في الحلقة الثانية لاستعراض الأوراق التي قدمت بورشة عمل " برلمان ما بعد الثورة و التحديات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية" والتي أقيمت بمنتدى البدائل العربي للدراسات يوم الأربعاء الماضي 21 مارس 2012، الندوة ناقشت أهم الإشكاليات الجوهرية والتحديات التي تواجه عملية التحول الديموقراطي في مصر. ناقش الباحث والمفكر المصري سمير مرقس، مدير مؤسسة المصري للمواطنة ونائب محافظة القاهرة، في ورقته والتي حملت عنوان " حرية بناء دور العبادة" إشكاليات بناء دور العبادة في مصر ما بعد الثورة. تحدث مرقس عن أنه قبل التطرق للقوانين والمواد الدستورية الواجب مراعاتها في دستور مصر المقبل الذي سيحدد إطار "بناء حرية دور العبادة في مصر"، لابد من استيعاب الوضع التاريخي حول مسألة بناء الكنائس قبل دخول الإسلام، وبعد دخوله في فترة الدولة الإسلامية، والدولة الحديثة حتى الآن. في البدء ومع دخول المسيحية لمصر، وانضمام المصريين للإيمان الوافد، كان بناء الكنائس جزءاً من معركة المصريين؛ لإن الحاكم حينها(الرومان) ظل لفترة طويلة غير مسيحي وغير مؤمن بدين الشعب المصري، وحتى عند تحول "الرومان" للمسيحية لم تحل مشكلة بناء الكنائس نتيجة للصراع السياسي حينها، لكن في النهاية كان بناء الكنائس يتم بحكم الأمر الواقع. بعد دخول الإسلام وحتى عام 1805 أي بدء ظهور الدولة الحديثة على يد محمد علي باشا، كان بناء الكنائس مرتبطاً باللحظة التاريخية، وبحسب استبداد الحاكم من عدمه، وتدهور الدولة وانحطاطها والتي كانت تنعكس بشكل رئيس على هذه المسألة، فيحكي مرقس عن إثنين من الولاة حكما مصر في عصر هارون الرشيد، أحدهما وهو ( علي بن سليمان) أمر بهدم الكنائس، والثاني وهو ( موسى بن عيسى) أمر ببناءها والاعتناء بها. فتوى الليث بن سعد يتحدث مرقس عن أن بناء الكنائس كان يعتبر حقاً قانونيا لمسيحيي مصر، ولم يؤخذ على الإطلاق بأنه حق ضد الشريعة، بل كان دائما بناء الكنائس يسير وفقا لفتوى الليث بن سعد—أحد أهم وأشهر فقهاء الدولة المصرية وأستاذ الشافعي الشهير—الذي كان أفتى بأن "بناء الكنائس من عمارة الأرض وزينتها"، والتي سادت بشكل كبير في فترات العدل والقوة. ثم جاءت الدولة الحديثة على يد محمد علي، وحينها كانت فكرة "المؤسسية" هي المسيطرة على شكل الدولة الجديد، فنشأت مؤسسات الدولة ما بين جيش ومدارس وغيرها، ورغم أن مصر حينها كانت تتبع الدولة العثمانية من الناحية الرسمية، إلا أنها كانت تحظي بوضع متميز نسبيا فكان بناء الكنائس مرتبط بالسياق السياسي المصري. مرقس يتحدث عن ظرف خاص، وهو إصدار ما يعرف ب"الخط الهمايوني" عام 1856، ومرقس يؤكد هنا أن كل الجدل الذي يثار حول هذا "الخط العثماني" الذي يشير مرقس أنه لا يرقى لمرتبة "الفرمان" أي القانون، وبالتالي ليس له إطار تشريعي ملزم، بل كان أقرب ل" رسالة رعوية" بدليل عدم إصداره في مجلة "الوقائع المصرية" ، أو خروجه في شكل رسمي. ظل بناء الكنائس كما يقول مرقس مفتوحاً حتى دستور 23 بعد ثورة 1919، والذي كرس لفكرة " حرية الاعتقاد المطلقة، وإباحة ممارسة الشعائر الدينية على ألا يخل ذلك بالنظام العام"، وكانت هذه أول نقطة انطلاق دستورية لا تتعارض مع الفقه والتراث والخبرة المصرية.ثم جاء دستور 71 والذي عمل على إعادة صياغة دستورية للمادة 12 و13 في دستور 23 بدون شروط، حينما كفل حرية ممارسة الشعائر الدينية المطلقة بلا أية قيود. عصر السادات ثم جاءت فترة الرئيس السادات وأعقبها أحداث"الخانكة" الطائفية عام 1972، بعدها مباشرة تم تفعيل قانون سمي حينها بقانون العطيفي، والذي نص على أن تقدم الكنيسة الأرثوذكسية رقما معين يراد بناءه، والإدارة المحلية تصدر أمراً بجواز البناء أو لا، وصار بناء الكنائس يصدر وفقا لقانون 15 لسنة 1927 والخاص بتنظيم السلطة بالمسائل الخاصة بالأديان المسموح بها فى البلاد، وهو قانون ليس له علاقة ببناء الكنائس. النقطة الأخيرة التي تحدث عنها مرقس هي أن بناء الكنائس يخضع أحيانا لقانون المباني، والاشتراطات الهندسة المدنية، وهو قانون يحتاج وفقا لمرقس، إلى "تعديل وتحديث لإنه لا يلائم الفترة الحالية بالمرة". أخيراً، يتحدث مرقس عن أن قانون بناء الكنائس لابد أن يكون قانون حداثي يتفق مع الدستور، والمسار التاريخي للدولة المصرية، والقاعدة الفقهية الواسعة للإمام الليث بن سعد التي شملت الواقع السياسي والاجتماعي طوال تاريخ الدولة المصرية بعد دخول الإسلام إليها. إصلاح جهاز الشرطة: كيف ولماذا؟ فيما كانت الورقة الثالثة للحلقة النقاشية عن إصلاح جهاز الشرطة والتي قدمتها الباحثة رابحة علام، الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث أشارت رابحة إلى أهمية "الإصلاح التدريجي" لوزارة الداخلية، معتبرة أن عملية إصلاح الشرطة لابد أن تكون ممتدة وتدريجية وعلى عدة مستويات، فهناك دول اختارت أن تسّرح كل العاملين بالجهاز الأمني فيها دفعة واحدة، وتوظيف عاملين جدد كي تضمن ولائهم للعقيدة الجديدة للشرطة. غير أن التكلفة الاجتماعية العالية لهذا القرار يجعل تطبيقه مستحيلا في مصر، خاصة أن العدالة الاجتماعية كانت في القلب من أهداف الثورة تماما كما كان مطلب الكرامة. ولذا فلابد من التدرج في عملية الإصلاح ومساعدة عناصر الشرطة على الاندماج في العقيدة الجديدة للشرطة من خلال التعلم والتدريب وربط ذلك بنظام الحوافز والجزاءات المادية والمعنوية. رابحة تحدثت عن أهمية عمل رصد لوضع وتقييم للعاملين بالشرطة وتقسيمهم الي ثلاثة فئات: الفئة الأولي هى فئة المتشبثين بالعقيدة القديمة والمعرقلين للتغيير؛ وهم عادة من الرتب الكبيرة قليلة العدد. وهم يمكن تسريحهم على الفور وتسوية معاشاتهم بشكل لائق لمراعاة علاقاتهم الوثيقة داخل الجهاز فقد يكون لهم أقارب أو تلاميذ لايزالون بالخدمة. أما الفئة الثانية فهم صغارالضباط ذوي القابلية للتعلم والتطور وذوي الطموح للارتقاء في السلم الوظيفي وفق نظام للحوافز يشجع على الاندماج في العقيدة الجديدة. ولذا يجب تدريبهم وتطوير قدراتهم وتأهيلهم لاستلام المهام التنفيذية القيادية بالشرطة. وذلك بشرط عدم تورطهم في انتهاكات سابقة لحقوق الإنسان وإلا تم تصنيفهم ضمن الفئة الأولى مع الحرص على محاكمتهم إذا توافرت الأدلة المادية المؤكدة لهذه الانتهاكات. أما الفئة الثالثة فهي غير موجودة أصلا ولذا وجب توظيفها على وجه السرعة وهم المدنيون أصحاب التخصص في القانون وحقوق الانسان، وتعهد إليهم مهمة رسم السياسة العامة للشرطة، وتدريب العاملين بها على العقيدة الجديدة التي تحترم حقوق المواطن وحرياته. تغيير ثقافة الشرطة وإعادة هيكلتها: ترى الباحثة أن الشرطة تحتاج لصياغة عقيدة جديدة تقوم على احترام الدستور والقانون وحقوق الانسان والحريات العامة، بالتوازي مع الالتزام المهني بالعمل الشرطي المحترف وفق المعايير العالمية. فلابد من إعطاء الأولوية لمفهوم الأمن الإنساني المنصب على حماية أرواح البشر كآدميين مستحقين للحماية، وليس فقط حماية أمن الدولة ذات السيادة. وترسيخ مبدأ أن الشرطة هي جهاز لحفظ الأمن الداخلي للدولة وليست أداة بيد الحكومة أو الحزب الحاكم لإدارة خصوماته مع الأحزاب المعارضة الأخرى، وبالتالي فالشرطة لابد أن تكون ككافة أجهزة الدولة الأخرى مؤسسة مهنية بمنأى عن التوظيف السياسي والحزبي. أكدت رايحة أيضا على أن الشرطة بحق وكما يصفها القانون هيئة مدنية نظامية. وهنا يجب التخلص من التراتبية العسكرية داخل الشرطة وتوجيه الجهد الشرطي نحو مفهوم الأمن كخدمة عامة للمواطنين. كما يجب إعادة النظر في عدد من قطاعات الشرطة التي تقوم على فكرة العسكرة وأبرزها قوات الأمن المركزي التي يمكن إعادة تأهيل وتدريب أفرادها للقيام بمهام أمنية على أساس مهني ووظيفي وليس على أساس التجنيد الاجباري. ويمكن تفكيك هذه القوات إلى دوريات متنقلة لحفظ الأمن في مختلف المناطق بدلا من تكدسها بكم كبيروكيف متدني. وفي كل الأحوال قوات مكافحة الشغب ضرورية في أجهزة الشرطة حول العالم، ولكن لابد من خفض عددها والاهتمام بنوعيتها وتدريبها على عدة وسائل للتعامل مع حالات الشغب دون انتهاك الحقوق الاساسية للمواطنين. الحلقة الأولى لتغطية الورشة