صدر مؤخرًا عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، دراسة حول برنامج الشرق الأوسط، رصد فيه تبعات التغيير في مصر على الصعيد الداخلي إضافة إلى الأبعاد الإقليمية والدولية نظرا للمكانة الجيوستراتيجية التي تحتلها مصر في المنطقة. وفي السياق نشر مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية تقريرا بحثيا بعنوان: التحول في مصر .. رؤى وخيارات للسياسة الأمريكية، ويمثل التقرير خلاصة مجموعة من ورش العمل التي عقدت بالمركز في خريف 2011 شارك فيها 15 من أهم الخبراء في الشأن المصري، لمناقشة التحول في مصر والفرص المتاحة أمام الولاياتالأمريكية لتقوم بدور فعال في مصر وقد عرض التقرير على الهيئة الاستشارية للمركز، وأقروا توصيات الخبراء المشاركين في سلسة ورش العمل التي عُقدت بالمركز. ويعتبر مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية من أهم مراكز الأبحاث الأمريكية ويتمتع بمنزلة عالية في الوسط السياسي والأكاديمي وأسس المركز في ذروة الحرب الباردة في 1992 م على يد ديفيد ابشير، والأميرال ارليج بيرك في واشنطن. ووقع التقرير في 12 صفحة احتوت على إطار عام وأربع محاور رئيسة عن السياسة المصرية الداخلية والسياسة الإقليمية والعلاقات مع المؤسسة العسكرية والقضايا الاقتصادية وفي كل محور يعرض خلاصات المناقشات والدور المنوط بالولاياتالمتحدة وفي آخر التقرير جملة من التوصيات للإدارة الأمريكية، وفيما يلي ترجمة "المركز العربي للدراسات الإنسانية" للتقرير . الإطار العام اتسعت الفجوة بين الواقع المعاش و توقعات الشعب المصري لحقبة ما بعد مبارك بعدما بددت القيادة المصرية للمرحلة الانتقالية كل التوقعات بتحول سريع وكامل من الاستبداد إلى الديمقراطية تلك القيادة المتمثلة في : المؤسسة العسكرية المغرقة في المحافظة مع النشطاء الذين كانوا في قلب ميدان التحرير منذ عام وللمفارقة هم غير فاعلين سياسيا بدرجة مؤثرة أما الطرف الثالث في القيادة يتمثل في حركات الإسلام السياسي والتي يثير صعودها أسئلة أكثر ما يعطي أجوبة حيث أن تلك القوى لا تعبر عن مفهوم واحد للإسلام وتشارك في السلطة وتمارسها لأول مرة ومن ثم من المحتمل أن تقع تناوشات بين الأحزاب الإسلامية فيما بينها وكذلك في قلب الحزب الواحد في سبيل التعبير عن الفكرة الإسلامية . ومن جانب الولاياتالمتحدة فإنها تملك ثمة دور لتلعبه في عملية التحول التي تمر بها مصر ولكن هذا الدور محدود؛ وذلك لكون الشعب المصري يتهم الولاياتالمتحدة بمساندة النظام السابق بالرغم من كون الرئيس أوباما قد حث مبارك على التنحي في 2/2011 هذا وقت تخطت شعبية الولاياتالمتحدة في مصر أدنى مستوياتها في ظل إدارة بوش لترتفع مع إدارة أوباما ولكنها ظلت تحت 20% ! هذا على المستوى الشعبي أما العلاقات الأكثر ديمومة للولايات المتحدة فهي مع المؤسسة العسكرية ولكن ليس كل شيئا ورديا هنا أيضا ! ؛ فعلى مر ثلاث عقود من المساعدات العسكرية لمصر لم تكن مقدرة بدرجة كافية من كلا الجانبين حتى أن الضباط الأمريكيين الذين خدموا في مصر يصفون علاقتهم مع قرنائهم المصريين بأنها رسمية وتفتقر إلى الدفء والثقة بخلاف العلاقة مع نظرائهم في المنطقة . وفي الراهن تبدوا علاقة أمريكا مع المؤسسة العسكرية المصرية آخذه في الانهيار وبالنسبة للقيادة المدنية الحالية والساسة القادمون يبدو أنهم عازمون على تقليص العلاقات مع الولاياتالمتحدة . وعلاوة على ذلك تأتي عملية التحول في مصر في وقت تعاني فيه الميزانية الأمريكية من قيود كثيرة ويشوب التوتر العلاقة بين البيت الأبيض والكونجرس بهذا الخصوص وأيضا تأتي في وسط عام الانتخابات الأمريكية بما يمثله من حالة عدم يقين تجعل من وضع إستراتيجية أمريكية للعلاقة مع مصر تكون قابلة للتنفيذ وتحظى بالقبول لدى المصريين أمر بعيد المنال ومن أجل تحليل دور الولاياتالمتحدة في مصر ما بعد مبارك أستدعى مركز الدراسات الدولية والإستراتجية 15 من أهم الخبراء في الشأن المصري لمناقشة التحول في مصر والفرص المتاحة أمام الولاياتالمتحدة لتقوم بدور فعال هناك واتفق الخبراء على أنه : لكي تكون إستراتيجية الولاياتالمتحدة فعالة يجب أن تكون رمزية حتى لا تظهر بصورة فيها تبعية من مصر لها و كذلك يجب أن تستهدف تحفيز مزيد من التغيير في مصر ، ويحث هذا التقرير على : أخذ وجهة نظر أكثر بعدا عن التطورات في مصر ويحذر من : الاندفاع في فرض إملاءات على الإدارة المصرية . وكذلك يدعو للاستثمار في : العملية الديمقراطية والمؤسسة العسكرية والتجارة والتدريب والتعليم . أولا - السياسات المصرية الداخلية 1-ملاحظات: أ- المجلس العسكري بصدد تسليم السلطة لحكومة منتخبة في نهاية يونيو . وبالنسبة لانتخابات الرئاسة فالجدول الزمني غير واضح بعد وكذلك بالنسبة لعملية اختيار جمعية مكونة من 100عضو لصياغة الدستور أو الاستفتاء العام عليه ب- النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية لم تعلن بعد ولكن الأحزاب الإسلامية تدعي أنها حصلت على ثلثي المقاعد وبحسب لجنة القضائية العليا للانتخابات فإن نسبة المشاركة للمرحلة الثالثة كانت 62% 2-الخلاصات: 1- توافق الخبراء على كون عملية التغيير في مصر لم تحصل نتيجة وصول البلاد لنقطة اللاعودة ولكن كانت أجواء السياسة المصرية ساخنة بسبب التزوير الملحوظ للانتخابات البرلمانية في نوفمبر 2010 وكذلك بسبب الدفع بجمال مبارك إلى الواجهة السياسية كوريث للرئاسة بصورة فجة أثار حفيظة الكثيرين ومع ذلك يبقى السبب المباشر لبدء عملية التحول في مصر هو : التأثير الذي أحدثته عملية التغيير في الحكومة التونسية والرحيل الدرامي لزين العابدين بن علي والتي وسعت من تصور المصرين للتغيير المحتمل من الثورة. 2- ستظل السياسات المصرية غير مستقرة لفترة أطول مما يتوقع أغلب المراقبين وذلك لعدة أسباب: -خارطة العملية الانتخابية التي ستمتد لتشغل عام بأكمله تؤكد على أن السياسات ستظل في عملية تغيير مستمر. -صناعة السياسات في حقبة ما بعد مبارك ستكون موزعة بين الحكومة ومؤسسات الدولة ولا ندري لمن ستكون الغلبة في صناعة القرار ويزداد الأمر صعوبة بوجود حزمة من القضايا الرئيسة ينبغي أن تحسم من قبيل : سلطات الرئيس وصلاحياته و سلطة المؤسسة العسكرية الباقية بعد تسليم السلطة وكذلك قضايا الحريات المختلفة كحرية الصحافة والتجمع والتعبير عن الرأي ولكن ينبغي التنبيه على أنه : بعض المعارك الساخنة التي ستدور حول الدستور ستكون معارك رمزية بين القوى السياسية لإظهار الاستعلاء والنفوذ ولكنها ليست ذات بال على أرض الواقع. 3- هناك احتمال لصعود لاعب جديد للساحة السياسي وهو " الأزهر " تلك المؤسسة الدينية العتيقة والتي قام جمال عبد الناصر بترويضها في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم لتصبح لعقود بمثابة خادم لمؤسسة الرئاسة المصرية أما الآن فالأزهر يظهر كفاعل سياسي بحد ذاته وكحكم بين الجماعات الوطنية المتباينة فيما بينها وإذا كانت الانتخابات قد أظهرت شعبية طيف واسع من القوى الإسلامية الفاعلة سياسيا فإن الأزهر يمكنه أن يلعب دور وساطة بين القوى الإسلامية التي ستختلف فيما بينها من ناحية وبين القوى الإسلامية والدولة من ناحية أخرى. 4- هناك حالة شديدة من الاستياء لدى بعض المراقبين في الخارج من الحالة التي وصل إليها الشباب الثوري والذي كان في قلب الجمهور الساعي لإسقاط مبارك منذ عام حيث يبدو لا سبيل أمامه للمشاركة في عملية صناعة السياسات المصرية وذلك إما لكونه غير مهتم بالسياسة أو لكونه لا يحسنها أصلا يتمظهر ذلك في التهميش المتزايد لهم في المناقشات الدائرة حول السلطة والنفوذ في مصر و بالرغم من كون صوتهم مسموع بقوة خارج مصر لكون الكثير منهم يتحدث أكثر من لغة وعلماني وله جمهور واسع في العالم يتم تهميشهم بطريقة ممنهجة في عملية صنع السياسات المصرية مما قد يعطى صورة سلبية عن مصر في الخارج. 5- ليس هناك منطق واضح عن طبيعية الانقسامات في السياسة المصرية ولكن عديد من الخبراء يرون أن الانقسامات والمنازعات الحقيقية ستكون حول القضايا الاقتصادية وليست حول القضايا الدينية وذلك لأن هناك الكثير من الأسئلة المعلقة في الشأن الديني من قبيل : كيف ستكون علاقة الأحزاب الدينية فيما بينها ؟ وكذلك كيف ستكون علاقتها مع الأحزاب العلمانية ؟ وما هو تعريف ما هو ديني في السياق المصري عند هذا الأحزاب ؟ 3-الدور الأمريكي: -هناك توافق كامل على أن تدخل الولاياتالمتحدة في موسم الانتخابات المصرية ضار أكثر منه نافع -أكد الخبراء على أن أهم عنصر للسياسة الأمريكية هو : التركيز على عملية التحول نفسها بغض النظر عما سيعود على أمريكا من نتائج آنية بمعنى ؛ أن العملية الانتخابية ستكرر في مصر مرات ومرات بدون نتائج ملموسة للسياسة الأمريكية لسنوات عده ومن ثم ينبغي الرهان على عملية التحول الديمقراطي في مصر مهما طال الوقت ولذلك على الولاياتالمتحدة أن تنخرط في جهود متعددة الأطراف وممتدة لسنيين لتجني ثمار ملحوظة -أكد الخبراء على أن السياسات المصرية ستكون أكثر تعقيدا في المستقبل مما تبدو عليه الآن -جادل الخبراء بأن السفارة الأمريكية في مصر عليها أن تصل إلى القطاع الأعرض من الفاعلين السياسيين في مصر بشكل واسع وخلاق أكثر مما كانت تفعل في الماضي . ثانيا - السياسات الإقليمية 1-ملاحظات : أ-رأس جامعة الدول العربية منذ تأسيسها ستة مصريين من أصل سبع رؤساء ب-بلغ حجم التعامل الاقتصادي بين مصر وإسرائيل في 2010 حوالي 500 مليون دولار تمثل مبيعات الغاز الطبيعي أكثر من 50 % من هذا الرقم ج-تعتبر المؤسسة الدبلوماسية المصرية الأكبر والأمهر في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا 2-الخلاصات : 1-اتفق الخبراء على أنه في حقبة ما بعد مبارك كان لا مفر من إبعاد الولاياتالمتحدة عن مصر وذلك ل : -المصريون حاولوا القطع مع حقبة مبارك والتي كانت أبرز ملامحها العلاقة الوطيدة بين مصر والولاياتالمتحدة -التحول العام في السياسات الإقليمية ضد إسرائيل والولاياتالمتحدة ويرى خبير أنه إيران تسعى لإحراج القيادة المصرية لدفعها نحو تجميد علاقتها مع الولاياتالمتحدة وذلك من خلال : تأجيج القضية الفلسطينية و تعزيز الصوت الإسلامي في السياسات المصرية و إبعاد تركيا عن الولاياتالمتحدة وإسرائيل وفي حين تبرز احتمالات التدخل الإيراني يظهر تدخل أكثر تأثيرا في السياسات المصرية لفاعل خارجي وهو دول الخليج والتي تقدم الدعم للأحزاب الإسلامية 2-بالنسبة للولايات المتحدة لابد أن يكون الحفاظ على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل محور العلاقات الثنائية بينها وبين مصر فالعدائية بين مصر وإسرائيل والتنكر للاتفاقيات الموقعة بينهما يجعل من الصعب المحافظة على علاقات ودودة بين الولاياتالمتحدة ومصر . ويلاحظ أن فريق من المصريين غير مهتم بتوطيد العلاقات مع الولاياتالمتحدة بينما فريق آخر يعاديها بالفعل وذلك لكونهم يرون هذه العلاقة بمثابة " صفقة تافهة " يضحون فيها بقضية فلسطين والشأن العربي والإسلامي برمته نظير المعونة المادية أما بالنسبة لحركات الإسلام السياسي فخطابهم متضارب بخصوص أهمية الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل ويبدو أنهم لم يحددوا أهدافهم و أولوياتهم في هذا الشأن بعد 3-توافق الخبراء على كون الجيش المصري سيسعى للحفاظ على وجود علاقة مثمرة مع إسرائيل في ضوء الكثير من المصالح المشتركة بينما الطبقة السياسية الجديدة التي ستحكم مصر ستسعى لإعادة التوازن للعلاقات المصرية الإسرائيلية وذلك بالحد من العلاقات الاقتصادية وكذلك من التعاون الأمني بينهما فلو حصل نزاع إسرائيلي فلسطيني كالذي حدث في عملية " الرصاص المصبوب " في 2008-2009 على غزة سيسعون لجعل الموقف المصري مختلف عما كان عليه في الماضي فالقوات المصرية تحرس حدود مصر مع غزة ومن ثم يمكنها دعم الفلسطينيين في المستقبل لو شنت إسرائيل عليهم أي هجوم . 4-هناك تركيز من الولاياتالمتحدة لكي تحافظ على الوضع الراهن في السياسات الإقليمية مما سيخلق تناقض بين هدفين للسياسة الأمريكية ؛ الأول هو : دعم وتحفيز التحول الديمقراطي في مصر والثاني هو : حفظ الأمن على الحدود المصرية الإسرائيلية وذلك بسبب ارتفاع حظوظ القوى السياسية الإسلامية في صياغة السياسات بينما تتضاءل حظوظ المجلس العسكري مما يجعل طبيعة التوازنات التي ستحسم هذه القضايا غير مؤكدة وكذلك يبقى من غير الواضح إلى أي حد سوف تصمد القيادة السياسية المدنية في مواجهة المجلس العسكري ذو الاختيارات المحافظة 5-أظهرت الإدارة المدنية المقبلة بمصر أن تركيزها المستقبلي سيكون على العلاقات الإقليمية وفي هذا السياق تحدث أحدهم لاجتماع بواشنطن خلال شهر سبتمبر مؤكدا على أن مصر بالفعل قد عادت لدورها المركزي في المنطقة والذي كانت تلعبه في خمسينات وستينات القرن المنصرم 6-ستتشكل استراتيجية الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط بناءا على طبيعة العلاقات بين ثلاث محاور : مصر و تركيا و إسرائيل تلكم العلاقات الآخذة في التوتر على النحو التالي : إسرائيل تخشى أن تنزلق تركيا إلى مزيد من العدائية نحوها وكذلك يرى البعض في إسرائيل أن مصر الجديدة و التي ستكون أكثر إسلامية قد تحول الوضع القائم بين مصر و إسرائيل الذي يشبه سلام بارد إلي وضع جديد يكون أقرب إلى حرب باردة ومن ناحية أخرى البعض في مصر غيور من الدور البارز لتركيا في المنطقة مؤخرا والمشوب بدرجة من الغطرسة يريدون أن يكون هذا الدور لمصر وحدها وكذلك غيورين من القبول العالمي للنموذج التركي الذي يمزج بين العلمانية والإسلام ومن ناحية ثالثة تركيا ترى في إسرائيل "منافس داعم " لدورها الإقليمي و منافس بطريقة أخرى فيما يخص الغاز الطبيعي المكتشف حديثا في البحر المتوسط على الساحل التركي والذي تسعى تركيا من خلاله لتكون محور لتغذية أوربا بالطاقة . ومن ناحية أخيرة يبدو أن كلا من مصر وتركيا يسعيان لتصعيد نبرة الدفاع عن القضية الفلسطينية في سياق بطولي مما قد يدفع نحو توتير العلاقة مع إسرائيل في حالة حدثت اعتداءات بين إسرائيل والفلسطينيين وللمفارقة إسرائيل التي تشعر بالعزلة تبدو ساعية للعمل بمفردها مما قد يجعلها تتخذ قرارات يصعب توقعها مما سيزيد من عزلتها العالمية ومن ثم تندفع نحو العمل بمفردها أكثر وأكثر 3-دور الولاياتالمتحدة : -الخبراء عموما ينتابهم درجة عالية من التشاؤم فيما يخص قدرة الولاياتالمتحدة على التأثير الفعال في توجهات السياسة الإقليمية لمصر على المدى القريب وبدت الحيرة على خبير إذ سأل ماذا نقدم ؟ولمن؟ ولكي يفعل ماذا ؟ ! ورأى آخر أنه لابد من وضع السيناريوهات المختلفة أمام أعين صناع السياسة المصرية لتوضيح العواقب التي ستترتب على مواقفها وقراراتها ولكن الشعور العام للخبراء يميل نحو الانتظار حتى تنتهي العملية الانتخابية برمتها وتتضح الصورة السياسية كاملة لمصر عندها سيظهر الكثير من الخيارات الدبلوماسية -ولكن تبقى الإشكالية الأهم في سياسة الولاياتالمتحدة الإقليمية في : التضاد في السياسات مع ثلاثة من الحلفاء الاستراتيجيين إسرائيل وتركيا ومصر يتمظهر ذلك في الدعم الدائم من الكونجرس لإسرائيل والذي سيجعل التناسق في السياسة الداخلية للولايات المتحدة أمر صعب وكذلك سيطرح الكثير من الشكوك حول مصداقية علاقة الولاياتالمتحدة مع كل من تركيا ومصر ثالثا – العلاقات العسكرية 1-ملاحظات : 1-بلغت ميزانية الدفاع المصرية في العام 2010 م 4.56 مليار دولار لتكون بذلك ثالث أكبر ميزانية دفاع في الشرق الأوسط بعد إسرائيل والمملكة العربية السعودية 2-التمويل العسكري الأمريكي لمصر 1.3 مليار دولار سنويا مما يجعله يمثل ربع ميزانية الدفاع الكلية 3-المشاريع الاقتصادية للجيش المصري في قطاعات الصناعة والزراعة والبناء تقدر ب 10 %إلي 15% من جملة الناتج المحلي المصري والبالغ 210 مليار دولار 2-الخلاصات : 1-بالرغم من مكانة الجيش في مصر إلا أن الخبراء يرون أنه مؤسسة ضعيفة نسبيا تعاني من نقص الموارد المالية و تنقصه الخبرة السياسية ومن ثم فهو يبحث عن طريقه لحفظ مصالحة وامتيازاته بعيدا عن عبء إدارة البلاد وهناك ثلاث مصالح يسعى الجيش للحفاظ عليها ؛ أولا : الحفاظ على الأنشطة الاقتصادية وثانيا : الحفاظ على استقرار مصر وتماسكها الاجتماعي بغض النظر عن الأيديولوجيا وثالثا : أن يبقى هو المستأمن على شرعية الدولة 2-من الصعوبة بمكان أن يحاكي الجيش المصري النموذج التركي وذلك لكون الأخير قائم على الأيديولوجيا الكمالية بينما الجيش المصري تحركه وفقط المصلحة الشخصية ومن ناحية أخرى فإن وجود الجيش في السلطة لمدة طويلة يذكر بتلك الفترة من 1952 م إلي 1967 م التي كان الجيش الحكم المباشر فيها والذي عد أمر خاطئ هذا الوجود في السلطة قد يجعل من الجيش عقبة كئود في مسار التحول الديمقراطي والنمو الاقتصادي ومن ثم على الجيش أن يسلك مسار الجيوش الحديثة كالجيش البرازيلي والأرجنتيني والعديد من جيوش دول أوربا الشرقية والتي سعت لكي تكون جيوش محترفة 3-بالنسبة للولايات المتحدة يعتبر الجيش المصري وجهاز المخابرات العامة المصرية المؤسستين الأكفأ في مصر و القادرين على حفظ العلاقات الثنائية بين البلدين وكذلك في ظل الضعف المستمر لوزارة الداخلية المصرية تعتبر المؤسستان هما القادرتين وحدهما على منع مصر من الانزلاق نحو الفوضى ومن ثم تبدو العلاقة الثنائية بين البلدين مصبوغة بصبغة عسكرية وحتى الآن تبدوا العلاقات الأمريكية مع الجيش المصري تمر بحالة من الفتور ففي اجتماعات بين عسكريين مصريين و باحثين أمريكيين في مراكز فكر في القاهرة و واشنطن العاصمة رأي البعض أن الجيش المصري بينما هو يظهر بعض المعاندة للولايات المتحدة يمد يده من أجل المعونة المادية !فالعسكريين المصريين يشكون من : إرسال وفود رسمية أمريكية دون المستوى اللائق وكذلك من تجاوز الولاياتالمتحدة للحكومة المصرية بدعمها المباشر للمنظمات غير الحكومية وآخر الشكاية كون الولاياتالمتحدة تبدو غير مقدرة للجهود التي تبذلها مصر لحفظ الأمن في المنطقة وفي الأخير تبدو القيادة العسكرية مهتمة بوضعية المساعدات الأمريكية مستقبلا في ظل حرص فريق في الكونجرس على فرض قيود عليها هذا القيود التي يحتمل أن تزيد خلال العامين المقبلين مما سيؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين 3-دور الولاياتالمتحدة : -نفوذ الولاياتالمتحدة على الجيش المصري يزداد كلما كان الأخير تحت الضغط نظرا لحاجته للمساعدات الأمريكية وبالنظر للراهن يبدو هذا النفوذ في غاية الضعف وذلك لأن الولاياتالمتحدة في وضع غير ملائم للتعامل مع المجلس العسكري بخصوص القضايا السياسية إذ أن التواصل يتم مع المجلس العسكري من خلال وزارة الدفاع الأمريكية وليس وزارة الخارجية وبطبيعتها وزارة الدفاع غير معنية بدرجة كافية بالقضايا الدبلوماسية والسياسية مما يجعل الهيمنة للقضايا العسكرية ويزداد الأمر صعوبة مع الطبيعة الوطنية والشعبوية للمجلس العسكري والتي تجعله مقاوم لفكرة التأثير الخارجي عليه وليست هذه الصفة السلبية الوحيدة للجيش المصري وإنما هناك أيضا ؛ كون طبيعة الديناميكيات الداخلية للمؤسسة العسكرية و آلية صنع القرار فيها غير واضحة وبالنسبة للوضع الحالي فهناك العديد من نقاط الخلاف السياسية بين الجيش وإدارة أوباما -الجيش المصري لا يبدو أنه سيتخلى عن الولاياتالمتحدة إذ لم يعرض عليه من أي أطراف أخرى علاقات أفضل وكذلك لن يسعى لتغيير الاتجاه الجيوبلوتيكي لمصر -ينبغي على حكومة الولاياتالمتحدة أن تدفع نحو سيطرة حكومة مدنية على الجيش وكذلك تمكن للمحترفين داخل الجيش من الهيمنة عليه وفي هذا السبيل اقترح خبير أن تقوم الولاياتالمتحدة بتسريب بعض المعلومات عن الجيش الغير معروفة داخل مصر مما سيمنح القوى المدنية ورقة ضغط على المجلس العسكري ولكنه في النهاية يخشى أن يأتي مثل هذا التصرف بنتيجة عكسية . -انتاب الخبراء شكوك حول فاعلية الضغط على المجلس العسكري من خلال وضع شروط على المساعدات الأمريكية وجادلوا بكون هذه الشروط لن تؤثر على صانعي القرار العسكري رابعا- القضايا الاقتصادية 1-ملاحظات : 1-تقدر المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر منذ 1975 م ب28 مليار دولار 2-يمثل الناتج القومي المصري حوالي 10% من مجمل الناتج القومي لمنطقة الشرق الأوسط 3-حوالي 60% من الشعب المصري تحت سن الثلاثين 4-احتياطي مصر من العملة الصعبة للعام الحالي نصف احتياطيها العام الماضي 2-الخلاصات : 1-يرى اقتصادي وسياسي مصري بارز أن ما حدث في مصر يشبه حالة " التمرد على السفينة بوينتي " [10] ولكن الفارق أننا مازلنا على نفس السفينة وفي نفس المحيط حيث أن ؛ معدل النمو الاقتصادي لمصر سيتراجع و قد قدر اقتصادي سابق في صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصادي لمصر في 2012 م على أفضل السيناريوهات سيكون 1%-2% ويتوقع خبراء أن الاقتصاد المصري سيسوء قبل أن يتحسن بينما الساسة يتبارون فيما بينهم باستخدام خطاب شعبوي يعد بالكثير من الخيرات ! والكثير تنتابه الدهشة من عدم حدوث أية تفكيك للوضع الاقتصادي الذي كان موجود في حقبة حكم مبارك حتى الآن باستثناء إصلاحات قليلة أجرتها الحكومة على رواتب موظفيها 2-يبدو أن مصر ستواجه أزمة اقتصادية في شهر مارس 2012 حيث سيقل احتياط النقد الأجنبي وتتعرض قيمة الجنية المصري لانخفاض حاد ومن ثم بمجرد انعقاد البرلمان الجديد سيكون عليه مجابهة تلك الأزمة وسيزداد الأمر صعوبة لأنه سيكون أمام استحقاق كتابة الدستور الجديد والتحضير لانتخابات الرئاسة مما سيجعل مصر تمر بحالة من اللايقين الاقتصادي والسياسي والذي بدوره سيطيل أمد حالة الوهن الاقتصادي التي تعصف بها 3-بما أن مصر تمثل رابع اكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن ضعفها اقتصاديا سيؤثر على المنطقة برمتها فرؤوس الأموال تتدفق الآن من مصر نحو الخارج وقطاع السياحة ينتابه ضعف شديد واحتياطي النقد الأجنبي يتناقص بصورة حادة ونسب البطالة عالية ومرشحة للزيادة ومن ثم مصر بحاجة ملحة لقطاع خاص يوفر الوظائف ولكن سياسي مصر والمحتفين بالقطاع الخاص ينظرون إليه بعين الريبة فضلا عن العمل على تحفيزه ! ومن ثم يبدو أن قيادة مصر المستقبلية ستسعي لتحقيق قدر من الرفاهية بوضع سياسات اقتصادية تتسم بالشعبوية لضمان الاستقرار الداخلي للبلاد ولكن هذا قد يتحقق على المدى القصير أما على المدى الطويل فيصعب تصور حصول استقرار بدون حصول نمو اقتصادي قائم على نطاق واسع ومن الأمور العجيبة التي تم الكشف عنها في حقبة ما بعد مبارك أن عدد من الاقتصاديين تم إبعادهم عن الحياة الاقتصادية لسنوات عديدة بالرغم من تحقيقهم لمعدلات نمو سنوية عالية تصل ل7% ! أضف إلى ذلك أن معدلات البطالة بين الشباب والتي تستمر لسنوات طويلة بعد إنهاء تعليمهم مشكلة دائمة الوجود حيث لا تتوفر فرص تشغيل تتناسب مع سنوات التعليم هذا الوضع سيعوق حتما نمو رأس المال البشري لمصر ولا ننسى الفساد الذي يمثل عائقا كبيرا أمام النمو الاقتصادي ولكن ربما بتشكيل حكومة جديدة تضع سياسات جديدة لمكافحته نحصل على تحسن ملحوظ في هذا السياق . 4-بالنسبة للمساعدات المالية سواء كانت من الغرب أو من الشرق الأوسط فهي غير كافية للقيام بمهمة الإصلاح الاقتصادي ومن ثم على القيادة المصرية الجديدة أن تأخذ على عاتقها ابتكار نموذج اقتصادي يتمتع بتأيد شعبي واسع وينشط عملية الاستثمار الأجنبي والمحلي 3-دور الولاياتالمتحدة : -ينبغي حث صندوق النقد الدولي على دعم الميزانية المصرية مما سيساعد على تحسين حالة الاقتصاد المصري وفي هذا السبيل يمكن أن يساعد برنامج " دوفيل للشراكة "[11] الذي قدم لقمة مجموعة الثماني في مايو 2011 لإعطاء قروض للحكومة المصرية وإن كانت هذه الآلية غير مستغله يمكن أخذ مسار آخر مثل نموذج الاتفاقيات التجارية بين تركيا والاتحاد الأوربي والذي يمكن أن يساعد مصر للمضي قدما وعلاوة على ذلك تعتبر بلدان مثل تركيا والبرازيل والهند مصادر جيدة للاستثمار والخبرات ومن ثم على الولاياتالمتحدة أن تشجعهم على الاستثمار في مصر -على الولاياتالمتحدة أن تساعد مصر كما نجحت من قبل في مساعدة بلدان مثل جورجيا في مكافحة الفساد وتيسير مهام الحكومة ولكن لابد أن يكون هذا في سياق مساعدة لحليف لا في سياق يبدو كأنه تحكم أمريكي في الحكومة المصرية - بالرغم من اهتمام الغرب بدفع مصر نحو تطبيق النموذج الارسوزوكسي[12] للتنمية الاقتصادية فإن مصر بوسعها أن تحصل على أموال طائلة من دول مجلس التعاون الخليجي ولكن شروط مثل هذه القروض لن تكون صارمة ولا مبنية على أساس إصلاحات سياسية تقوم بها مصر ولكن في الحقيقة أن دول مجلس التعاون تعد بالمساعدات ولكن لا تعطيها فمثلا تعهدت بإعطاء مصر 7 مليار دولار في مايو 2011 ولم يصل مصر منها إلا 500 مليون دولار ! ومن ثم يعتبر السيناريو الأسوأ لمصر أن تعتمد على المعونات الإقليمية كما أهدرت فرصة سخية قدمت من صندوق النقد الدولي في يوليو 2011 فتبقى بلا مال أو إصلاحات فدول الخليج تتريث في دفع الأموال حتى تتضح الصورة السياسية أكثر في مصر وكذلك تنتظر حسم بعض النزاعات القضائية لمستثمرين خليجيين في مصر فهي تعتقد أنه من السهل أن تضع أموال في مصر لكن من الصعوبة بمكان أن تأخذها مرة ثانية ! التوصيات : 1-التركيز على الأهداف الكلية بعيدة المدى وليس على الأحداث قصيرة المدى : الانتخابات كانت نزيهة وخالية من أعمال العنف حتى الآن والنتائج الأولية تبرز خسارة حلفاء الولاياتالمتحدة ولا يبدو أن حالهم سيتغير في باقي العام الانتخابي ومع ذلك ينبغي على الولاياتالمتحدة أن تجعل مساعدتها لمصر غير مرهونة بشكل الحكومة المقبلة ويلزمها أيضا أن تتوقف عن ظهورها بصورة متدخل مؤثر في صياغة السياسات المصرية وكذلك على الولاياتالمتحدة أن تتواصل مع كل الأطراف السياسية في المشهد المصري وعلى كل المستويات . 2-الاستمرار في دعم المؤسسات الديمقراطية في مصر : البعض فسر الممارسات السياسية للجيش المصري بأنه يود البقاء في السلطة ويريد أن يكرس الوضع الراهن ومن ثم على الولاياتالمتحدة أن تستمر في اتخاذ مواقف وإبداء تصريحات تعزيز من نقل السلطة لحكومة مدنية وينبغي أن توضح للجيش أن علاقة قوية ودائمة بينه وبينها تعتمد على تخفيفه من قبضته على الشؤون الداخلية لمصر وبغض النظر عن نتائج الانتخابات ينبغي أن تدفع الولاياتالمتحدة مصر نحو تشكيل بيئة سياسية متسامحة وقائمة على منافسة حقيقية . 3-العمل الدبلوماسي الجاد لتخفيف التوتر بين تركيا و مصر وإسرائيل : طبيعة العلاقة بين البلدان الثلاث ستحدد ما سيكون عليه الوضع الإستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط في مقبل الأيام وبغياب نشاط دبلوماسي فعال من الولاياتالمتحدة سيزيد التوتر بين حلفاءها الثلاث مما قد يترتب عليه ضرر بالغ بالمصالح الأمريكية في المنطقة. 4-مساعدة مصر في إنضاج إستراتيجية للأمن القومي : بالرغم من كون مصر لديها خطط عسكرية إلا أنها لم تحدد بوضوح خريطة مصالحها القومية وكذلك لا تملك استراتيجية لدمج القدرات التي يتمتع بها جهاز مخابراتها مع المؤسسات المدنية في الدولة وبالرغم من كون تشكيل هذه الإستراتيجية هي حق ومسؤولية المصريين في آن : إلا أنه على الولاياتالمتحدة أن تهتم ببنائها وذلك لأن هذه الإستراتيجية ستربط بين جناحي الحكم في مصر العسكري والمدني وأيضا لأنها ستمنع القادة المدنيين من الاعتماد على الجيش والمخابرات من أجل الحفاظ على السلطة. 5-الاستثمار في تطوير الجيش المصري : وذلك ب الاستثمار في برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي وبالنسبة للحكومة ينبغي تدريبها على طريقة السيطرة على الحشود الكبيرة وتبني تهج مختلف في التعامل مع المتظاهرين فالحوادث التي جرت في الشهور التسع الأخيرة تنم عن عدم قدرة القوات المصرية على السيطرة على الحشود الكبيرة بدون اللجوء للقتل ومثال ذلك: الحوادث التي تكررت في محيط ميدان التحرير في خريف 2011 والتي مات فيها عشرات المتظاهرين وأصيب فيها المئات كأحداث شارع محمد محمود حيث وزارة الداخلية و أحداث شارع القصر العيني وأحداث ماسبيرو حيث مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري هذه الأمثلة تسلط الضوء على كون مساعدة القوات المصرية ينبغي أن يتجاوز تزويدها بالمعدات إلي تدريب الشرطة المصرية على نهج مختلف من التعامل وكذلك ينبغي السعي نحو بناء توافق بين القادة السياسيين في مصر كل هذه الآليات قد تثمر نتائج خلاقة . 6-استهداف بناء منطقة تجارة حرة بين مصر والولاياتالمتحدة : عدم اليقين السياسي في مصر ولد عدم يقين اقتصادي حيث أُعيق الاستثمار وفر رأس المال خارج مصر ومن هنا تأتي أهمية فصح الولاياتالمتحدة عن نيتها في التفاوض حول إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع مصر هذه المبادرة لن تقتصر أهميتها فقط على توجيه مستقبل التنمية الاقتصادية في مصر وإنما ستروج لتأثير القيام بمثل هذا العمل بين أولائك العاطلين بسب عملية التحول السياسي بدل انتظار صانعي القرار الاقتصادي في مصر وعموما المساهمة في بلورة هذه الفكرة ستمنع من انزلاق مصر نحو اقتصاد ذو طابع اشتراكي . 7-تحفيز المؤسسات الأمريكية لكي توفر برامج تعليمية وتدريبية في مصر : تشجيع المؤسسات العالمية على الاستثمار في أولائك الشباب الطموح والحيوي ولكن للمفارقة عاطل سيساعد في تشكيل مستقبل أفضل لمصر والذي سيعود بدوره بالخير على المجتمع الأمريكي نفسه.