"جدتي التي ماتت.. أين ذهبت؟ لماذا خلق الله الأشرار؟ لماذا ينام الأب والأم في حجرة وحدهما؟ أمي.. كيف دخلت أختي في بطنك؟ ".. هذه الأسئلة وغيرها كثير لا يتوقف الطفل عن سؤالها، وتكثر هذه الأسئلة وتظهر بوضوح في المرحلة العمرية من 2 إلى 6 سنوات، تلك المرحلة التي يبدو فيها الطفل وكأنه علامة استفهام متحركة، مما دعى بعض المتخصصين إلى تسمية هذه الفترة العمرية بمرحلة السؤال. وظائف تربوية وبعض الآباء يقابلون هذه الأسئلة باستخفاف ولا يعطونها اهتماما، والبعض الآخر ربما يجيب عنها بشكل خطأ، وآخرون يقفون حائرين أمامها، لا يدرون كيف يجيبون عنها، وقليل من يهتمون بالإجابة عنها، وذلك رغم ما تلعبه الإجابة عن هذه الأسئلة بطريقة بسيطة وواضحة وصادقة من أدوار تربوية عديدة، تعمل على تنمية وتطوير قدرات الطفل المختلفة، ومن هذه الأدوار والوظائف التربوية: 1- إشباع حاجة الطفل للاستطلاع، وهذا يساعده على تطوير قدراته بشكل عام، وخاصة قدراته العقلية، وقد سئل أحد علماء الفيزياء بعد حصوله على جائزة نوبل: لماذا اختار أن يكون فيزيائيًّا؟ فكان رده: أن أمه هي التي صنعت منه عالمًا فيزيائيًّا دون أن تقصد، فالسؤال الذي كانت تطرحه أمه عليه عقب عودته من المدرسة كل يوم ليس السؤال المعتاد الذي تسأله كل أم طفلها، وهو: ماذا تعلمت في المدرسة اليوم؟ ولكنها كانت تسأله: ما الأسئلة الجيدة التي سألتها اليوم في المدرسة؟ 2- تنمية قدراته اللغوية، فالإجابة عن أسئلة الطفل تساعده على تنمية ثروته اللغوية، نتيجة للحوار الذي يدور بينه وبين والديه. 3- يتعلم حسن الاستماع، فعندما يسأل سؤالا، ويستمع للإجابة عنه، فهذا تدريب له على حسن الإنصات للآخرين. 4- فرصة للتواصل والمشاركة الوجدانية بينه وبين والديه. 5- تنمية ثقة الطفل بنفسه وبوالديه وتنمية احترامه لذاته. بينما إهمال الإجابة عن هذه الأسئلة أو التهرب منها أو الإجابة عنها إجابة غير صادقة أو ناقصة، يحرم الطفل من هذه الفوائد السابقة، كما يدفعه للبحث عن إجابة لها من خلال الأصدقاء والقرناء، فيصبحوا هم مصدر معرفته، وفي ذلك خطورة تربوية كبيرة. قواعد أساسية وللإجابة عن أسئلة الطفل بطريقة ناجحة، تجعل منها منطلقا لتنمية وتطوير قدراته المختلفة، ينبغي الالتزام بالأمور التالية: 1- عدم اعتبار الطفل كثير السؤال ثرثارا، وإنما التعامل معه على أنه طفل ذكي، مستكشف لما حوله، ويريد أن يعرف ما يدور حوله. 2- حسن الاستماع والإنصات الجيد لأسئلة الطفل، والحرص على أن يأخذ فرصته ليخرج ما في جعبته؛ فهذا يشعره باحترام رأيه. 3- استقبال أسئلته باهتمام، وعدم التبرم من كثرتها، وتجنب الرد عليها بعبارات: "توقف عن هذه الأسئلة.. لا تكن كثير التساؤل.. لا تزعجني بأسئلتك.. إلخ"؛ لأن تكرار هذه الأمور تجاه أسئلة الطفل تعلمه ألا يسأل، أي يتعلم ألا يتعلم. 4- أن تكون الإجابة قائمة على البساطة واليسر، وأن تدعم بالصور أو الرسوم التوضيحية قدر الإمكان، أو غير ذلك مما يساعده على فهم المعلومة بطريقة بسيطة وصحيحة. 5- أن تكون الإجابة صادقة ولا تصطدم مع الحقائق، وذلك يتطلب التخلي عن قناعة مفادها أن معرفة بعض الحقائق في سن مبكرة لها آثار سلبية، فهذه قناعة خطأ، ومن المهم أن يتعرف الطفل على الحقائق، لكن ينبغي إيصالها بالكم والكيف المناسبين لعمره ولقدراته. 6- الاستفادة من الخبرات السابقة للطفل في الإجابة عن أسئلته؛ ولذلك كلما كان المربي أكثر قربًا من الطفل، كان أقدر على الإجابة عن أسئلته بالأسلوب المناسب له. 7- استثمار سؤال الطفل لتشجيعه على تطوير قدراته على البحث، وذلك من خلال دفعه للوصول للإجابة بنفسه، بتوجيهه للرجوع لبعض مصادر المعرفة مثل: الكتب أو المتخصصين أو من خلال الإنترنت.. إلخ. 8- عند عدم معرفة الإجابة الصحيحة لسؤال الطفل، يجب إخباره بذلك، وطلب مهلة زمنية منه للإجابة عن هذا السؤال، وفي هذا الموقف نعلم الطفل مفهوما تربويا مهما، ألا وهو أن كل إنسان يعلم بعض الأشياء وربما لا يعرف أشياء أخرى. وعلى سبيل المثال يمكن الإجابة عن السؤال "لماذا خلق الله الأشرار؟" بالأسلوب الآتي: الله سبحانه خلق الناس وأعطاهم الحرية أن يختاروا فعل الخير أو الشر، فأنت تستطيع أن تكون مهذبًا، وتستطيع أن تكون غير مهذب، ولكن عليك أن تتحمل النتائج، وهذه نعمة من الله وحكمة، فالأشرار يستطيعون أن يكونوا طيبين، ودورنا أن نساعدهم على ذلك، فإذا رفضوا وأصروا على الشر، فواجبنا أن نمنع شرهم عن الناس حتى يحبنا الله تعالى ويكافئنا.