قديماً كانت العلاقة الزوجية قائمة على المشاركة، مع حفظ القوامة للرجل، فيدير شؤون المنزل ليس اقتصادياً فحسب، وإنما على كافة المستويات الاجتماعية. كان خروج الأب للعمل مبعث للأمان والحيوية في كل الأسرة، يقربهم منه أكثر إذ يشعرون بعظم المسؤولية الملقاة على كاهله، وما يقوم به من أجلهم، لكن ومع تحرر المرأة في العالم العربي، واتساع تعليمها وثقافتها وخروجها للعمل، ما ضمن لها مصدر دخل مستقل قلل اعتمادها على الرجل ووارى نفوذ الرجل عليها في المنزل، وبات يفضل ترك إدارة شؤون المنزل لها، وشيئاً فشيئاً أصبحت تقوم بغالبية الأشياء داخل وخارج المنزل. "لها أون لاين" في سياق التقرير التالي، تعرض صور الزوج الاتكالي وبعض محاولات الزوجات في إقلاعه عن هذه الحالة، وتبصر الأسباب والحلول من وجهة نظر الأخصائية الاجتماعية. اضطرت أن تتحمل المسؤولية وحدها تشكو مريم عبد الله (35) عاماً من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، من زوجها كونه يعتمد عليها في كل شيء في حياتهما الأسرية، ولا يتحمل أدنى مسؤولية، تؤكد مريم أنها لم تعوده على هذا الوضع مع بدء حياتهما الزوجية، ولكنها اضطرت لتتحمل مسؤولياته بعدما وجدته غير مبالي بأي من أمور الحياة. مشيرة إلى أنها حاولت مراراً أن تشعره بضرورة أن يكون مسؤولاً عن أسرته، ويتحمل واجباتها ليس بالإنفاق وتأمين الاحتياجات، ولكن بالمشاركة في كل تفاصيلها. وتضيف السيدة أنها أخيراً نجحت في تحميله بعض المسؤوليات خاصة بعد أن أنجبت ابنتها الثانية، وكان الزوج جالساً في المنزل حيث لم يعد يذهب لعمله بعد أحداث الانقسام، كانت الأم تترك ابنتها في مسؤوليته كونها صغيرة وتحتاج رعاية تقول: "كان في البداية يتذمر من المسؤولية الملقاة عليه" لكنه كما تؤكد مع مرور الوقت وجدها وسيلة تقربه من أسرته أكثر، تؤكد مريم أن زوجها بات أكثر تفاعلاً في مسؤولياته ولا يتركها بمفردها. الأبناء هم الضحية ولم تنجح ريم (28)عاماً من وسط قطاع غزة في أن تجعل زوجها يشعر بالمسؤولية تجاه أسرته، تقول: إنها بعد حالة اللامبالاة والاتكال غير المحدود من زوجها، عليها تدبير أمور المنزل وفي إطار إشعاره بالمسؤولية حاولت أن تلقي على عاتقه مسؤولية متابعة الأولاد دراسياً، إلا أن النتيجة كانت ضياع الأبناء في الامتحانات الشهرية، وتضيف السيدة بمزيد من الحزن : "لم أملك إلا أن أعود لمسؤولياتي بمزيد من القهر خشيةً على مصير أبنائي ومصير حياتنا الأسرية". مؤكدة لولا حكمتها لكانت طلبت الفكاك والطلاق. أسباب اتكالية الزوج ومن واقع التجربة تحدد ميسون عفيف (32) عاماً من حي الرمال الجنوبي بمدينة غزة، أسباب اتكالية الزوج، فتشير إلى أنها تتراوح بين خروج المرأة للعمل، وتحملها بعض مسؤوليات الحياة مع الزوج، في إطار المشاركة والتعاون، كقضائها بعض احتياجات ولوازم المنزل أثناء عودتها من الدوام، وزيارتها لأبنائها في إطار متابعتهم وإشعارهم باهتمامها، تقول: "الرجل إذا ما رأى زوجته تتحمل تلك الأعباء وتكررها بين الحين والآخرين، فإنه يبدي ارتياحاً وإطراء، ومن ثمَّ يوكل إليها مهام جديدة حتى يتحول الأمر إلى الاتكالية والاعتماد عليها في كل كبيرة وصغيرة". فيما تزيد ميسر فؤاد (40)عاماً من منطقة أبراج العودة شمال قطاع غزة، سبباً أخر لاتكالية الزوج يكمن في العادات والتقاليد والثقافة الموروثة لدى الزوج، قائلة: "كثيراً من الأزواج يعتبرون أن دورهم في الحياة فقط العمل وجلب الاحتياجات المادية فقط ،دونما أي رعاية أخرى للأسرة" لافتة إلى أنه أخطر الأسباب فمعالجته برأيها تحتاج إلى تغيير سلوكيات ومعتقدات بيئة ومجتمع بأكمله. وتضيف أنه نظراً لصعوبة ذلك: تلجأ المرأة إلى الخضوع والتسليم، وما يزيد ذلك الرجل إلا اتكالاً عليها مسنداً إليها كافة أعباء التربية والمتابعة وتأمين الاحتياجات للمنزل ما دام يمدها بالمال. أسباب اجتماعية تؤكد نائلة الحرباوي، أخصائية اجتماعية نفسية بمركز الصحة النفسية المجتمعية التابع لوزارة الصحة الفلسطينية بالخليل أن الشرع حدد القوامة للرجل، إلا أنه بدأ بالتخلي عنها نتيجة خروج المرأة للعمل، وأضافت الحرباوي في حديثها مع "لها أون لاين" أن أسباب اتكالية الزوج تعود بالدرجة الأولى إلى حجم المشاركة الذي تقوم به المرأة اقتصادياً في الأسرة، قائلة: "المشاركة والمساعدة في تأمين متطلبات الأسرة خاصة في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار الحاصل والظروف الاقتصادية الصعبة للأسر الفلسطينية جيد، ولكن على المرأة أن تدرك حدود المساعدة بحيث لا تعفي الرجل من مسؤولياته التي حددها له الشرع وأحياناً العرف الاجتماعي"، وأوضحت أن التفاهم على حدود المهام والأدوار داخل الأسرة من شأنه أن يحد من اتكالية الزوج خاصة إذا ما تمتعت الزوجة بشخصية قوية. ودعت الحرباوي إلى ضرورة توظيف الأدوار في الأسرة؛ لتجنيب المرأة الاستغلال بحيث يقتصر دورها على المساهمة وليس يتعداه إلى الاعتماد الكلي من الزوج.