عن نشر ميليشيات مسلحة تعمل على فرض قراراتهم. التداعيات على العلاقات المصرية الإسرائيلية أدان السياسيون المصريون من مختلف الانتماءات السياسية الحادث الحدودي الذي وقع في آب/أغسطس 2011، فضلاً عن عمليات الانتقام الإسرائيلية اللاحقة في قطاع غزة. وفي 8 أيلول/سبتمبر، وقَّع السياسيون الإسلاميون والعلمانيون على عريضة تطالب، من بين أمور أخرى، بطرد السفير الإسرائيلي في مصر، وسحب السفير المصري في تل أبيب، ومنع السفن الاسرائيلية من عبور قناة السويس، وتسليم الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في المناوشات الحدودية إلى مصر. وفي اليوم التالي تجمعت احتجاجات ضخمة أمام مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة، بلغت ذروتها في اقتحام البعثة الدبلوماسية. وقد أوضح البرلمان الجديد، الذي يهيمن عليه الإسلاميون والذي تولى السلطة التشريعية في كانون الثاني/يناير 2012، وجهات نظره بشأن إسرائيل و «حماس». ويسيطر «الإخوان المسلمون» على 46 في المائة من مقاعد البرلمان بالإضافة إلى 27 في المائة من المقاعد الأخرى التي حصل عليها الاسلاميون السلفيون وهم من المحافظين المتشددين. وبعد شن جولة أخرى من الهجمات الانتقامية الإسرائيلية على قطاع غزة، أفادت صحيفة الشروق المصرية في 12 آذار/مارس 2012 بأن "لجنة الشؤون العربية" في البرلمان المصري وافقت على قرار يدعو إلى "مراجعة" معاهدة السلام مع إسرائيل وتأييد "المقاومة" الفلسطينية ضد إسرائيل "على جميع أشكالها." وفي الوقت الراهن، لا تزال هذه الإشارات رمزية بحتة، لأن "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" يظل السلطة التنفيذية في النظام الرئاسي المصري. بيد تعهد "المجلس العسكري" بإتمام عملية نقل السلطة إلى الرئيس الجديد في 30 حزيران/يونيو والعودة إلى ثكناته. وحتى لو نجح البرلمان الذي تهيمن عليه جماعة «الإخوان المسلمين» في إبعاد "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" عن السلطة، يرجح أن تنصب أولوياته المباشرة على الأوضاع الداخلية. فمصر على حافة أزمة اقتصادية: فقد ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في شباط/فبراير 2012 أن احتياطيات النقد الأجنبي قد انخفضت من 36 مليار دولار أمريكي إلى حوالي 10 مليارات دولار؛ كما أن السياحة قد تأثرت بشدة من جراء الأحداث الأخيرة وتواجه صعوبات للتعافي؛ ولا يزال المستثمرون الأجانب خائفون من تخصيص التزامات كبرى لمصر. ومن أجل تحسين الاقتصاد وتجنب قيام اضطرابات مدنية على نطاق واسع يبدو - في الوقت الراهن - أن «الإخوان المسلمين» يقدرون أهمية تحقيق الاستقرار بعد الانتخابات. وإذا حدث تصاعد في معدلات الإرهاب الداخلي فسيتم تقويض الجهود الرامية لإصلاح الاقتصاد المتداعي وسيلحق المزيد من الضرر بثقة المجتمع الدولي في القاهرة. وسوف ينطبق الأمر ذاته إلى حد ما إذا تم النظر إلى التحالف الحاكم بقيادة الإسلاميين على أنه يشجع بناء علاقات أوثق مع «حماس» التي تحافظ عناصر من جماعة «الإخوان المسلمين» على تقارب أيديولوجي وثيق معها. وفي كانون الأول/ديسمبر 2011، وصف المرشد الأعلى ل «الإخوان المسلمين» محمد بديع حركة «حماس» بأنها "نموذجاً يحتذى به ل جماعة «الإخوان»" التي استضافت في الأشهر الأخيرة رئيس وزراء «حماس» اسماعيل هنية ورئيس المكتب السياسي خالد مشعل وعقدت معهم اجتماعات في القاهرة. عوامل تزيد تعقيد الأوضاع يبدو من غير المحتمل أن تتبنى القاهرة في المستقبل القريب منهجاً أكثر تصادمية مع إسرائيل. فل جماعة «الإخوان المسلمين» و"المجلس الأعلى للقوات المسلحة" مصلحة مشتركة في الحفاظ على الوضع الراهن مع إسرائيل، لا سيما في الوقت الذي تواجه فيه مصر مخاوف اقتصادية وأمنية داخلية هي أكثر أهمية وتتطلب اتخاذ إجراءات فورية. وبينما تقوم إسرائيل بتعزيز دفاعاتها ضد تسلل المقاتلين، من خلال بناء سياج على طول حدودها الجنوبيةالغربية يبلغ طوله 150 ميلاً، فإن انتشار الجماعات المتطرفة الإسلامية في سيناء سيؤدي إلى وقوع المزيد من الحوادث الأمنية التي قد تضع ضغطاً هائلاً على العلاقات بين البلدين. وسواء وجّه الإسلاميون مصر إلى وضع تصالحي أو تصادمي مع الغرب، سوف يواصل الجهاديون استغلال الفراغ الأمني في سيناء ووادي النيل، حيث أسهم الغضب الاجتماعي والصعوبات الاقتصادية وزيادة الإسلاموية، وقوات الأمن المجهدة في مصر ما بعد الثورة، في قيام بيئة غير مستقرة تشجع على الإرهاب. ------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ديفيد شينكر هو مدير برنامج السياسة العربية ب«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، الذراع البحثي للوبي المصالح الإسرائيلية بأمريكا.