ترجمة: المهندس عبد الله كمال فشلت جميع الجهود الرامية إلى إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته على مدار عام كامل. كان يبدو أن الأمر وشيكا منذ شهرين أو ثلاثة عندما استطاع الثوار السيطرة على بعض الجيوب فى مدن مثل حمص ودير الزور، وكان هناك حديث عن فرض حظر على الطيران وتدخل عسكري أجنبي. فُرضت عقوبات اقتصادية بالغة القسوة على الاقتصاد السوري المترنح أصلا. كانت الاخبار تتلاحق عن وجود ضغط يومي على الأسد والأمور تتجه إلى أن هناك تغيير فى قصر الحكم فى دمشق، ولكنها لم تحدث، سوريا لن تكون ليبيا جديدة. آخر الخطوات الدولية كانت فرض حظر أوربي على زوجة الأسد أسماء ووالدته لمنعهم من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي (مع أن أسماء كمواطنة انجليزية مازالت تستطيع السفر إلى بريطانيا). يدعي وزير الخارجية الأنجليزي ويليام هيج أن هذا يزيد الضغط على نظام الأسد ولكنه فى نفس الوقت يريحه. تقليل رحلات تسوق أسماء إلى روما وباريس، على فرض أنها ترغب فى القيام بها، يظهر كل ذلك إلى أى مدى لا تملك الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي خيارات للضغط على دمشق. وفي الوقت الذي صرح فيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأسبوع الماضي قائلا "لا يناقش أحد التدخل العسكري". اُلحقت هزيمة نكراء بالجيش السوري الحر، وطرد من معاقله القوية فى حمص فى الوسط وشمالا فى أدلب ومؤخرا من دير الزور فى الشرق، ويوم الثلاثاء الماضي اقتحم الجيش السوري النظامي مدعوما بالدبابات والآليات دير الزور التي تبعد ستين ميلا عن الحدود العراقية مما أجبر الثوار على الانسحاب واللجوء للمنازل والشقق بعد معركة قصيرة بالرشاشات والأسحة الخفيفة. الانسحاب الأخير يجعل من الصعب تهريب الأسلحة من محافظة الأنبار السنية فى العراق. يأتي هذا التقدم السريع والسلس للجيش السوري النظامي على النقيض من حصاره لمنطقة بابا عمرو فى مدينة حمص لما يقارب الشهر، والذي خلف مئات الجرحي والشهداء وترك أغلب المنطقة مدمرة تماما. وعلى الرغم من الحاح السعودية وقطر على تسليح الثوار إلا أنه لا توجد إشارة حتى الآن على نيتهم لفعل ذلك. السؤال هنا: ما الخطأ الذي ارتكبته المعارضة؟ فى العموم بالغت المعارضة فى تقدير قدراتها وصدقت دعايتها المبالغ فيها إلى حد كبير. حتى يناير الماضي كان كل شئ معتمد على التدخل الأجنبي أو الاقناع بقرب حدوثه، ولكن فى 4 فبراير اُلغي هذا الاختيار كلية بعد الفيتو الروسي والصيني على قرار مجلس الأمن المدعوم من الجامعة العربية الذي يطالب الأسد بالتنحي. كانت خبرة الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ودول الخليج فى إسقاط معمر القذافي غير صالحة فى الحالة السورية. الحقيقة أنه ما ينجح فى دولة قد يكون وصفة كارثية لدولة أخرى. كانت هناك أيضا قراءة خاطئة لما حدث فى ليبيا. لو شاهدت قناة الجزيرة يبدو أمامك كما لو أن كتائب الثوار الأبطال، وفى أوقات كثيرة كانوا أبطالا بحق، قد اسقطت الطاغية ولكن فى الحقيقة يعود أغلب الفضل فى النصر العسكري على القذافي إلى الغارات الجوية لحلف الناتو، كان رجال الكتائب يقومون بدور فرق المسح التى تحتل المناطق بعد أن تفسح لهم غارات الطائرات الطريق (كان هذا ايضا هو نفس النسق الذي حدث فى أفغانستان فى 2001 وفى كردستان العراق فى 2003). (1) تختلف الأوضاع تماما فى سوريا. فالنظام لديه نواة مؤدلجة (2) تعتمد بشكل أساسي على الطائفة العلوية وجيش قوي وقوات أمن، بالرغم من أنه حدثت بعض الانشقاقات فى المستويات العليا من الجيش النظامي، وغيرت بعض وحدات الجيش من ولائها إلا أنه يشعر الموالون للنظام أنهم لا يملكون خيار آخر عدا القتال إلى النهاية، ومستعدون تماما لقتل أى شخص يعترض طريقهم. ولا تشكل عسكرة الصراع فى سوريا خطر حقيقي على الحكومة ولكن من الممكن أن يتغير الوضع لو تطورت عدة الحرب الموجودة فى يد المعارضة. لا تُقلِقْ العقوبات الاقتصادية الموالون للأسد لأن أى دكتاتورية تستطيع أن تصادر مصادر البلاد لمصلحتها حتى لو تم تقليل كميتها بالرغم من أن الأسد فقد بالفعل دعم معظم مجتمع رجال الأعمال السوريين. فى النصف الثاني من العام الماضي كان يبدو أن الأسد يواجه ائتلافا دوليا قويا يضم السعودية وقطر والولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا، وعلى الرغم من ذلك ظهر أن الكل يريد أن يحدث شيئا ما للاسد أو لنظام الأسد على إلا يكون هو سبب هذا الشئ. كان هناك حديث عن توفير "ملاذات آمنة" على الحدود التركية أو الأردنية ولكن كل من تركيا والأردن لم يبديا أى حماسة تجاه فعل من شأنه أن يقود مباشرة إلى صراع مسلح مع سوريا. قال الملك عبد الله، ملك الأردن، أنه لا يعارض إقامة ملاذات آمنة طالما أنها بعيدة عن الأردن،وخففت تركيا من الفكرة بعد أن أصبح جليا أنها متورطة فى صراع إقليمي بين السنة والشيعة من الممكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران بهدف حماية حليفتها سوريا. فعل الثوار السوريين كل شئ ممكن لإعطاء الانطباع أن ماحدث فى ليبيا لن يتكرر فى سوريا. يُنتقد الثوار السوريين بسبب الانقسامات بينهم وعدم وجود قيادة موحدة ولكن على الأرجح هم لا يملكون خيارا فى هذا. بدأت الانتفاضة السورية فى الطبقة الدنيا من المجتمع السوري ثم امتدت لتشمل الطبقة المتوسطة، ولكن الاستخدام المتزايد للقناصة وفرق الموت من قبل النظام الأسدي جعل من التظاهر فى الشارع شيئا شديد الخطورة وقلت الاعداد بشكل مطّرد مؤخرا (واحدة من مزايا فرق المراقبة العربية أنها فتحت الباب للتظاهر فى الشارع مرة أخرى). المتظاهرون الآن نادرا ما يرفعون أغصان الزيتون ويهتفون "سلمية، سلمية". عسكرة حركة الاحتجاجات والطائفية المتزايدة صبت فى مصلحة النظام وزادت من قوته. الطائفية لم تضعف المعارضة داخل سوريا فقط ولكنها ساعدت أيضا على تقسيم التحالف الذي يواجهها فى الخارج. فى عام الانتخابات الرئاسية لا يهتم الناخبين الأمريكيين بمن يحكم سوريا ولكنهم قلقون جدا بشأن تنظيم القاعدة.(3) واحد من المواضيع الهامة التى تستند عليها حملة باراك أوباما أن إدارته هي التي قتلت أسامة بن لادن وأنه ركز أساسا—على عكس إدارة بوش—على تصفية المخططين لهجمات 11 سبتمبر، لا يريد البيت الأبيض أن يظهر تنظيم القاعدة أى إشارة على الحياة، ولذلك تشعر الإدارة الأمريكية بقلق شديد حيال الدور المتزايد للقاعدة فى سوريا، على سبيل المثال أعلن تنظيم جبهة نصرة وحماية الهلال الخصيب المنتمي للقاعدة عن مسئوليته عن تفجيرين انتحاريين فى دمشق راح ضحيتهم العشرات. وقال بيان جبهه النصرة " نحن نحذر النظام السوري من استمرار مجازره بحق السنة أو ليتحملوا ذنب العلويين" وأضاف البيان "ما هو قادم أكثر مرارة وقوة بأذن الله". لن يسقط النظام السوري دون تغيير جذري فى توازن القوى. تعيين الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان كمبعوث سلام مشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية هو واجهة لتغطية الفشل الذي يواجهه حتى الآن معارضين النظام. الكاتب: باتريك كوكبرن هو مؤلف كتاب مقتدى: مقتدى الصدر وصعود الشيعة والكفاح من أجل العراق هوامش: 1- هذه أسطورة تم الترويج لها على نطاق واسع عن الثورة فى ليبيا ولكنها تناقض ما كان يحدث على الأرض، بلا شك كان هناك مساعدات من الناتو، ولكن الثوار هم من خاضوا الحرب على الأرض، وكانوا فى أحيان كثيرة يتضررون من ضربات الناتو. 2-- يختلف الوضع فى سوريا عن باقي دول الربيع العربي فحزب البعث حزب قوي له أيدولوجية ومؤيدين له فى الداخل والخارج، لا يمكن مقارنة البعث بالوطني الديموقراطي فى مصر أو لجان القذافي الشعبية، فمنذ قيام الانتفاضة السورية هناك مجموعة لا بأس بها من الكتاب والمفكرين يدافعون عن النظام باعتباره نظام ممانعة يقف أمام الهيمنة الأمريكية، أيضا باعتباره حزب قومي يدعم المقاومة الفلسطينية ويرفض التطبيع وتجد مجموعات فى الداخل والخارج مؤمنين بأصالة بما يطرحه الحزب على عكس مجموعات المنتفعين وشبكات المصالح فى الدول العربية الأخرى. وهناك أرضية قوية لحزب البعث بين الطبقات الفقيرة أيضا ولا يقتصر وجوده على الطبقة المتوسطة والغنية. 3- عسكرة الثورة واكتسابها بعد طائفي وترويج المعارضة لنفسها أنها معارضة سنية فى مواجهة نظام علوي شيعي افقد المعارضة دعم بعض الطوائف الأخرى داخل سوريا مثل الدروز والنصارى وخلق خوف خارجي من صعود تنظيم القاعدة (أمريكا) أو تحول سوريا إلى فسيفساء مقسمة إلى ست دول، ناهيك عن وجود علامات استفهام كبيرة حول شخصيات بارزة فى المعارضة السورية فى الخارج المنقسمة على نفسها اصلا وتخوف من نواياهم بعد سقوط الأسد. 4- المقال باللغة الإنجليزية http://www.counterpunch.org/2012/03/26/bid-to-overthrow-assad-fails/