عقد مجلس الشعب المصري (البرلمان) اليوم جلسته التاريخية الأولي بعد أول انتخابات برلمانية حرة في مصر منذ أكثر من ستة عقود. ومن المقرر أن ينتخب محمد سعد الكتاني عن حزب الحرية والعدالة (الإخوان المسلمون) رئيسا للبرلمان بعد أن حصد الجناح السياسي لحركة الأخوان المسلمين على ما يقرب من 45% من مقاعد البرلمان بفارق بسيط عن الحصول على نسبة ال50% +1 التي تتيح له وحده تشكيل حكومة الأغلبية. وعلى الرغم من أن بعض الدوائر لم يتم الإعلان عن نتيجتها بعد فمن الواضح أنه لا بد من تشكيل حكومة ائتلافية يكون لها الأغلبية في البرلمان. تحالفات سياسية لا ايدلوجية وفقا لتحليلات خبراء بوصلة الناخبين الذي نفذته إذاعة هولندا العالمية بالتعاون مع عدد من المؤسسات العالمية المصرية اثناء الانتخابات العامة فإن نتائج الانتخابات المصرية مقروءة مع برامج الأحزاب الانتخابية ستجعل تشكيل الحكومة الجديدة عسيرة إلى حدا بالرغم من الأغلبية المريحة التي حصل عليها الإسلاميون. التحالف بين حزب النور السلفي ثاني أكبر الأحزاب من حيث عدد المقاعد، وحزب الحرية والعدالة في ائتلاف حكومي لا يمكن اعتباره امرأ تلقائيا ومفروغا. تزايدت الفجوة بين الحرية والعدالة وحزب النور أثناء فترة الانتخابات، إلى حد قد يلزم الحرية والعدالة في ائتلاف مع حزب النور بالبحث عن شريك او شركاء آخرين لتشكيل الائتلاف. الوفد اقرب يرجح الخبراء أن الحرية والعدالة سيسعى إلى التقارب مع حزب الوفد. وهنا تجدر الإشارة إلى أن حزب الوفد الليبرالي كان في البداية وقبل بدء الانتخابات ضمن التحالف الديمقراطي الذي يضم حزب الحرية والعدالة. كذلك كان هناك سابق تاريخية في عام 1984 حيث خاض عدد من قادة جماعة الأخوان المسلمين – التي كانت محظورة أنذاك – الانتخابات البرلمانية بوصفهم مرشحين عن حزب الوفد. حصد الوفد على ما يقرب من 43 مقعدا وهو ما سيعني أنه في حال ما عاد مرة أخرى إلى التحالف الديمقراطي فإنه سيحقق للأخير أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل الحكومة، حيث أن كل ما يحتاجه الحرية والعدالة هو 14 مقعدا. وتكمن المشكلة في قدرة رئيس حزب الوفد في إقناع اعضاء حزبه بالأمر. وقد تتغير الأمور في المستقبل، لكن يبدو أن هذا هو الطريق الذي سيسعى الحرية والعدالة إلى سلوكه. هذا ويضم التحالف الذي يستحوذ على 47% من أجمالي مقاعد البرلمان أغلبها للحرية والعدالة، أحزاب مثل الكرامة وغد المستقبل والحضارة والتي لم تحصد أكثر من 10 مقاعد. وهكذا فهم في حاجة إلى شريك يعتمد عليه، وهو ما يمكن أن يكون الوفد. المسافة بين الحرية والعدالة والوفد والسؤال المطروح الآن هو هل هناك من القواسم المشتركة بين برامج الحزبين ما يسمع بتشكيل ائتلاف ثابت. الرسم البياني أدناه يظهر ملخصا للقضايا التي يختلف فيها الحزبان وفقا لبرامجهم. حيث يتضح أن هناك فجوة أيدلوجية بين الحزبين في أكثر من نصف القضايا التي يتضمنها مشروع بوصلة الناخب وهو ما قد يصعب من المفاوضات. يختلف الحزبان في بعض القضايا الاقتصادية. لكن الاختلاف الأكبر يكمن في القضايا الثقافية والأخلاقية غير الاقتصادية. فالخلاف هنا كبير يشمل قضايا دور الشريعة الإسلام في المصارف والحريات والحقوق الشخصية وحق المرأة في تولي منصب الرئاسة وقضية مدنية الدولة. السؤال هو هل يجب أن يتخذ حزب الوفد موقفا متشددا ويطالب الحرية والعدالة بتقديم تنازلات في هذه القضايا مقابل مشاركته في حكومة ائتلافية؟ للإجابة هذا السؤال لابد من تحليل مواقف مؤيدي حزب الوفد من هذه القضايا. في الأنظمة الديمقراطية دائما ما يكون على الأحزاب السياسية أن تمثل وجهات نظر مؤيديها وألا تتخلى عن مواقفها بسهولة مقابلة المشاركة في الحكم. لكن ما نجده عند فحص مواقف مؤيدي حزب الوفد وأنصاره ومقارنتها بمواقف حزب الوفد وحزب الحرية والعدالة أنه يمكن للوفد أن يتراجع بسهولة عن مواقفه في القضايا الأخلاقية والثقافية. فالأشخاص الذين يميلون إلى تأييد حزب الوفد يتفقون مع حزب الحرية والعدالة أكثر من حزبهم عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأخلاقية والثقافية والمرتبطة بالدين. وهكذا فإنه من الغريب أن أنصار حزب الوفد يمكن إقناعهم بالتحالف مع حزب الحرية والعدالة بصورة أسهل بكثير من محاولات أقناع نواب الوفد بالأمر ذاته. فبينما يبدو أن هناك اختلاف بين قادة الحزب حول واستراتيجيات التحالف وعواقبه على المدى القريب والبعيد، فإن أنصار الوفد يؤيدون بشدة الأجندة المحافظة في الجوانب الاجتماعية. أكثر من هذا، فإن أنصار الوفد يختلفون مع برنامج حزبهم في القضايا الأخلاقية والثقافية غير الاقتصادية، فأنصار الوفد يؤيدون بشدة سياساته الاقتصادية لكن هناك فجوة ضخمة بين مواقف الحزب وأراء أنصاره عندما يتعلق الأمر بقضايا الحريات والعقيدة. وتظهر الرسوم البيانية في الأسفل أمثلة على هذا الاختلاف. فموقف حزب الوفد من حق المرأة في تولي منصب رئيس البلاد على سبيل المثال لا يتفق تماما مع موقف أنصاره الذين يميلون إلى تأييد موقف حزب الحرية والعدالة في تلك القضية. الأمر ذاته ينطبق على قضايا مبادئ الشريعة الإسلامية في الاقتصاد ودور المرأة في الأسرة. كذلك فإن أنصار الوفد يؤيدون وضع ضوابط على عمل وسائل الإعلام وهو ما يتفقون فيه مع موقف حزب الحرية والعدالة ويبتعدون عن حزب الوفد الذي يطالب بالحرية الكاملة لوسائل الإعلام. وهكذا يمكن القول أن العديد من أنصار حزب الوفد يعارضون موقف حزبهم من القضايا الأخلاقية والثقافية، فأنصار الوفد ليسوا تقدميين أو ليبراليين مثلما هو حزبهم، لكنهم بالأحرى يميلون إلى المواقف الإسلامية المعتدلة. ولهذا يمكن القول أن هناك احتمال كبير لإتمام التحالف بين الحرية والعدالة والوفد في حال ما أنصت قادة الأخيرة إلى صوت ناخبيهم الأكثر محافظة منهم.