تتسارع الأحداث حولنا بصورة مذهلة، مصحوبة بتحليلات متضاربة وتأويلات متعارضة، تثير صخبا يجعل عقولنا في كثير من الأحيان تعجز عن الفهم وتقصر عن الإدراك، ويدفع البعض (وأنا منهم) في أوقات ذروة الاختناق مما نرى ونسمع للتفكير في العزلة والاعتكاف والهروب من المعرفة! وتتوارد إلى ذهني في هذه الأوقات إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه حين سأله: ما النجاة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك». وأظل في صراع مع نفسي بين أن أستسلم لهذا الحل الذي يبدو سهلا ومريحا، والذي يلقي عن كاهلي هموم المتابعة اللاهثة للأحداث، وما يصحبه من ارتفاع الضغط والسكر وحرقة الدم الناتجين عن سماع غوغائية معدومي الضمير والشرف الذين يتصدرون المساحة الأكبر من الواجهة الإعلامية في مصر، وبين أن أظل على درب المتابعة والبحث والسؤال، ومن ثم لا أستطيع أن أمسك عليَّ لساني إزاء ما أسمع وما أرى، فأضطر إلى إبداء الرأي، وبيان ما يستحق البيان، والرد على ما يستوجب الرد، والدفاع عما من واجبي الدفاع عنه، والهجوم على ما ينبغي مهاجمته ومحاربته. ولا أستطيع أن ألزم بيتي مؤثرا الراحة على الخروج للمشاركة في الفعاليات وصناعة الأحداث، لنصرة الحق ومواجهة الباطل ومقارعته، ولا أستطيع أن أبكي على خطيئتي وحدي راجيا العفو من الغفور الرحيم، والخلاص الفردي، بل يتعدى البكاء ليكون على خطايا كل أبناء هذا الوطن، وكل من يتحدثون باسمه، ويدعون حبه، والسعي لصالحه. هذا الصراع غالبا ما ينتهي إلى رفض العزلة، وعدم التوقف عن المعرفة والمتابعة، ويحسم الصراع فيه إلى جانب الانخراط في جهاد الوقت، إيمانا مني بأن هذا التوجيه النبوي في الحديث المشار إليه إنما هو لوقت لم يأت بعد. فما زال هناك أمل في الإصلاح، وما زال هناك مخلصون وشرفاء نستطيع أن نعمل معهم، وأن نضع أيدينا في أيديهم، وأن نصطف بجوارهم للذود عن وطننا والوصول به إلى بر السلامة، وإلا نفعله تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، حيث نخلي الساحة لراقصي التعري على أشلاء الوطن، والمقتاتين بدماء أبنائه، الآكلين على موائد كل لئيم يدفع أكثر، ليشتري ألسنتهم الحداد التي تكذب كما تتنفس، وتستمرئ النفاق والافتراء كما تشرب الماء! نسأل الله لهم الهداية، ولنا الثبات والتوفيق.