ليس عندي شك أن الوطني المخلص الذي يأبى الضيم والظلم لأهل بلاده لن يتعب كثيرا في الوصول إلى قرار، فالمعركة الآن شديدة السهولة، لا يحتاج المرء مرتين ليفكر بين أن يختار الرجل الذي وثق فيه مبارك في أشد أيامه قساوة وبين من كان في المعتقل في نفس اليوم. ليس عندي شك أن المرء لن يفكر مرتين بين أن يختار من تخاذل في الحصول على حق الشهداء— نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحدا— وبين من قتلهم فعليا. ليس عندي شك أن المرء ليس عنده ترف الاختيار بين أن يختار أهم جماعة سياسية معارضة لحكم مبارك وبين أن يختار حكم مبارك شخصيا. كما أنه ليس عندي أي تردد بين أن أختار من أراد الحق فأخطأه وبين من طلب الباطل فأصابه. ليس اختياري ترفا بين أن أختار من أراه لا يتحدث عن الشريعة الغراء على النحو المطلوب وبين من يقول ان الشريعة لن تطبق لا الآن ولا غدا. لن أتردد في أن أختار بين رجل يمثل جماعة من أكثر التيارات بذلا في سبيل الله وتقديما للتضحيات والشهداء ضد الظلم وبين من كان في الصف الأول مباشرة. قد أمتلك عشرات المآخذ على الإخوان، ولعلي ممن يعتقد أنهم أحد أهم أسباب تواجدنا في النفق المظلم الذي نحن فيه الآن، لعلي لو كنت أمتلك ترف الاختيار بإضافة اسم أو اسمين آخرين، لربما ترددت، لكنني محروم من هذه المزية تماما. لا أستطيع أن أعدد أخطاء الإخوان في المرحلة الانتقالية، بصفتي الشخصية، وأنا من أنصار المرشح المستبعد زورا حازم صلاح أرى أن الإخوان قد قصروا تماما في حماية الانتخابات الرئاسية من التزوير، مرة حين قبلوا استمرار خلفاء النظام السابق في أهم المناصب القيادية والأمنية والقضائية في مصر، ليتحكموا في مصير أهم انتخابات في التاريخ المصري، ومرة حين لم يسارعوا بتعديل المادة 28، ومرة أخرى حين تجاهلوا ما تفعله اللجنة العليا للانتخابات من استبعاد مرشحهم مع أيمن نور وحازم صلاح، ومرة أخرى حين تباطأوا في استصدار قانون العزل السياسي، ومرة كذلك حين لم يتناولوا كلام النائب عصام سلطان بجدية حول نوايا التزوير في الإنتخابات. حين أقول لك ادعم محمد المرسي فلن أحدثك عن مشروع النهضة الذي قد يحتمل النجاح والفشل ولكن شتان بين أن تختار مشروعا تشك في نجاحه وبين أن تختار مشروعا تثق في فشله حين أقول لك ادعم الإخوان: لا تقل لي من سيحكمني محمد بديع أم محمد المرسي، هل سيحكمني من بقصر العروبة أم من بمقر المقطم، سأقول لك مباشرة أيهما تشاء، اعتبر نفسك ترشح محمد بديع مباشرة وقارنه بمنافسه! حين أقول لك ادعم الإخوان المسلمين: لا أقول إني على ثقة أن حكمهم سيعود علينا بالرخاء، فهذا أمر واسع يسمح بالتشكك، ولا أستطيع أن أقول لك أني متأكد من الرخاء الذي سيصيبك في حكمهم، لكنني أؤكد لك على السواد الذي سنعيش فيه لو نجح شفيق لا قدر الله. حين أقول لك ادعم الإخوان المسلمين: لن أقول لك ادعم الشريعة فلو كنت متخوفا من تطبيق الشريعة—وهي مسألة تستأهل مقالة منفصلة— فسأقول لك أن تعرف الإخوان يقينا وتعرف منهجيتهم في الإصلاح، فالإخوان يعتمدون مبدأ الإصلاحات الإقتصادية ذات التأثير السريع مع محاربة الفساد على كل المستويات لتحقيق مستويات معيشية أفضل، تسمح بتمرير التغيير للمجتمع بدون مقاومة حقيقية، وأنت تعلم يقينا أنهم لن ينجحوا في ذلك في أربع سنوات فقط، لو استغل مرسي هذه الأربع سنوات في تطهير مؤسسات الدولة من بقايا نظام مبارك، فكفى بها ونعم، وإلا فلنقِله ولنأت بغيره. لا تحدثني عن إقصاء الإخوان، وخطابهم الإقصائي ضد خصومهم، سأتنزل معك في كل ذلك، وأقول لك قارن بينهم وبين شفيق. سأختم بقصة تاريخية مهمة كانت علما على التوبة لزعيم سياسي مهم هو المعتمد بن عباد، وكان هذا الرجل من ملوك الطوائف في الأندلس، وكان يستعين على خصومه من الملوك الآخرين بألفونسو ملك القوط، حتى غدر به ألفونسو وقرر احتلال بلده أشبيلية، فقرر المعتمد بن عباد دعوة يوسف بن تاشفين أمير دولة المرابطين في المغرب، فحذرته حاشيته أن ابن تاشفين قد يستولي على الحكم حال انتصاره، فقال جملته التاريخية الشهيرة "لأن أرعى الإبل في مراعي ابن تاشفين أحب إلي من أن أرعى الخنازير في حظائر ألفونسو". واليوم نقولها: إن إقصائية الإخوان أحب إلينا من معتقلات مبارك، وأن تضييع الإخوان لدم الشهداء أقل إثما من قتلهم فعليا، فبيننا وبين الإخوان عتاب، وبيننا وبين خصمهم دماء، فاختر لنفسك أهل العتاب، أم أرباب الدماء.