يظن النظام السوري أن بإمكانه تجميد الزمن.. وأن الآلة العسكرية الغاشمة قادرة على أن تطبع من حماة 2012 نسخة من حماة 1982 حيث كان باستطاعة أبيه وقتها أن يفرض تعتيمًا إعلاميًا غير مسبوق.. فالدرس الذي استفاد منه النظام السوري الشائخ من الأنظمة العربية المتساقطة من حوله لم يكن إعطاء الشعب حريته، واحترام إرادته وإنما أن يوغل في التضييق والمنع، حيث لا إعلام إلا إعلام النظام. واقتنعت عقول عواجيز هذا النظام المدبرة بأن الداخل والخارج لن يكون بوسعه إلا أن يصدق حواديت المسلحين المتطرفين، والمؤامرة الكونية ضد الأسد. لم يدرك النظام الأسدي أن المنع الصارم لن يجدي مع شباب امتلك أدوات عصره، وأن أدوات عصره تلك عصيّة على الحجب وكاشفة للتضليل. فالشباب السوري.. شرايين الثورة السورية، لا يخرجون في المظاهرات.. ويصمدون أمام الغارات فحسب، وإنما ينقلون أخبار الثورة أولا بأول مدعمة بصور تلتقط عن طريق الهواتف الجوالة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما تويتر وفيسبوك، وتزويد وسائل الإعلام بأرقام الناشطين وشهود العيان من قلب الثورة والاتصال عبر سكايب، أو عبر الأقمار الصناعية. وسطر آلاف الشباب في سورية أسمائهم بحروف من نور في سجلات شهداء الحقيقة، التي صوروها ووثقوها لنا لحظة بلحظة، ثم ماتوا في سبيل كشفها أمام العالم أجمع. في هذا الحوار يكشف الإعلامي السوري د. عبد الحفيظ شرف جانبًا من الجهاد والنضال الإعلامي للشباب السوري، حتى ظهرت للعالم أجمع سوءات نظام فاشي مستبد. وضيفنا في هذا الحوار هو مدير عام قناةَ سورية الغد، وهي فضائية سورية مستقلة تهتم بالشأن السوري بشكل عام والثورة السورية بشكل خاص، وهدفها توصيل الحقيقة، ويتعهد القائمون عليها بأن تبقى مع الثورة يدا بيد حتى النصر. وكشف شرف لصحيفة "التغيير" أن ما يتم تصويره في سورية ويصل إلى الفضائيات هو أقل من 10% من الجرائم التي تحدث، وما يعرض على الفضائيات هو 1% مما يتم تصويره. وأضاف أن نظام الأسد الآن يعتبر الهاتف أخطر من السلاح الناري لأنه يفضح جرائمه عبر توثيقها بكاميرات الهواتف النقالة، وقد استشهد أحد مراسلي فضائية سورية الغد الأسبوع الماضي أثناء تغطيته للتظاهرات والاحتجاجات وجرائم النظام ضدها. وأكد شرف أن المئات من الشباب السوريين استشهدوا أثناء تصويرهم للاحتجاجات السلمية بالجوال، ما يدل على أن النظام يعطي أوامر باستهداف الصحفيين والنشطاء الذين يقومون بالتصوير. وإلى تفاصيل الحوار:- التغيير: في البداية يود جمهور صحيفة "التغيير" أن يتعرف على شخصكم الكريم اسمي عبدالحفيظ شرف، طبيب بشري سوري، من مدينة حلب الشهباء، أعمل في المجال الإعلامي، أنتجت مواد وثائقية، وأنتجت برامج لي أنا شخصيًا، منها برنامج اسمه: آلاء كان يعرض على قناة الرسالة في شهر رمضان وقناة فور شباب وقناة البديل، وأدير قناة سورية الغد الفضائية . التغيير: كيف بدأ خروج الثورة السورية من قمقم التعتيم الإعلامي الذي مارسه النظام؟ قامت الثورة السورية في شهر مارس 2011 في أعقاب الثورة المصرية وكنا نحاول وقتها التواصل بأي شكل من الأشكال هنا في مصر مع المؤسسات الإعلامية العربية. وعلى مستوى الجالية السورية في مصر فكانت تشارك في الثورة من خلال التظاهر أمام السفارة السورية بالقاهرة بالتزامن مع تظاهرات إخواننا في الداخل السوري. قمنا بتشكيل غرف عمليات لتوزيع الصور والفيديوهات التي ترسل لنا من داخل سورية عبر الإنترنت كي يتم نشرها على أوسع نطاق عبر المحطات الفضائية. وكانت التغطية الإعلامية في البداية سيئة للغاية ولا يذكر منها إلا الشيء القليل جدا وكنا نجمع الفيديوهات المتناثرة بالتنسيق مع بعض إخواننا في الداخل السوري ونحاول إيصالها إلى قنوات الجزيرة والعربية عن طريق العلاقات الشخصية والقنوات الإخبارية الأخرى عن طريق رؤساء التحرير أو مديري القنوات ونتابع معهم ونلح عليهم حتى يعرضوا ما يحدث على شاشات الفضائيات فكانوا لا يعرضون على الرغم من أننا كنا نأتيهم بتغطية مباشرة حيث أن الثورة كانت بداياتها دموية وفظيعة، تماما كنهاياتها التي نراها الآن، لكن في البداية كان التجاهل الإعلامي ظاهر. الجزيرة والعربية حاولنا معهما بشكل غريب دون استجابة وكنا نتأكد من وصول الفيديوهات إلى رؤساء التحرير أو مسئولي الشيفتات ورغم ذلك ما كانت تعرض، وكان واضحا أن هناك توجه لعدم عرض ما يحدث في داخل سورية. وبعد ضغط متواصل بدأت القنوات تعرض تدريجيا جزء بسيط مما يصل إليها وخلال فترة الصمت الإعلامي كنا نعمل بطريقة مختلفة ولم يكن لدينا إلا وسائل بسيطة وضعيفة، فعلى المستوي الفضائي كنا نرسل رسائل قصيرة (sms) للقنوات محاولين وصف جزء بسيط مما يحدث عبر الرسائل للجزيرة مباشر ونقطة حوار في محطة بي بي سي ونرسل لهم رسائل: لماذا لا تعرضون ما يحدث، وكنا ننتقدهم على برامجهم لمشاركتهم في التعتيم الإعلامي المفروض آنذاك، آلاف الرسائل أرسلت للجزيرة مباشر والبي بي سي حتى بدأوا يشعرون أنهم في حرج وحاولنا الوصول مع وضاح خنفر وكان مديرًا للجزيرة في ذالك الوقت. حكينا مع المشايخ في المؤتمرات وطلبت من القرضاوي أن يخطب الجمعة في ثاني أسبوع بعد الثورة فذكر سورية اعتراضا ودعا لها في الدعاء وترحم على شهدائها أما في الجمعة التالية فقد خطب خطبة كاملة عن سورية وكانت تبث على الجزيرة مباشر بعدها بدأت القضية تفرض نفسها على الساحة الإعلامية. كيف تنظر لأبطال المعركة الحقيقيون أعني النشطاء الذين يغطون الثورة إعلاميًا؟ أود أن ألفت إلى حقيقة قد يستغربها البعض وهي أن ما يصور في سورية ويصل إلى الفضائيات هو أقل من 10% مما يحدث، وما يعرض على الفضائيات هو 1% مما يتم تصويره. نظام الأسد الآن يعتبر الهاتف أخطر من السلاح الناري لأنه يفضح جرائمه عبر توثيقها بكاميرات الهواتف النقالة، وقد استشهد أحد مراسلينا الأسبوع الماضي أثناء تغطيته للتظاهرات. وأي شخص يحمل كاميرا أو هاتف ويستخدمه في التصوير هو كمن يقوم بعملية استشهادية لأن أعين القناصة والعساكرتتحول إليه مباشرة ليسقط شهيدًا وقد استشهد المئات من أصدقائنا الشباب أثناء تصويرهم للاحتجاجات السلمية بالجوال، وشيوع هذا الامر يدل على أن النظام يعطي أوامر باستهداف الصحفيين والنشطاء الذين يقومون بالتصوير. وبعد تكرار هذا النوع من العدوان كان الشباب يكلفون اثنين منهم بتغطية التظاهرات حتى إذا أصيب أحدهم يكمل الآخر، قناعة منهم بأن الإعلام سلاح أمضى من المدافع في كثير من الأحيان. وماذا عن منبركم الإعلامي السوري الجديد؟ استمرارً لسعينا في كشف الحقيقة وبيان فساد النظام وممارساته الوحشية تم إطلاق قناةَ سورية الغد، وهي فضائية سورية مستقلة تهتم بالشأن السوري بشكل عام والثورة السورية بشكل خاص، وهدفنا فيها أن نوصل الحقيقة كما هي ، ويتعهد جميع القائمون عليها بأن تبقى مع الثورة يدا بيد حتى النصر وحتى ننعم بسوريا الحرة سورية الغد والأفضل بإذن الله تعالى. وقد انطلق البث التجريبي لقناة سورية الغد يوم 12 مارس 2012 وهو تاريخ انطلاق الثورة السورية، وجائت الخطوة بعد ستة أشهر من العمل والتخطيط والتجهيز، ونسأل الله أن يجعلها سببا لنصرة شعبنا السوري. وسبيلنا لتوصيل الرسالة الإعلامية إلى العالم هو التواصل مع أصدقانا وأهلينا في الداخل السوري والحصول على المعلومات الموثقة بالمشاهد والصور، وبثها عبر الفضائيات. موقف الكيان الصهيوني من نظام الأسد محير، فكيف تنظرون إليه؟ رامي مخلوف رجل الأعمال الذي يسيطر على نحو 60% من الاقتصاد السوري وابن خالة بشار الأسد، قال في تصريحات منشورة: أمننا من أمن إسرائيل وأمن إسرائيل من أمننا. هذه الكلمة دليل على أن النظام حامي لإسرائيل، فالجولان لا تزال محتلة ومنذ 40 سنة لم تطلق فيها رصاصة واحدة وهو يرفع شعارات كاذبة عن المقاومة والممانعة. لقد أرسل الأسد رسائل واضحة إلى إسرائيل مفادها أنا حامي حماكم وحامي حدودكم فلما بدأت الأزمة وثار الشعب السوري وشعر أن عرشه بدأ يهتز أرسل بعض الشبيحة وبعض الفلسطينيين الموالين له ليخترقوا الحدود مع الجولان وهذه كانت رسالة واضحة لإسرائيل بأن هذا هو الذي سيحدث إذا سقط النظام. وبالفعل من بعدها بدأت تل أبيب تدعمه بشكل كبير والدليل على ذلك أن إسرائيل طلبت من أمريكا بعدها أن تخفف من الضغط الدولي والإعلامي على الأسد. فالغرب وإسرائيل صار عندهم قناعة أن الأسد لا محالة ساقط لكنهم يعملون على إطالة عمره لقتل الدولة حتى تنهك تماما في مواردها واقتصادها وجيشها وشعبها وتصير بعدها سورية دولة كرتونية لا يفكر أفراد شعبها إلا في لقمة الخبز على مدى 25 أو 30 سنة، وإذا استفاق الشعب بعدها فثمة خطط بديلة لتنفيذها مع الواقع الجديد، هذا ما يشتغلون عليه الآن، وإسرائيل طبعا هي أكثر من يحمي نظام الأسد دوليًا، وأثبتت التقارير أن إسرائيل هي التي تحرك روسيا والصين باستخدام الفيتو مع مراعاة حسابات الطرفين. لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن تل أبيب تريد كسر الأسد كحلقة تربط إيران بحزب الله وحماس أظن أن أحد أهم فوائد الثورات العربية هو كشف الأقنعة عن كثير من الناس. زعماء كانوا يخدعون الشعوب ويكذبون عليهم تحت شعارات المقاومة والممانعة فضحتهم الثورات إسرائيل من مصلحتها هذا الشيء إسرائيل وإيران وحزب اللات مثل ما ظهر كذب النظام السوري وكان يرفع شعار المقاومة منذ 30 أو 40 سنة اليوم خلال أشهر بسيطة انكشف على حقيقته التي كان يعرفها الخبراء، ولا ينبئك مثل خبير. قبل الثورة كان يدعي الممانعة وكان المواطنون السذج في سوريا يدافعون عنه ويقولون : لماذا لا يعجبكم الأسد وهو الوحيد الذي يعلن صراحة مقاومته للمشروع الصهيوني "بشار شجاع" لكن الواقع أنه كان يمارس الكذب لكسب محبة الناس، ومثله نصر الله الذي كان يكذب وإيران كذلك تكذب وإلا فبماذا تفسر قولهم إننا مع الشعوب الثائرة ثم هم يمدون الأسد بم يستطيعون؟ ألم يؤيد الإيرانيون وحزب اللات الثورة المصرية ويحرجوها؟ عندما أثنوا عليها لكن الثورة كانت أقوى والحمد لله بعد أن عملوا مشكلة للثورة المصرية. إيران تعلم أنها لو صدقت في دعم الشعوب المطالبة بالحرية مثل مصر فهي بذلك تحرجهم دوليا ومع ذلك تتكلم وتتعمد ذلك. أضرب لك مثالا آخر، الشيخ يوسف القرضاوي، المصريون طلبوا منه الحضور ليخطب في التحرير الجمعة التالية لجمعة الغضب التي سبقت التنحي فرفض وأجل الخطبة إلى ما بعد سقوط النظام ورفضه في البداية حتى لا يضع الثورة أمام الغرب في مأزق وحتى لا يقال إنها ثورة إسلامية تنتظر الملا أو الخوميني حتى يأتي ليباركها، فهو أراد كسر هذه الصورة لأنه كان من الممكن أن تتسبب في مشكلة أمام الغرب وأمريكا بينما إيران لم تفكر بهذه الطريقة لذلك فهم كاذبون في تأييدهم اللفظي للثورات. لماذا إذن لم يدعموا المطالبات بالحرية في سوريا ثم يدعمون النظام بكل تفصيله الملف الأمني في كبرى المدن السورية بيد الإيرانيين فحلب مثلا الملف الأمني بيد رجل إيراني هو نفس الرجل الذي قمع احتجاجات إيران بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد ونجح في إدارة قمع المظاهرات حينئذ وهو نفس الرجل الذي يضع خطة أمن حماة ويديرها بنفس الطريقة الإيرانية التي نجحت من قبل. وما هي تلك الخطة التي نجحت في قمع تظاهرات طهران؟ شباب حلب يقسمون أنفسهم إلى تنسيقيات كل تنسيقية تتكون من ثمان أشخاص فيأتي الأمن الإيراني فيعتقل 3 أو 4 ويترك بقية التنسيقية لمدة أسبوعين ثم يفرج عن المعتقلين الأربعة ويعتقل الأربعة الآخرين ثم يفرج عنهم وهكذا بحيث أنهم يشعرون دوما بالتهديد والقلق ولا تتاح لهم فرصة تعويض النقص وكانت هذه هي نفس طريقته في القضاء على احتجاجات طهران وكانوا في البداية لا يطلقون الرصاص على المتظاهرين حتى لا تتولد مشاكل جديدة. وذات يوم من أيام الاحتجاجات في بداية الثورة تجرأ جندي وقام بصفع أحد المتظاهرين، فحتى لا تصير مشكلة في حلب أتي مدير الأمن هذا وجاءوا بالمجند ليعتذر أمام الناس، نفس الكذب ونفس طريقة الدجل ليقال عنهم أنهم طيبون وبعد فشل تلك الطريقة في احتواء الناس أخذوا يمعنون القتل بالرصاص الحي. لكن هذه الثورة ماضية في طريقها ولن تجدي معها الطريقة الإيرانية أو الأسدية أو طريقة حزب الله في التعامل، فقد انكسر حاجز الخوف عند الناس ولن يوقفهم إلا سقوط نظام القمع والاستبداد. الموقف التركي هل تراه ملائما من الناحية السياسية؟ المواقف الظاهرة مختلفة عن المواقف الباطنة، المواقف التي يخرج فيها الساسة ليمتدحوا الثورة ويستنكرون المذابح ما عدنا نصدق هذه الشعارات لأن الواقع مختلف. أي شخص سياسي إذا حكى مليون عام لن يصدقه الناس في هذه الفترة بالذات حتى يترجم أقواله إلى أفعال وحينئذ يراها الناس واقعا محسوسا أما أن يجلس يحكي، فهو تحقق للمثل العربي القائل أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، وكذلك هم الإخوة الأتراك يتحدثون عن دعم الثوار وتقديم الدعم للشعب صحيح أنهم آووا اللاجئين السوريين وهذا موقف جيد ولكن تأييدهم للشعب السوري بالكلام لا يكفي فهذا وقت يحتاج فيه الناس إلى الأفعال أكثر من أي وقت مضى والكلام المجرد لن يفيد أبدا فضلا عن أن أحدا لن يصدقه لأن شعبنا سمع كلاما كثيرا ما في فعل حقيقي للأتراك على الأرض في سوريا أتمنى أن نرى تركيا دولة نعول عليها بعد الله تعالى ويعملون شيئا ملموسا هذا ما ننتظر تحقيقه فحتى اللحظة لم نرى أية أفعال أتمنى في المستقبل أن نرى أفعال. تعليقكم على تصريحات الساسة في مؤتمر أصدقاء سوريا في اسطنبول؟ أجيب بما ذكرت في السؤال السابق، وأعيد فأقول التصريحات ما أكثرها، المهم هو ما سيحدث لأهلينا الذين يبادون إبادة جماعية في سائر المدن والأحياء، والمشكلة أن شعبنا هو الذي يدفع ثمن تأخر تنفيذ تلك القرارات من دمائه، وفي الوقت الذي يتحدث فيه الساسة في اسطنبول كانت آلة القتل تعمل على أشدها في أحياء حمص وحماه ودرعا وغيرها وسقط قرابة سبعين شهيدًا من بينهم نساء وأطفال، بل وواصلت قوات النظام قصف المدن والبلدات السورية على رأسها ريف دمشق.