تحذيرات من الأرصاد: طقس غير مستقر اليوم الثلاثاء مع 3 ظواهر تضرب المحافظات    برلمانيون ليبيون يستنكرون تصريحات مجلس النواب اليوناني    الفنانة شمس: صاحب العقار طردني علشان 17 جنية    وفاة السفير الروسي فى بيونج يانج وزعيم كوريا الشمالية يقدم التعازي ل"بوتين"    فلوريدا تصنف الإخوان وكير كمنظمتين إرهابيتين أجنبيتين    الليلة، الزمالك يستهل مشواره في كأس عاصمة مصر بمواجهة كهرباء الإسماعيلية    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 9 ديسمبر    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    عوض تاج الدين: المتحور البريطاني الأطول مدة والأكثر شدة.. ولم ترصد وفيات بسبب الإنفلونزا    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    محمد أبو داوود: عبد الناصر من سمح بعرض «شيء من الخوف».. والفيلم لم يكن إسقاطا عليه    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر 2025: طقس بارد ليلًا وأمطار متفرقة على معظم الأنحاء    ما هي شروط إنشاء مدارس مهنية ثانوية؟.. القانون يجيب    الكواليس الكاملة.. ماذا قال عبد الله السعيد عن خلافه مع جون إدوارد؟    تعرف على عقوبة تزوير بطاقة ذوي الهمم وفقًا للقانون    أحمديات: مصر جميلة    من تجارة الخردة لتجارة السموم.. حكم مشدد بحق المتهم وإصابة طفل بري    مصدر بالسكك الحديد: الأمطار وراء خروج عربات قطار روسي عن مسارها    كرامة المعلم خط أحمر |ممر شرفى لمدرس عين شمس المعتدى عليه    الصيدلانية المتمردة |مها تحصد جوائز بمنتجات طبية صديقة للبيئة    بفستان مثير.. غادة عبدالرازق تخطف الأنظار.. شاهد    خيوط تحكى تاريخًا |كيف وثّق المصريون ثقافتهم وخصوصية بيئتهم بالحلى والأزياء؟    "محاربة الصحراء" يحقق نجاحًا جماهيريًا وينال استحسان النقاد في عرضه الأول بالشرق الأوسط    التعليم تُطلق أول اختبار تجريبي لطلاب أولى ثانوي في البرمجة والذكاء الاصطناعي عبر منصة QUREO    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    الأهلي والنعيمات.. تكليف الخطيب ونفي قطري يربك المشهد    نجم ليفربول السابق يدعم محمد صلاح في أزمته    حذف الأصفار.. إندونيسيا تطلق إصلاحا نقديا لتعزيز الكفاءة الاقتصادية    مرموش ينشر صورا مع خطيبته جيلان الجباس من أسوان    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    الصحة: جراحة نادرة بمستشفى دمياط العام تنقذ حياة رضيعة وتعالج نزيفا خطيرا بالمخ    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    نائب وزير الإسكان يلتقي وفد مؤسسة اليابان للاستثمار الخارجي في البنية التحتية لبحث أوجه التعاون    وزير الاستثمار يبحث مع اتحاد المستثمرات العرب تعزيز التعاون المشترك لفتح آفاق استثمارية جديدة في إفريقيا والمنطقة العربية    رئيس مصلحة الجمارك: انتهى تماما زمن السلع الرديئة.. ونتأكد من خلو المنتجات الغذائية من المواد المسرطنة    تحذير من كارثة إنسانية فى غزة |إعلام إسرائيلى: خلاف كاتس وزامير يُفكك الجيش    جريمة مروعة بالسودان |مقتل 63 طفلاً على يد «الدعم السريع»    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    الزراعة: الثروة الحيوانية آمنة.. وأنتجنا 4 ملايين لقاح ضد الحمى القلاعية بالمرحلة الأولى    لدعم الصناعة.. نائب محافظ دمياط تتفقد ورش النجارة ومعارض الأثاث    الأوقاف تنظم أسبوعًا ثقافيًا بمسجد الرضوان بسوهاج | صور    إحالة أوراق قاتل زوجين بالمنوفية لفضيلة المفتي    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    وزير الاستثمار يبحث مع مجموعة "أبو غالي موتورز" خطط توطين صناعة الدراجات النارية في مصر    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    محافظ سوهاج بعد واقعة طلب التصالح المتوقف منذ 4 سنوات: لن نسمح بتعطيل مصالح المواطنين    علي الحبسي: محمد صلاح رفع اسم العرب عالميا.. والحضري أفضل حراس مصر    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    جوتيريش يدعو إلى ضبط النفس والعودة للحوار بعد تجدد الاشتباكات بين كمبوديا وتايلاند    تحرير 97 محضر إشغال و88 إزالة فورية فى حملة مكبرة بالمنوفية    أفضل أطعمة تحسن الحالة النفسية في الأيام الباردة    كيف تحمي الباقيات الصالحات القلب من وساوس الشيطان؟.. دينا أبو الخير تجيب    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    متحدث الصحة ل الشروق: الإنفلونزا تمثل 60% من الفيروسات التنفسية المنتشرة    مباراة حاسمة اليوم.. عمان تواجه جزر القمر في كأس العرب 2025 مع متابعة مباشرة لكل الأحداث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القذافي هددني بالقتل!
نشر في التغيير يوم 17 - 09 - 2011

استطاع أن يهرب من مقصلة القذافي, وأن يبدع بعيدا عن سمائه, ويحتل مكانة مرموقة في أرض غير الأرض التي ولد فيها,وعبر رحلة طويلة وصعبة من الإبداع لم يترك لونا أدبيا إلا وكان له نصيب فيه, فاستطاع أن يخرج للمثقف العربي عشرات الكتب مابين قصة ومسرحية ورواية إضافة إلي مئات المقالات التأملية والبحوث الأدبية والفكرية, وترجم العديد من أعماله إلي لغات عدة لتصل آفاقه الإبداعية إلي عواصم عالمية غير قليلة, فصار رمزا من رموز ثقافتنا العربية, وعلما من أعلامها, وصفت الجارديان البريطانية كتاباته بأن فيها شيئا من العبقرية, وقال عنه يوسف إدريس: إنه عبقرية قصصية وإنسانية لا اعترف بغيرها في عالمنا العربي, إنه الأديب والمفكر الكبير الليبي دكتور أحمد إبراهيم الفقيه, الذي نعود معه في هذا الحوار إلي رحلة طويلة في عالم الإبداع وذكرياته فيها, فإلي نص الحوار.
*هل لنا أن نبدأ أولا بذكرياتك وتكوينك الإبداعي ولتكن البداية منذ مولدك بقرية مزده ؟
بدايتي لا تختلف كثيرا عن بداية أي أحد في دولنا العربية, فأنا ولدت بقرية مزده عام1942, وهي قرية تقع علي تخوم الصحراء, وتستطيع أن تقول إنها واحة, وكانت تتميز بأنها حلقة وصل بين أهل البادية والعمران, حيث كانت تبعد نحو160 كيلو مترا جنوب العاصمة طرابلس, فكانت أشبه بالمركز التجاري, وكان مصدر رزق الواحة هو الاشتغال بالتجارة مع أهل البادية, إلي جانب بعض الموارد الأخري التي تعينهم علي الرزق كزراعة القمح والشعير وجني التمور, وكانت القرية تخلو تماما من أي متع الحياة, ولم يكن المكان وقتها يساعد علي الاستمتاع بالحياة وممارسة ألعاب الطفولة الموجودة في البلاد الأخري أو توافر فرص للتعليم والتثقيف والتحصيل العلمي.
ولكن برغم ذلك كان أهم ما يميز القرية هو وجود فقهاء بها, وكانت عائلتي إحدي العائلات التي قدمت للقرية عددا من هؤلاء الفقهاء, أو ما يعرف وقتها بمعلمي ومحفظي القرآن, ولقبت عائلتي باسم الفقيه, وهذا اللقب لقب به جدي المباشر, وتصادف وقت اشتغال جدي بهذه المهنة أن حدث تطور في طريقة التعليم علي يد محمد علي السنوسي صاحب الطريقة السنوسية فأنشأ زاوية في مزده( مدرسة قرآن) بدلا من الطريقة البدائية في تعليم الأولاد تحت شجرة في العراء, بعدما وجد السنوسي البؤس والجهل والاحتياج يعم المجتمع الليبي, فبدأ بإنشاء الزوايا السنوسية بليبيا, وكانت مزده هي ثاني مركز لهذه المدارس, وصار جدي أحد مدرسي هذه الزاوية ثم أحد مسئوليها.
ولكن القدر لم يمهل جدي أن يعلم أولاده كلهم, وكان أبي أصغر أبنائه, فلم ينل حظه من التعليم إلا لماما, أي ما يعينه علي القراءة والكتابة, وتزامنت وفاة جدي مع مجيء الإيطاليين إلي ليبيا, فعمل والدي بالتجارة وأنشأ حانوتا اي محلا لبيع ما يحتاجه أهل البادية.
ثم أنشأ الإيطاليون مدرسة ابتدائية حديثة بالقرية, غير أن الناس انفضوا من حولها, نظرا لأن التعليم فيها كان باللغة الإيطالية, فخاف الناس علي أولادهم من هذا النهج, فلم يقبلوا عليها, حتي عدل الإيطاليون من طريقتهم لإغراء الأهالي فأدخلوا فيها المناهج العربية بجانب الإيطالية, وانتهي الأمر إلي أن صارت تعلم العربية فقط, وكان ذلك في أواخر الأربعينيات, وكانت المدرسة تقتصر علي المرحلة الابتدائية فقط.
*هل تعتبر أن وفاة الجد شكلت مرحلة مفصلية في حياتكم ؟
لا أستطيع أن أجزم بذلك, ولكن كما قلت لك من قبل إن وفاة الجد تزامنت مع دخول الإيطاليين إلي ليبيا, فانصرف الناس عن التعليم نتيجة عدم الاستقرار, ومع ذلك فلم يتغير وضعنا أو مركزنا بالقرية, حيث كان عمي الأكبر هو شيخ القرية إلي أن اصطدم بالإيطاليين فعزلوه من منصبه.
*كم استمرت فترة إقامتك بالقرية ؟
ظلت فترة إقامتي بالقرية منذ مولدي وحتي إتمام المرحلة الابتدائية, وهي المرحلة التي أعتبرها فترة التكوين الأدبي والإبداعي لي, واتذكر عام1949 وعمري7 سنوات أن بالمدرسة مكتبة لم أجد مثيلا لها حتي الآن, فلم يكن هناك كتاب للأطفال صدر إلا ويكون موجودا فيها, أو حتي أمهات الكتب, وهذه المكتبة أسهمت في تكويني الأدبي إسهاما كبيرا, وفي هذه الفترة كنت نهما للقراءة بشكل كبير, فأتذكر أني دخلت المدرسة وأنا أقرأ القرآن, وفي السنة الأولي بالمدرسة الابتدائية كنت أستعير كتبا كثيرة, لكامل الكيلاني, والمكتبة الخضراء التي كانت تصدرها دار المعارف, وروايات الهلال لجورجي زيدان, ثم بعد ذلك المنفلوطي, إلي ان وصلت في السنة النهائية وكنت قد قرأت كل الروايات التي صدرت من روايات تاريخ الاسلام وبدات أقرأ كتب احسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله أو ما يسمي بالرومانسية المصرية, ولعلك تندهش حين تعلم أن المكتبة التي كانت رافدا مهما في تكويني الأدبي لي ولغيري لم يعد لها اي أثر الآن لا الكتب ولا المكتبة, لا يوجد بها كتاب واحد علي الإطلاق.
*ذهبت إلي طرابلس وعمرك15 عاما فهل نعتبرها البداية الحقيقية لك ؟
الحقيقة أن ذهابي إلي طرابلس تأخر كثيرا, وذلك نظرا لظروف المكان, إذ كان يأتينا فصل الربيع محملا بالرزق وكان والدي يضطر إلي الاستعانة بي, وكان ذلك يتسبب في تركي الدراسة, وحدث ذلك في عامين, مما دفع مدير المدرسة إلي مناشدة والدي بتركي للتفرغ للدراسة وعدم التسبب في ضياع مستقبله, وذهبت إلي طرابلس عام1957, للبحث عن مدرسة بعد الدراسة الابتدائية, وكانت توجد المدارس التقليدية كالأعدادي والثانوي, ولكن في ذلك الوقت ونتيجة لحداثة الدولة الليبية أنشأوا معاهد لاكتساب مهارات إدارية وذلك لملء فراغ المؤسسات الإدارية المنشأة حديثا, فكان المعهد الفني التجاري, وتزامن ذلك مع عشقي للكتابة, فأنشأت صحيفة مدرسية وفرقة مسرحية وشاركت أيضا في التمثيل والنشاط الكشفي, ثم انتقلت في السنة الأخيرة إلي الصحافة الحقيقية في عام1959 ونشرت بها أول مقالاتي, كما قدمت تمثيليات بالإذاعة الحكومية, ثم اتممت تعليمي بهذه المدرسة وتسلمت وظيفة حكومية فور تخرجي, وكان حظي أن أعمل في مجال قريب من الصحافة هو قسم الاعلام في إدارة الجمعيات التعاونية, وتعرفت علي مدير هذه الجمعيات وعرض علي الإشراف علي القسم الإعلامي مع وعد بإرسالي في بعثة تعليمية في أقرب وقت, وقد كان, فأرسلني في عام1962 إلي مصر, وأنا لم أكمل بعد العشرين, وذلك في معهد لتنمية المجتمع بسرس الليان بالمنوفية يشرف عليه اليونسكو, وكانت تجربة ثرية جدا, فكان الدارسون بالمعهد من كل الدول العربية, والمدرسون علي أعلي مستوي, أتذكر منهم العالم التربوي الكبير حامد عمار, والدكتور سعيد عبده, وكانت إقامتي بالقاهرة فرصة للاتصال بالكتاب والمفكرين وأساتذة المسرح سعد الدين وهبة وسعد أردش والأستاذ عبد الحميد يونس أستاذ الأدب الشعبي, والمفكر والكاتب العراقي عبدالرحمن البزاز الذي كان يعيش في مصر, وفيما بعد أصبح رئيسا لوزراء العراق, وقد قتله صدام حسين, وخلال هذه الفترة أيضا ربطتني علاقة قوية وعميقة برجاء النقاش, ويوسف إدريس.
*كانت لك علاقة طيبة بالأديب يوسف إدريس, صف لنا هذه العلاقة وكيف بدأت ؟
أنا كنت عاشقا للقصة القصيرة, وعاشقا لأدب يوسف إدريس, وقد بدأت اكتب محاولاتي الأولي في هذا اللون الأدبي وكانت لدي رغبة كبيرة في التعرف إليه, فاتخذت الصحافة طريقا للوصول إليه من خلال إجراء حوار معه, وكان ذلك بداية علاقة ممتدة حتي توفاه الله عام1991, برغم ما شاب علاقة مصر وليبيا من توتر في الفترة من1977 وحتي1990, وقد دعوته إلي المغرب ولندن وأماكن اخري كثيرة, كما كان دائم الزيارة إلي لندن بطبيعة الحال فكانت فرصة للقاء, وكان أحد من كتب عني في آخر ساعة عام1966 حين صدر أول كتاب لي( البحر لا ماء فيه), فكتب في زاوية( كتاب بين يدي) يقول: بين يدي الآن كتاب ضم مجموعة من القصص القصيرة, وصاحبه من الكتاب الواعدين وموهبة كبيرة في عالم القصة القصيرة, وكان أن سبق ونشر لي قصة عام1964 برغم أنها منشورة من قبل, ولكن حين قرأها نشرها في مجلة الكاتب مرة أخري.
*رصيدك الإبداعي إلي أين وصل ؟
رصيدي الإبداعي, والحمد الله, كبير, ففي المسرح لدي مالا يقل عن40 عملا مسرحيا تتنوع أشكاله بين الكبير والصغير, ونحو19 رواية و14 عملا قصصيا و40 كتابا في تأملات الحياة, ورصيدي هذا كله جاء خارج إطار العمل الرسمي فلم أكن متفرغا للعمل الروائي أو الإبداعي, حيث عملت طوال حياتي بالحكومة, وتدرجت بوظائفها من موظف إلي مدير إداري ومحرر صحفي ثم رئيس تحرير إلي العمل في المجال الدبلوماسي الذي خدمت فيه نحو20 عاما ومازلت امارسه حتي الآن.
*أي درجة من العمل الدبلوماسي عملت ؟
عملت رئيسا لبعثة ليبيا في اليونان ثم رئيسا لبعثة ليبيا ورومانيا, وهي علي درجة سفير, واخيرا عضوا في الوفد الليبي بالجامعة العربية وكنت قد دخلت العمل الدبلوماسي من باب الإعلام, إذ بدأت مستشارا إعلاميا في لندن في السبعينيات, وثم انتقلت للعمل في المجلس القومي للثقافة العربية بالمغرب.
بصراحة كل من في ليبيا كان مسخرا لخدمة القذافي, فهل كانت المجلة التي ترأس تحريرها إحدي الأدوات المسخرة لخدمته ؟
أقسم بالله أن هناك كتابات وقصائد جاءتني تمدح في النظام ورفضت نشرها, ولكن هناك حالة وحيدة ندمت ندما شديدا أني لم أنشرها, هذه الحالة كانت لشاعر كتب قصيدة مدح في القذافي وقد توفي في هذه الفترة, حيث كان يشكو من مرض عضال, أراد أن يتوسل بها كنوع من المجاملة من أجل أن يأمر القذافي بعلاجه أو تسعي الدولة إلي ذلك, وللأسف لم أنشرها لأنني لم أكن أعرف بحالته, كما أنه لم يسع إلي أن يعرفني بذلك, أو حتي أسباب كتابته للقصيدة.
باستثناء بعض الشخصيات وأنت منهم كونك أديبا معروفا, ولكن لماذا لم نسمع عن نجوم وشخصيات معروفة في ليبيا ؟
النظام الليبي كان يحارب كل متألق وناجح علنا, وكان عنده شعار لا نجومية في المجتمع الجماهيري وكانت هناك إدارة في الأمن الداخلي اسمها إدارة مكافحة النجومية, وهي ادارة تقول بصريح العبارة إنه ممنوع التألق, ممنوع التحقق علي المستوي الذاتي, ممنوع الابداع, ممنوع النجاح, مما يثبت بلا جدال أننا كنا نعيش حالة استثنائية, حالة شاذة, حالة مرضية بكل المقاييس, استمرت للاسف الشديد اثنين وأربعين عاما.
*كيف هربت من هذه المقصلة ؟
هم حاربونا وحاصرونا بكل الأساليب الممكنة, وكنت ضمن من تمت محاربتهم, وطاردوني في كل مكان ذهبت إليه, ويهمني أن أشكر الناس الذين ساندوني رغم التعليمات المستمرة والدائمة من رأس النظام بمحاربة من يصنع لنفسه اسما, لأنه يمارس سياسة محو كل الأسماء إلا اسمه هو فقط. وكان هناك صديق لم يكن بعيدا عن النظام يقول لي يجب أن تحترس لأن القذافي سوف يفتعل ذريعة لقتلك لأنك صنعت لنفسك صيتا وسمعة في المجال الأدبي والفكر أكبر من كل المعدلات التي يقبلها القذافي, وحصلت هذه السمعة وهذا الصيت, خارج مجال سيطرته, وباءت كل المحاولات التي قام بها لمنعي من الحضور الثقافي والإعلامي بالفشل, وامتلكت ناصية النشر في الصحافة العربية, وترجمت أعمالي الي لغات العالم الكبري, بشكل كبير, دون عونه ومساعدته, ووصلت كتبي التي ترجمت الي اللغة الانجليزية الي أكثر من عشرة كتب في مجال القصة والرواية والمسرحية, دون أي عون أو مساعدة من ليبيا, بل وبعيدا عن إدارته وأجهزته, وقدمت مسرحياتي في كثير من مسارح العالم, وكل هذا كان يمثل شيئا مناقضا للسياسات التي ينتهجها مع الليبيين. وسيأتي وقت أشرح فيه العقبات التي وضعها في طريقي وهو يراني أحقق هذا الحضور والانتشار, بل صرف مئات الآلاف من الدولارات لإيقافي ومنعي.
*كيف كانت علاقتك بالقذافي ؟
انظر, كنا نتعامل مع القذافي كواقع, فأنا كنت موظفا حكوميا, ومع ذلك فأنا لم أفعل شيئا مرغما عليه, فلم أفعل إلا ما يرضاه ضميري, إضافة إلي سبب آخر جعل النظام الليبي لا يفكر في كثيرا, هو أن القذافي كانت تحوطه مجموعة كبيرة تستفيد منه, وكان يقف علي بابه الكثيرون, ولقاءتي معه كانت كلها في إطار اللقاءات الرسمية المتعلقة بالأدب والثقافة.
*ولكنك كتبت عنه في إحدي المرات ؟
هذا صحيح, ففي إحدي المرات جاءني سكرتيره وقال: إن الرئيس القذافي ألف مجموعة قصصية وقال أرسلوها إلي الفقيه يكتب لها مقدمة, وهذا أمر عادي فلو جاءني أي أحد حتي ولو لم اكن اعرفه وطلب ذلك سأكتب, وحينما قرأت ما أرسله قلت لسكرتيره إن هذا الكتاب ليس فيه إلا قصتان فقط والباقي مقالات, فذهب إليه وعاد ليقول انه سينشر الكتاب بهذه الصيغة ويطلب مني كتابة مقدمة للكتاب, فكتبت بتكليف منه وليس تطوعا مني, وكتبت عن القصتين اللتين تستحقان وهما: الموت والفرار إلي جهنم, وأعلم أنك في النهاية تكتب مقدمة ولا تقدم نقدا لهما, وما كتبته لا أعتذر عنه, كما أن ما كتبه القذافي يمثل حالة من حالات الكتابة, ليست متيسرة لكل احد, فقد كتب قصتيه اشبه شحنتين انفعالتيين لانسان يعاني حالة احتقان ورغبة في الفضفضة لم تكن متاحة لرجل مثله, حيت لم يكن متيسرا لمن يضع نفسه في موقع الزعيم المعني بادارة شئون البشر, ان يتحدث مع احد الاصدقاء القريبين عن شئونه الشخصية الحميمية. كان من الصعب أن يروي أي شيء فيه ضعف له امام احد من الناس, فجاء الي الورق وهو في حالة عطش او جوع للفضفضة, للتنفيس عن بعض مشاعره الشخصية وهو ما أباح به في قصتيه هاتين, حيث كانت شحنات الصدق فيهما عالية, وهي شحنات لا إرادية, ووقلت في المقدمة انهما قصتان تنفعان وثائق عن نفسية الكاتب يجب ان يعتني علم النفس بدراستهما وتحليل ما فيهما من مشاعر وانفعالات. وما زلت اقول ذلك الآن, ففي كثير من كتاباته مفاتيح لشخصيته المليئة بالاسرار والعقد.
*من مفجر الثورة في ليبيا ؟
محمد البوعزيزي, هذا الرجل سوف ندعو له في كل صلاة بالرحمة, فهو قديس الثورات العربية, فهو أشعل جسده ليضيء الوطن العربي بأكمله, وأعلم أن هذه الثورات هي تدشين للعصر الحقيقي للثورة العربية, ودعك من أن القذافي قام بانقلاب أو علي عبدالله صالح ورث انقلابا أو الاسد أو حتي عبد الناصر نفسه وانقلاب23 يوليو الذي يقال انه تحول الي ثورة, فعصر الثورات العربية هو الذي بدأ في تونس بثورة الياسمين ثم ثورة25 يناير في مصر ثم ثورة17 فبراير في ليبيا ثم ما حصل بعد ذلك من انفجار للثورة في اليمن ثم سوريا, ولاشك أن الشعب الليبي هو أكثر الشعوب التي ضحت بنفسها من أجل ليبيا, فهناك نحو60 ألف قتيل علي الجانبين, وما لايقل عن مائة ألف جريح وعشرات الآلاف من المفقودين.
*تري ما هي أهم مميزات الثورات العربية ؟
أهم مميزاتها, انها أنهت التطرف الديني واسقطت الأيدولوجيا, كنا دائما نتحدث عن مرجعيات ثورية يتبناها الثوريون من مختلف الألوان والاتجاهات, فالثوريون اليساريون يتحدثون عن مرجعية يرونها في اعمال ماركس ولينين وانجلز, والقوميون يتحدثون عن مرجعيات في كتابات ميشيل عفلق أو صلاح البيطار, او قسطنطين زريق, بدءا من ساطع الحصري وغيره من كتاب القويمة العربية, والاسلاميون طبعا يبدأون من كتب ابن تيمية مروروا بالمودودي وسيد قطب وحسن البنا ومحمد الغزالي وغير هؤلاء من مرجعيات الاسلام السياسي الحديث, ويساريون آخرون يعتمدون تروتسكي مرجعية لهم أو كاسترو أو جيفارا, انتهي الآن هذا النوع من الأيدلوجيا.
*في خضم الأحداث الجارية حاليا في ليبيا وتسارعها ما تعليقك ؟
علينا أن نطوي هذه الصفحة السوداء المؤلمة من التاريخ الليبي, التي استمرت اكثر من اربعة عقود, وذاق فيها شعبنا الويلات علي يد نظام دموي إجرامي متخلف, ونريد أن ننظر الي الأمام بأمل وتفاؤل وتصميم علي بناء ليبيا الجديدة مجتمع العلم والمساوة والحرية والكرامة والحضارة.
ومن الآن استطيع أن أري ليبيا جديدة تقلع نحو أرض النهوض والتقدم والحضارة وسينتهي الحجر الذي فرضه النظام علي تحررها ونهوضها وتقدمها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.