مصطفى الفقي: هندسة المشهد السياسي ليست أمرًا سلبيًا وهذا ما فعله مبارك    انتخابات مجلس النواب 2025.. بدء فرز أصوات الناخبين بالفيوم.. صور    البترول تحقق في واقعة سقوط برج أحد أجهزة الحفر بالصحراء الغربية    ضياء السيد: توروب صنع منظومة دفاعية ذكية، والسوبر جاء في وقته للأهلي    الزراعة: السيطرة على حريق محدود ب"مخلفات تقليم الأشجار" في المتحف الزراعي دون خسائر    من هو أحمد تيمور عريس مى عز الدين؟.. صور    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    الأهلي يفوز على سبورتنج في ذهاب نهائي دوري المرتبط للسيدات    مراسل إكسترا نيوز بالبحيرة ل كلمة أخيرة: المرأة تصدرت المشهد الانتخابي    «هيبقى كل حياتك وفجأة هيختفي ويسيبك».. رجل هذا البرج الأكثر تلاعبًا في العلاقات    بالصور.. مي عزالدين تحتفل بزواجها من رجل الأعمال أحمد تيمور    كريم عبدالعزيز يوجّه رسالة مؤثرة لوالده: «اتعلمنا منه الفن»    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    فتح: فرنسا تلعب دورا مهما فى دفع جهود حل شامل للقضية الفلسطينية    هل يشارك الجيش التركي ب«عمليات نوعية» في السودان؟    تقرير لجنة التحقيق في أحداث 7 أكتوبر يؤكد فشل المخابرات العسكرية الإسرائيلية    كريم عبدالعزيز يوجه رسالة لوالده عن جائزة الهرم الذهبي: «علمني الحياة وإن الفن مش هزار»    رئيس العربية للتصنيع: شهادة الآيرس تفتح أبواب التصدير أمام مصنع سيماف    تهديد ترامب بإقامة دعوى قضائية ضد بي بي سي يلقي بالظلال على مستقبلها    هند الضاوي: أبو عمار ترك خيارين للشعب الفلسطيني.. غصن الزيتون أو البندقية    ضبط أخصائي تربيه رياضية ينتحل صفة طبيب لعلاج المرضى ببنى سويف    رئيس مجلس الشيوخ يستقبل رئيس نادي قضاه الأسكندرية    الوطنية للانتخابات": بدء غلق بعض اللجان الفرعية وانطلاق الفرز.. وإصابة موظف بالنيابة الإدارية بإعياء شديد    الجارديان: صلاح خطأ سلوت الأكبر في ليفربول هذا الموسم    استجابة من محافظ القليوبية لتمهيد شارع القسم استعدادًا لتطوير مستشفى النيل    ديشامب يوضح موقفه من الانتقال إلى الدوري السعودي    المخرج عمرو عابدين: الفنان محمد صبحي بخير.. والرئيس السيسي وجّه وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية    الجامعات المصرية تشارك في البطولة العالمية العاشرة للجامعات ببرشلونة    هؤلاء يشاركون أحمد السقا فى فيلم هيروشيما والتصوير قريبا    الصين تحث الاتحاد الأوروبي على توفير بيئة أعمال نزيهة للشركات الصينية    الرئيس السيسي: مصر تؤكد رفضها القاطع للإضرار بمصالحها المائية    إبداعات مصرية تضىء روما    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    انقطاع التيار الكهربائى عن 24 قرية وتوابعها فى 7 مراكز بكفر الشيخ غدا    نقل جثمان نجل مرشح مجلس النواب بدائرة حلايب وشلاتين ونجل شقيقته لمحافظة قنا    الزمالك يشكو زيزو رسميًا للجنة الانضباط بسبب تصرفه في نهائي السوبر    مأساة على الطريق الزراعي.. سيارة تدهس عابر طريق وتودي بحياته في لحظات    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    الفريق ربيع عن استحداث بدائل لقناة السويس: «غير واقعية ومشروعات محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ»    حادث مأساوي في البحر الأحمر يودي بحياة نجل المرشح علي نور وابن شقيقته    توافد الناخبين على لجنة الشهيد إيهاب مرسى بحدائق أكتوبر للإدلاء بأصواتهم    عمرو دياب يطعن على حكم تغريمه 200 جنيه فى واقعة صفع الشاب سعد أسامة    غضب بعد إزالة 100 ألف شجرة من غابات الأمازون لتسهيل حركة ضيوف قمة المناخ    تأجيل محاكمة 8 متهمين بخلية مدينة نصر    الكاف يعلن مواعيد أول مباراتين لبيراميدز في دور المجموعات بدوري أبطال أفريقيا    مراسل "إكسترا نيوز" ينقل كواليس عملية التصويت في محافظة قنا    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. ندوة علمية حول "خطورة الرشوة" بجامعة أسيوط التكنولوجية    بعد قليل.. مؤتمر صحفى لرئيس الوزراء بمقر الحكومة فى العاصمة الإدارية    طقس الخميس سيء جدًا.. أمطار وانخفاض الحرارة وصفر درجات ببعض المناطق    إقبال على اختبارات مسابقة الأزهر لحفظ القرآن فى كفر الشيخ    بعد غياب سنوات طويلة.. توروب يُعيد القوة الفنية للجبهة اليُمنى في الأهلي    وزير الصحة يؤكد على أهمية نقل تكنولوجيا تصنيع هذه الأدوية إلى مصر    بث مباشر | مشاهدة مباراة السعودية ومالي الحاسمة للتأهل في كأس العالم للناشئين 2025    محافظ قنا وفريق البنك الدولي يتفقدون الحرف اليدوية وتكتل الفركة بمدينة نقادة    بنسبة استجابة 100%.. الصحة تعلن استقبال 5064 مكالمة خلال أكتوبر عبر الخط الساخن    إيديتا للصناعات الغذائية تعلن نتائج الفترة المالية المنتهية فى 30 سبتمبر 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر تشريعًا لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ البلاد (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



73 عاما على رحيل "البرقاوي" القائد العام للثورة الفلسطينية
نشر في التغيير يوم 28 - 03 - 2012

تشهد هذه الأيام الذكرى السنوية الثالثة والسبعون لرحيل القائد العام للثورة الفلسطينية عبد الرحيم الحاج محمد البرقاوي، والذي استشهد في التاسع والعشرين من مارس عام 1939.
ويصف كبار السن والرواة في فلسطين أن عبد الرحيم محمد البرقاوي كان يتسم بالحكمة والاعتدال وسعة الصدر وعدم التسرع في الحكم، وابتعد عن التدخل في المسائل الشخصية التافهة، وحصر جهوده في الإخلاص للوطن وعدم الطمع في منصب أو جاه سياسي.
ويشير العارفون وكبار السن في حينه أن عبد الرحيم كان أكثر إخلاصًا من غيره من الثوار، وكان حريصًا على الابتعاد عن قضايا الاغتيال السياسي أو اللصوصية التي شًوه بها بعض الثوار وجه الثورة، حتى وصفها الأعداء والمعارضون بالتمرد والشغب واللصوصية والسلب والنهب.
ويُعد القائد المجاهد عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف البرقاوي - وكنيته أبو كمال - أحد أبرز وجوه الثورة الفلسطينية، حيث كان قائداً عاماً للثورة الفلسطينية، جند في الجيش العثماني وأرسل إلى لبنان حيث تلقى تدريبه العسكري في المدرسة الحربية في بيروت، وتابع قتاله في ظل القيادة العامة الجديدة التي ترأسها فوزي القاوقجي وانتصر في هذه الفترة أيضاً في جميع المعارك التي خاضها، ومن أهمها معركة نابلس في 24 سبتمبر 1939، ومعركة "بلعا" ومعركة "نور شمس" التي حدثت بين المسلحين بقيادة (عبد الرحيم الحاج محمد) والجنود البريطانيين، ومعارك "جبع" و"دير شرف".
حياته وسيرته النضالية:
ولد عبد الرحيم الحاج محمد في قرية ذنابة المجاورة لمدينة طولكرم عام 1892، وهو من عائلة آل سيف ذات النضال العريق، والذين جاءوا من قرية برقة، فأحد أجداده ناضل مع صلاح الدين، وآخر تصدي مع مجموعة منظمة من منطقته لقوات نابليون القادمة لاحتلال مدينة عكا، حيث قبض عليه وتم إعدامه شنقًا، كما وينحدر مجاهدنا من أصول عائلة ماجدة ومالكة ذات أصول طبقية امتلكت المساحات الواسعة من الأرض وامتدت أراضيها من قرية ذنابة شرقًا حتى البحر المتوسط غربًا، ووقفت أكثر من مرة في وجه غزاة فلسطين.
تعلم عبد الرحيم في كُتاب القرية، ثم أنهى صفوف المدرسة الحكومية في طولكرم، وفي شبابه انخرط في سلك الجندية الإجباري، وعاد إلى بلده بعد نهاية الحرب .. وعمل في تجارة الحبوب في العشرينات من القرن العشرين، بعد أن خدم في الجيش التركي في بيروت وطرابلس الشام، وكان ذلك في الحرب العالمية الأولى.
عُرف الثائر الشهيد كتاجر للحبوب، وكان محبوبًا عند جمهرة الفلاحين في قضاء طولكرم، حيث صادقهم وتساهل معهم واستدانوا منه الكثير من المال، ولم تقتصر العلاقة على الفلاحين، بل أن صداقاته الواسعة امتدت لتطال العديد من المدن الفلسطينية القريبة من قريته.
أمسى عبد الرحيم الحاج محمد بعد فترة من العمل التجاري يعاني عجزًا ماليًا، حيث فقد رصيده المالي وأرهقته الضرائب الباهظة، ووضعت السلطات البريطانية يدها على ماله فأعلن عجزه وإفلاسه المالي وباع متجره وكان ذلك قبل انطلاق الثورة بسنوات، وتحول نحو الزراعة، فزرع أرضه في "دبة القراية" على بعد ثلاثة كيلو مترًا غربي طولكرم، وفي هذا المكان زرع البطيخ والترمس وحفر عيون الماء، بالتعاون مع أقربائه وزرع الخضروات بصنوفها المختلفة.
لمحات من مشواره النضالي:
بينما كان يقوم شيخ المجاهدين عز الدين القسام في جامع الاستقلال بمدينة حيفا على توعية الناس ونشر فكرة النضال المسلح للوقوف في وجه الخطر الصهيوني في فلسطين، كان البطل عبد الرحيم الحاج محمد يقوم بدعوى مماثلة في منطقة طولكرم، وقد لقيت دعوته نجاحًا بين صفوف الفلاحين، وكذلك سكان المدن الذين أحبوه، وأخذ يجمع التبرعات لشراء الأسلحة ويقوم بتدريبات سرية لبعض أصدقائه في المناطق الشرقية من ذنابة، مستغلاً خبرته العسكرية السابقة إبان خدمته في الجيش التركي.
ويذكر داود الحسيني في مذكراته، أن عبد الرحيم التقى به في مقهى المغربي بيافا حيث يجلس داود وإخوانه وهو يتباحث مع إخوانه فيما وصلت إليه أحوال فلسطين، ووصفه بأنه طويل القامة يلبس الكوفية والعقال والقنباز، "وقد جلس معنا وأظهر لنا استعداده للعمل الجدي في الجبال، وذلك عن طريق تأليف فرق من الشباب النشيط لمهاجمة البريطانيين بالسلاح، وقد استمر النقاش ساعة بعد أن انسحب اثنين من الحاضرين أظهرا عدم رغبتهم في حمل السلاح" .. وتمخض الاجتماع على ما يلي:
"يعود عبد الرحيم إلى منطقته لتأليف الشباب في فرق وإشعال نار الثورة فيها.. ويقوم داود الحسيني بجمع المال والإعانات لمساعدة الثوار الفلسطينيين، وشراء السلاح والعتاد وإرساله للمجاهد عبد الرحيم وإخوانه، وقد نجح داود وصديقه في جمع 250 جنيهًا، وأرسل له حوالي عشرين بندقية مع عتاد وعدد من المسدسات وصندوق أصابع ديناميت، وهكذا انطلق بأعماله الثورية، وتلا ذلك اتصال داود وصديقه بعارف عبد الرزاق"، ويؤكد الأستاذ سميح حمودة، على أن الثورة بدأت في هذه المنطقة وليس صحيحًا ما ذهب إليه إميل الغوري في أن الثورة بدأها رجال الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، وأن عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرزاق كانا عضوين في هذا التنظيم".
التقى بالمفتي وطلب تقديم السلاح من أجل القيام بالأعمال الثورية في جبال نابلس.
ولقد أعد عبد الرحيم هذه المجموعة للقيام بأعمال اغتيال ضد جنود العدو وضباطه، وضرب المستعمرات اليهودية القريبة من طولكرم وجنين، كما نشط في إتلاف محاصيلهم الزراعية وبياراتهم وقد أطلق على منطقة نابلس وجنين وطولكرم "مثلث الرعب" وذلك لشدة الهلع والذعر الذي أصاب الجنود البريطانيين واليهود في تلك المنطقة.
ومع استشهاد القائد عز الدين القسام في العشرين من شهر نوفمبر عام 1935، بات عرب فلسطين مقتنعين بضرورة رفع راية الكفاح الشعبي المسلح، وكان أحد أبرز هؤلاء عبد الرحيم الحاج محمد وقد تعزز ذلك إبان الإضراب الكبير، وما تلاه من خروج للثوار لأعالي الجبال.
بعد أن نجحت الجماهير الفلسطينية في تحقيق الإضراب الشامل خاصة في المدن، أخذت تتحول نحو شكل آخر من النضال يتمثل في الكفاح المسلح وركوب أعالي الجبال، وفي هذه الفترة الممتدة بين 15 أبريل 1936 والأول من سبتمبر 1936 حيث حضر إلى فلسطين البطل المجاهد القومي فوزي القاوقجي، جاءت الترتيبات للعمل على انخراط أبناء الريف في هذه المنطقة مع الثورة وقادتها، وليشكلوا رديفًا لها ومنها قرية بلعا، وكفر اللبد وارتاح وكفر صور وبيت إمرين ودير الغصون.
وعن هذه الترتيبات التي تمت بين الفلسطينيين والمتطوعين العرب، وكان ملخصها حسبما يذكر سميح حمودة ما يلي:
"تقسيم شباب القرى إلى قسمين أحدهما للجهاد والثاني للاحتياط، وتبادل الأدوار مع مراعاة أن تفرض الأسلحة على القرية بنسبة عدد رجالها، ويعمل الاحتياط في حراسة الثوار عندما يمرون في قراهم، كما أن القرى تجمع مالاً لذوي الشهداء، ويقوم داود الحسيني بجمع العتاد والسلاح والمعلومات عن حركات الجيش البريطاني والبوليس".
قام عبد الرحيم الحاج محمد ومعه الثوار المغاوير أمثال: عبد الرحمن زيدان، وسعيد بيت إيبا، وعبد الحميد مرداوي، بأكثر من هجوم على القوافل والسيارات اليهودية والقوات البريطانية بعد أن توفرت لديهم كميات من البنادق الألمانية والفرنسية والتركية، والذخائر المختلفة التي كانوا يشترونها من سوريا ولبنان مقابل أسعار خيالية.
كانت قرية "ذنابة" مسرحًا لأول عملية ثورية قادها البطل عبد الرحيم الحاج محمد، فقد انطلقت أول طلقة من "جبل السيد" في ذنابة مع أوائل صيف عام 1936، ويطل هذا الجبل على الطريق الواصل بين طولكرم ونابلس والذي تعبره القوافل البريطانية واليهودية، نهارًا وليلاً، كما نشط الثوار بغاراتهم المتكررة على سجن نور شمس حيث وضعت قوات الاحتلال الإنجليزي المناضلون والمواطنون العرب رهن الاعتقال، وقد ساعد عبد الرحيم الحاج محمد في القيادة والتنفيذ كل من الأبطال كامل الحطاب والبطل سليمان أبو خليفة، والبطل إبراهيم العموري، عبد اللطيف أبو جاموس وغيرهم.
كما شاركت بعض فصائل عبد الرحيم في معركة "جبع" التي خطط لها فوزي القاوقجي، وكذلك معركة بيت إمرين ومعركة كفر صور.. ولقد عبرت الجماهير الشعبية عن حماستها للثورة ودور أبطال هذه المعركة، وأنشدت أبياتاً غنائيةً التي أصبحت جزءًا من تراثنا الشعبي ومنها البيت التالي:
بين بلعا والمنطار صار إشي عمره ما صار .. وبين بلعا والليلة والبارود يدوي دية
عودة القائد عبد الرحيم إلى فلسطين:
توجه عبد الرحيم الحاج محمد يوم 23 نوفمبر 1936 إلى دمشق خشية الوقوع في أيدي القوات البريطانية، التي أعلنت عن تقديم مكافأة كبيرة لمن يقبض عليه وعلى مجموعة من قادة الفصائل الفلسطينية، ولم يكن عبد الرحيم على ثقة بصدق نوايا بريطانيا وجهودها، ولهذا أقام صلات مع الحركة الوطنية السورية واللبنانية، واتخذ من قرية قرنايل اللبنانية ومن صديقه نايف هلال وشبابًا آخرين منطلقًا لإرسال السلاح بانتظار ساعة العودة، وشرع في التحضير لجمع السلاح والمعونات المالية حيث عاد إلى فلسطين في الفترة الواقعة بين أبريل ومايو 1937 حسبما يذكر نمر سرحان وزميله مصطفى كبها، في حين جاء في منشور في ذكرى وفاة القائد والمجاهد الكبير أن قضى عامًا في سوريا، وقد أوكل للقادة إبراهيم العموري، وإبراهيم نصار وسليمان أبو خليفة، أمور نصب الكمائن وزرع الألغام على الطريق الرئيسية وسكك الحديد لعرقلة حركات الجيش البريطاني وتقييدها، كما أن الثورة تفجرت من جديد بعد فشل جهود لجنة بيل وانحيازها الكامل للبريطانيين واليهود.
وأنشأ عبد الرحيم المحاكم الثورية للشعب بدل المحاكم الإنجليزية، وعين لها قضاة كان أشهرهم بشير إبراهيم من قرية زيتا، طولكرم. وكان عبد الرحيم يرى أن الاغتيالات السياسية شيء يبعث الفساد في البلاد، ويسيء إلى أهداف الثورة المقدسة، وجدنا عبد الرحيم يشن حربه الشعواء على الذين جمعوا المال، وبأختام مزورة، وباسم الثورة، ويشهد عدد من الكتاب اليهود والأجانب على نظافة يده وتواضعه، وأنه أفضل نموذج من بين قادة فصائل الثورة حتى كانوا منحازين للفكر الصهيوني لم يجدوا شيء يشوهون به الثائر غير القول أنه أفلس في تجارته وصار مطلوبًا للحكومة البريطانية، ولم يجد غير اللجوء للثورة للتخلص من إفلاسه وسجنه، مع أنها كانت واحدة من الأكاذيب والدعايات الملفقة.
ومع أن عبد الرحيم بقي يعاني من ديونه بالأموال طيلة سنوات الثورة، وحتى مماته بسبب خسارته في تجارته، إلا أنه رفض رفضًا قاطعًا أن يتقاضى مليمًا واحدًا لإعالة أولاده على حساب الثورة، أو سداد دينه على نفقة الثورة، بل باع أرضه لسداد ديونه وكانت تعيل أسرته من قبل أخوته وشقيقاته، لا على حساب الثورة وظل أبو كمال أرملاً إلى ساعة استشهاده.
أثر استشهاده في نفوس أبناء فلسطين:
قصته في (صانور) أنه وبعدما ضاق الجيش الإنجليزي وقادته ذرعًا بالثوار وعرضوا الجوائز لمن يشي بالقائد عبد الرحيم والثوار -وكان القائد المطلوب رقم واحد للإنجليز والإسرائيليين- قرروا نصب كمين له، وتبدأ القصة أن كبار القرية قد علموا أن الثوار وتحت قيادته قد اتجهوا إلى القرية وما أن وصلوا إلى القرية ومضوا ليلتهم حتى علم الانتداب الإنجليزي وتحركوا إلى القرية، وعلم أهل القرية فاقترح حسن الغلبان وكان أهلاً للثقة في القرية وكان يملك بيت في القرية وداخل البيت يوجد مغارة، فقام بتخبئتهم في تلك المغارة وكانت كبيره فاختبأ كل الثوار ماعدا القائد.
وهنا جاءت مقولته المشهورة في صانور (أأكون قائداً وجباناً) وحاول حسن الغلبان أن يقنعه دون نتيجة وبقي معه بدفن مدخل المغارة بالتراب، وجعل الماشية والأطفال الصغار يتغوطون على المدخل المغطى بالتراب، فكان المنظر وكأنه مكان للماشية وكان حسن الغلبان يرتعد خوفًا على مصير الثوار ولم يأبه لنفسه أو عائلته، لأن العرف في ذلك الوقت أن الإنجليز يهدمون البيوت ويعدموا من يأوي ثواراً، وجاء الجيش الإنجليزي فخاف القائد عبد الرحيم على القرية لأنه يعلم مدى الدمار الذي يحدثه الإنجليز عندما يبحثون عن الثوار، فنزل إلى مرج صانور الشهير، ولكن رغمًا من ذلك بحث الإنجليز في معظم بيوت القرية وجاؤوا لبيت حسن ونبشوا الأرض في البيت وخارجه وكان حسن يرتجف من خوفه على الثوار.
ومن ثم بدأ القائد عبد الرحيم ومن مسافة 100 إلى 200 متر تقريبًا من مرج صانور أسفل القرية الموجودة على تله، بدأ بلفت أنظار الجيش الإنجليزي ليبتعدوا عن القرية فتوجه إليه الجيش وبدؤوا إطلاق النار عليه من القرية، وهناك في طرف المرج أسفل القرية كان لها شرف قتل القائد عبد الرحيم، فقام حسن الغلبان بدفنه في حاكورة بيته حتى لا يعلم أحد بمكان دفنه، وبعد فترة وجيزة يقال أنها تقريبًا شهر وقيل أنهم عندما أخرجوه من القبر كان ما زال الجسد على حاله ودون تغير، أخذه بعض من رفاقه وأهل قريته ذنابة، وهناك مدرسة باسمه حاليًا في مدينة طولكرم في قرية ذنابة (مسقط رأسه) على وجه الخصوص، ولا زالت بعض أغراضه الشخصية موجودة في القرية، وكان لقتله الأثر الكبير في الثورة والفلسطينيين.
ترك الثائر الشهيد وراءه أربعة أبناء وهم: كمال وجواد وعبد الكريم وجودت، وكان أرملاً منذ عام 1934، ولم يتزوج بعد وفاة زوجته.
كان نبأ استشهاده علامة حزن كبرى في فلسطين.. أضربت البلاد وأغلقت الحوانيت، وتوقفت حركة السير وصدرت الصحف مجللة بالسواد، مما دفع السلطات لإعلان تحذيري في يوم 29 مارس 1939، وتحدى الناس وأعلنت حالة الطوارئ في يافا.
أشادت الصحف الفلسطينية بمناقب الشهيد، وأعلنت مختلف الجاليات والطائفة الأرثوذكسية حدادها، وبدت غزة حزينة، وشاركت الجاليات الأجنبية الألمانية واليونانية وأعلنت حدادها، واهتزت طولكرم للنبأ العظيم وأضربت إضرابًا شاملاً، وظهر الوجوم على محياهم.
ويذكر أن السلطة لقبت الشهيد بالزعيم المعروف، وأن قائدًا في الجيش البريطاني وقف أمام جثمانه الطاهر مع قسم من جنوده وأدوا التحية العسكرية له.
ومما كتب على قبره:
يا زائرًا لأبي كمال في الثرى عبد الرحيم ضحية الأوطان
أدع الإله له بقلب مخلص واقرأ له ما شئت من قرآن
مات عبد الرحيم وبقيت ذكراه راسخة في التاريخ الفلسطيني، كرمز كفاحي مقاوم وشريف، جمع بين الدين والوطنية والقومية وكان درسًا في الأخلاق وعنوانًا للوطنية الصادقة، التي لا تشوبها شوائب.. رحم الله الشهيد وأسكنه فسيح جنانه وإنا لله وإنا إليه راجعون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.