هناك فارق بين الاشتغال بالعمل السياسي والحزبي حسب قواعده وعلومه وأصوله وبين مهمة ومسئولية الدفاع عن الوطن وحرية الشعب وممارسته لحقوقه البسيطة، كالحرية والعدالة والمساواة، مما اتفقت عليه الشرائع والقوانين على مر الزمان. إذ علينا أن نعزز الشعور بشرف الانتماء للوطن، والعمل من أجل رقيه وتقدمه، وإعداد النفس للعمل من أجل خدمته ودفع الضرر عنه، والحفاظ على مكتسباته والتعرف على ثقافته وتاريخه وإنجازاته، والأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن واحترام الأنظمة التي تنظم شئونه ،وتحافظ على حقوق المواطنين وتيسر مصالحهم، وحب التقيد بالنظام والعمل به. وعلينا أن نعزز أيضا حب الوحدة الوطنية في النفوس والحرص عليها والابتعاد عن كل الإفرازات الفئوية والعرقية والطائفية الممقوتة، مع التأكيد على أنه هناك فرق بين الاختلاف المذهبي السياسي والفقهي الاجتهادي وبين التعصب الطائفي الكريه. وننشر أيضا حب المناسبات الوطنية الهادفة والمشاركة فيها والتفاعل معها، وتعزيز حب التعاون مع إدارات الدولة على الخير والصلاح، مع التأكيد على الابتعاد عن كل ما يخالف الأنظمة من سلوكيات غير وطنية، وتقدير واحترام ممتلكات الوطن، فهذا جزء من حب الوطن والدفاع عن الوطن من الإيمان. ينبغي أن نقوي في الجميع كبارا وأطفالا، نساء ورجالا، أن الوطن غال علينا، فقد عشنا تحت سمائه، وأكلنا من خيراته، وترعرعنا فوق أرضه وبين جنباته، وتوفر لنا بهذا الوطن الأمن والأمان ... فمن منا لا يحب الوطن؟! فالمشاركة في الاستفتاءات أو الانتخابات عمل وطني إيجابي بامتياز وليس بالضرورة عملا سياسيا. والفارق يتضح بالمثال الآتى: لو أن لصوصا وبلطجية هاجموا مقر شركة أو مؤسسة لوجب على كل عامل وفرد أن يدافع عنها ضد السرقة والنهب بلا استثناء في ذلك بين مدير وغفير، فهذا عمل وطني يؤيده الشرع والعقل والقانون، أما إدارة العمل داخل تلك المؤسسة أو الشركة فيقوم به المؤهلون لذلك من أهل الاختصاص، وهذا أشبه بالعمل السياسي، فلا يتصدى له إلا أهله، وقد تقتضي المصلحة الاستعانة بخبير من خارج المؤسسة لإدارتها. فليس بالضرورة أنه من قام بالدفاع عن المؤسسة هو الوحيد القادر على قيادتها. فالاشتغال بالعمل السياسي أمر له مؤهلاته وأدبياته، ويقوم به الخبراء والمختصون فيعرضون علينا برامجهم وتوجهاتهم وخططهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلينا نحن أن نثقف العامة ليحسنوا اختيار من يقودهم لمستقبلهم. ولنعلم أنه إذا انتشر الظلم والفساد المالي والسياسي والاجتماعي، صارت مهمة نشر الدين والأخلاق الفاضلة أمرا عسيرا؛ أما إذا تيسرت أحوال الناس، فإنهم سيستعينون بفضول أوقاتهم وأموالهم فى نشر الفضائل والمقاصد العظيمة. فالمحافظة على حقوق الناس فى الكسب والمعاش وممارسة الحقوق السياسية والاجتماعية بالعدل والمساواة بين أفراد الوطن الواحد بكل أطيافه عمل وطني واجب على كل مستطيع من الشعب أن يدافع عنه، أما العمل السياسي فهذا شأن آخر. وعلى الدعاة والمصلحين، وكذا النخبة المثقفة الواعية على دورها الوطني المهم في هذه المرحلة أن تقود الناس إلى الوعي والإدراك للمسئولية الوطنية العظيمة الملقاة على شعب مصر في تأسيس وطن حر كريم، يعمل بمؤسسات عظيمة تقود الأمة العربية خاصة، والعالم النامي عامة، إلى حياة يحترم فيها الإنسان وأفكاره ومعتقداته. ولنعلم أنه قد يحدث خلط بين ممارسة العمل الوطنى والعمل الحزبى السياسى بسبب اندفاع الناس من ظلمة الاستبداد إلى نور الحرية بهذه السرعة، مما قد يغري البعض بالخوض في دهاليز السياسة مع قلة علمه وممارسته لها بحكم الظروف السابقة. فمفهوم حب الوطن هو ذلك المفهوم العملي الواقعي الذي يتعدى الشعارات البراقة والأناشيد الحماسية. إن أعظم هدية نقدمها للوطن هو انتماء يتعدى حدود الذات ومصالحها ومباهجها إلى التضحية بكل دقيقة، وبكل حواسنا ومشاعرنا في سبيل بناء ذلك الوطن. حتى النفس تهون فداء له.