رغم قسوة الضربة التي وجهت إلى كرامتنا الوطنية، ورغم عمق التبعية الذى انكشفت للجميع، ورغم درجة الخضوع التي ظهر بها المجلس العسكري، إلا أنه رُبَّ ضارة نافعة. فردود الفعل الشعبية والسياسية كشفت عن موقف وطني واحد للجميع على اختلاف تياراتهم وانتماءاتهم. وهو ما يطرح إمكانية الانطلاق من هذا الموقف في اتجاه لمّ الشمل وإعادة التوحد حول مشروع وطني شعبي في مواجهة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الخارج ورجالها ونظام حكمهم في الداخل. لقد انتصرنا في 11 فبراير 2011 بسبب وحدتنا ووضوح رؤيتنا. لكننا انقسمنا بعد ذلك حتى كاد النظام أن يعصف بثورتنا. انقسمنا على قضايا فرعية بعيدا عن القضية الرئيسة التي تستحق كل جهودنا وثورتنا ودماء شهدائنا وهي تحرير مصر من النظام الأمريكي الحاكم بعناصره الخمسة: 1) سيطرة أمريكية كاملة على الاقتصاد المصري. 2) احتكار وسيطرة أمريكية كاملة على التسليح المصري. 3) تبعية مصرية كاملة للولايات المتحدة في السياسات العربية والإقليمية والدولية. 4) قوات أمريكية في سيناء لحماية إسرائيل مع تجريد سيناء من القوات المصرية. 5) طبقة حليفة للعدو الأمريكي من رجال النظام والدولة ورجال الأعمال، تستأثر بكل الثروات والسلطات، وتعمل الآن على إجهاض الثورة وتفريغها من مضامينها الوطنية والاجتماعية. إن هذه الدعوة للمراجعة والتصحيح والوحدة موجهة إلى كل واحد منا: إلى الذين اكتفوا بالتركيز منذ اللحظة الاولى على الإصلاح السياسي والدستوري فقط، ولم يروا في نظام مبارك سوى الفساد والاستبداد ولم يروا تبعيته الكاملة للولايات المتحدة. والذين قرروا اتقاء شر الأمريكان وغضبهم، وخافوا من الفيتو الأمريكي على نتائج الانتخابات، وأرسلوا تطمينات للأمريكان بالتزامهم بكافة السياسات الرئيسة لنظام مبارك تجاه إسرائيل وأمريكا. والذين اكتفوا فقط بالتركيز على العدالة الاجتماعية دون ربطها بهدف الاستقلال الوطني. والذين اكتفوا في نقدهم للمجلس العسكري بالانتهاكات الحقوقية دون التعرض إلى عمق التبعية العسكرية للأمريكان في المعونة والتسليح والتدريب. والذين عزفوا عن التصدى للأمريكان في الأزمة الأخيرة بحجة أنها تمثيلية، ولم يعد لهم عذر الآن بعد أن ظهر أن الأمريكان والمجلس العسكري يقفون في سلة واحدة. والذين تورطوا وشاركوا بوعي أو بدون وعي في الصراع حول معارك وهمية مثل ليبرالي/إسلامى، إخواني/ سلفي، برلمان/ميدان، إلخ.. وأخيرا إلى كل المواطنين البسطاء الذين رفضوا التدخل والضغوط الأمريكية منذ اللحظة الأولى، فخذلهم المجلس العسكري وحكومته. كل هؤلاء خرجوا في لحظة توحد نادرة يعلنون غضبهم على الأمريكان وعلى المجلس العسكري وعلى انتهاك القضاء وعلى كل الذين شاركوا في هدر الكرامة المصرية في الطريق العام. وهو ما يثبت بانه في وقت الجد ينتصر دائما وجهنا الوطني ايا كانت تنوعاتنا السياسية والفكرية. على كل هؤلاء أن يعملوا معا من أجل تحويل هذه اللحظة النادرة المؤقتة إلى حالة مستمرة، نتوحد فيها جميعا على مشروع تحرري ديمقراطي، يضع هدف استقلال مصر على رأس أولوياته.