لأني إنسان قررت أن لا يكون الحل الأمثل للمشاكل التي أتعرض إليها هو الهروب ...... ولأني أرى الهروب أحيانا يكون بمثابة غلق الجراح دون تطهير فيكون نذير شؤم بمرض عضال قد لا يصلح معه إلا البتر ...أحببت أنا أشارك الجميع في هذه المناقشة الهادئة لمجموعة من المواضيع الساخنة التي أثارها بعض الأخوة الكرام على صفحتي على مدار يومين كاملين فكانت هذه الخواطر: هل في الإسلام رجال دين؟ لم يكن في تراث المسلمين على مر التاريخ شيء يسمى رجال دين بمعنى أن هناك مجموعة معينة منتقاة من الناس وفق معايير خفية تحتكر الكلام في الدين فهو عبارة عن أسرار لا يفهمها ولا يتكلم فيها آحاد الناس بل كان كل المسلمين هم رجال دين ودنيا يعبدون الله تبارك وتعالى ويقرأون كتابه ويتفقهون في دينه وفي نفس الوقت يسعون في إعمار الدنيا والقيام بمهمة الإستخلاف في الأرض ولكن المصطلح الشرعي الذي ورد في القرآن هو لفظة العلماء قال تعالى " إِنَّمَا يَخۡشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ الۡعُلَمَآءُ " وهنا ورد لفظ العلماء دون تحديد نوع العلم الذي يطلبونة من العلوم النافعة وللدلالة على أولوية علوم الشريعة وأهميتها قال نعالى" وَمَا كَانَ الۡمُؤۡمِنُونَ لِيَنفِرُوا۟ كَآفَّةً فَلَوۡ لاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٍ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا۟ فِى الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا۟ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوا۟ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ " وهنا أريد أن أنبه انه لا مانع أبدا لأي مسلم أن يطمح ويسعى أن يكون عالمًا فالطريق واضح وبسيط ولكنه يحتاج ان يبذل من الجهد والتعب في طلب العلم حتى يحصل أصول العلوم وفروعها وحث النبي على ذلك فقال صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقا يطلب فيه علما ، سلك الله به طريقا من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ، ومن في الأرض ، والحيتان في جوف الماء ، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء ، لم يورثوا دينارا ، ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر " صححه الألباني في صحيح الجامع وكل منا مأمور من النبي بتبليغ ما عنده من العلم لغيره وعليه ألا ينتظر حتى يصير عالما حتى يتكلم ويدعو الناس قال صلى الله عليه وسلم "بلغوا عني ولو آية ..." صحيح البخاري - فما دمت تحفظ الآية أو الحديث وتعرف معناه جيدا فادع الناس ولا تنتظر لحين ختمك القرآن كاملاً أو حفظك لكتب السنة كلها مثلاً ...بل على الإنسان المسلم أن يجمع بين المراتب المختلفة من التعلم والعمل والدعوة والصبر على الأذى , وخلاصة ما أريد الوصول له من هذه النقطة أن لا كهنوت في الإسلام ولا قداسة لشخص بعينة ولكن يوجد اهل تخصص نحترمهم ونقدرهم ونرجع إليهم في كل علم بذاته قال تعالى (فَاسۡأَلُوا۟ أَهۡلَ الذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لاَ تَعۡلَمُونَ) . هل يخطيء العلماء والدعاة أم أنهم معصومون؟ والإجابة أنهم قطعًا يخطؤون والنصوص في ذلك كثيرة جدا وننقل بعضها للتذكير فقط قال صلى الله عليه وسلم " كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون " صححه الألباني في صحيح الترغيب- ولا يستثنى من هذا إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم قال الإمام مالك رضى الله عنه ورحمة : كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا المقام وأشار لقبر النبي . ماذا نفعل حين يخطيء العالم أو الداعية؟ وضح لنا رسول الله ما علينا فعله فقال " إن الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، وكتابه ، ورسوله ، وأئمة المؤمنين ، وعامتهم " صححه الألباني في صحيح أبي داوود - إذن الواجب علينا أن ننصح لأئمة المسلمين من علماء ودعاة وولاة أمر ورؤساء ونوجههم للصواب إن لاحظنا منهم إنحراف عن المنهج فإن الدعاة والعلماء أحباء إلى قلوبنا ولكن الحق أحب إلينا منهم ولنصيحة الناس عامة والعلماء والدعاة خاصة آداب منها : - أن يسر لهم بالنصيحة فكما يقولون النصيحة في العلن فضيحة - أن يختار أرق الألفاظ والعبارات في توصيل المعلومة - ان يكون الكلام بناء على الدليل ومنهج استدلالي صحيح وليس باهواء شخصية - ان لا تنكر عليهم أمورا من المختلف فيها خلافًا سائغًا وإن أبيت إلا الكلام فيها فليكن نقاشا علميا للوصول للرأي الأقرب للصواب. هل تتساوى الأخطاء؟ بالقطع لا تتساوى الأخطاء وقديمًا قالوا حنانيك بعض الشر أهون من بعض ...فمن أخطأ في السر أو في مجلس خاص ليس كمن أخطأ في العلن أو في فضائية يراها الملاين ومن أخطأ وتم تنبيه فأصر على فعله ليس كمن يرجع إلى الحق ومن أخطأ خطأ عابر ليس كمن أخطا خطأ منهجيا تأصيليا, ومن قل خطأه ليس كمن كثر خطأه ....ولكل مستوى من الخطأ مستوى من النصيحة بحسب الموقف والظروف هل هناك شروط معينة فيمن يؤدي النصيحة للعلماء والدعاة؟ يرى كثير من الإخوة انه لا ينصح العلماء إلا العلماء ولا يوجه الدعاة إلا الدعاة أمثالهم وهذا الكلام مخالف للمنطق والدليل فبهذا المنطق لا ينصح الصحابي إلا الصحابة والتابعي إلا التابعين وهكذا...... وهذا خطأ فيما أرى وأظن وإليكم الأدلة : - قصة سيدنا سليمان والهدهد : قال الله تبارك وتعالى حكاية عن سيدنا سليمان (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ , لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ, فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ...إلى الآية 26 ) لم يقاطع سيدنا سليمان الهدد لم يقل له من أنت حتى تخبرني بشيء من العلم ؟! بل تركه يكمل كلامه وتفاعل معه وأرسل معه إلى هذه المملكة التي تعبد غير الله بكتاب مبين إلى آخر القصة . - خطبة سيدنا أبو بكر : حينما تولى سيدنا أبو بكر الخلافة خطب خطبة في الناس فقال :أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني.... إلخ , فسيدنا أبو بكر الذي لو وزن إيمانه بإيمان الأمه باستثناء النبي لرجحت كفته يطلب التقويم والنصيحة من عامة الناس ولا يشترط فيمن ينصحه شروطًا معينة كان لا ينصحه إلا بدريا أو مهاجرا من المهاجرين الأولين مثلا. - قصة سيدنا موسى والخضر والراجح من أقوال أهل العلم ان الخضر هذا رجل صالح والقصة كلها من أولها لآخرها تعليم ونصح من الأقل قدرا وهو رجل صالح وولي من أولياء الله إلى الأعلى قدرًا وهو سيدنا موسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل ....ولم يعترض سيدنا موسى أو يقول لرب العزة انا أريد رسولاً مثلي يعلمني أو قال أنا لا يعلمني إلا ملك مقرب كجبريل عليه السلام بل تعلم من هذا العبد الصالح واجتهد في تحصيل العلم عليه . - وفي فقة الامامة في الصلاة أمر يسمى الفتح على الإمام إذا أخطأ الإمام في آية أو نسيها يفتح عليه من خلفه حتى يستطيع إستكمال القراءة وليس من شروط من يفتح على الإمام شرط غير الحفظ الجيد للآيات التي سيذكر الإمام بها فلا يشترط سن معين أو مكانة علمية معينة وهذا الأمر في الصلاة التي هي عماد الدين فما بالنا بسائر شؤون الدين . والأدلة أكثر من أن تذكر وهذه فقط أمثلة ....والخلاصة أنه يجوز أن يأتي النصح والتوجيه من الأقل قدرا إلى الأعلى قدرا وليس في ذلك تقليل من مكانة مستقبل النصيحة أو زيادة في مكانة الناصح , كما أشير إلى أن التعامل مع الشيوخ من منطق من اعترض انطرد وكن بين يدي شيخك كالميت بين يدي مغسله هي مسحة صوفيه ذميمة ما عرفها السلف الصالح رضوان الله عليهم وتذكروا أن من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل . متى تكون نصيحة العلماء علنية على ملأ من الناس؟ - إذا أخطأ العالم أو الداعية في العلن لا سيما على فضائية يراها الملاين ثم تلقف اعداء التيار الإسلامي هذا الخطأ وبدأوا في نشره وتشويه الإسلام بهذا المقطع مثلا وبدأ بعض الإخوة بحسن نية في نشر الكلام بل وانتهاج نفس منهج الشيخ في النقد فإن امامنا ثلاث مجموعات من الناس : 1- مجموعة تنشر كلام الشيخ : (بسوء نية ) فيقومون بالطعن في الشيخ والإساءة الشخصية له وتحميل كلامه أكثر مما يحتمل وهي بذلك لا تشوه صورة الشيخ وفقط بل وتخدم بذلك أغراضًا خبيثة . ( وبحسن نية ) حيث ينشر بعض الإخوة كلام الشيخ مصاحبًا بالتكبير والتهليل والترحيب بل ويتنفل هو ويكمل على ما قاله الشيخ ويحمل كلام الشيخ أيضا ما لا يحتمل ولكن بهوى في نفسه وانتصارا لفكرته مع التأكيد على حسن نيته . 2- مجموعة معترضة على ما قاله الشيخ ولكنها تكن له كل الإحترام وتعرف كيف تبين موضع الخلل في كلام الشيخ بل وتتلمس له الأعذار قدر المستطاع وتنصف الشيخ ولا تقره على خطأه . 3- مجموعة محايدة أو قل أغلبية صامتة تراقب الموقف وتحاصرها الأسئلة والشبهات داخليا وخارجيا وينقلون هذه الأسئلة بدوهم لأصحاب المجموعة الثانية . فلو سكت أصحاب المجموعة الثانية لتركوا الأغلبية الصامتة لأصحاب المجموعة الأولى ممن ينشر كلام الشيخ بسوء نية فيشحنهم على الشيخ فينتقلوا بذلك من دائرة الحياد إلى دائرة العداء ....ولو تكلموا بعلم وعقل وأدب فيما وقع فيه الشيخ من خطأ لحافظوا على حياد كثير من المحايدين على أقل تقدير إن لم يستقطبوا مجموعة منهم إلى صفهم .وأنا أرى أن الأولى وما تقتضيه مصلحة القضية الإسلامية في هذه الفترة أن لا نسكت, ولكن هذا الأمر ليس القاعدة وإنما هو استثناء للظروف السالفة الذكر والكلام يكون بحكمة مع التركيز على الفعل وليس الفاعل فنقول الشيخ فلان ربنا يحفظه جانبه الصواب في مسألة كذا والأولى كذا والدليل كذا ولا نسيء لشخصه حتى لا نقع في الغيبة . وأخيرا أريد أن أقول أني ضد التفتيش والبحث عن ذلات العلماء والتنقيب في اصداراتهم القديمة والحديثة بنية صد الناس عن سماعهم فهذا فعل خبيث ونية لا ترضي الله وللأسف هذا أمر دأب عليه بعض الإعلامين وبعض المتعالمين من طلبة العلم ولا حول ولا قوة إلا بالله , وينبغي على كل داعية أو عالم أن يراجع إصداراته من حين لآخر وينقحها وينبه على ما وقع فيه من الخطأ وبذلك يقطع الطريق على العابثين. هل يجوز إقرار غير المسلم على ما قال من الحق أم نرفض ما يقوله جملة؟ يستنكف كثير من الإخوة أن ينقل كلاما عن شخص رقيق الدين أو شخص على غير دين الإسلام وكأن إقرارك لما قال من الحق هو إقرار لما عليه القائل من باطل وهذا كلام مخالف لنصوص القرآن والسنة وأستشهد هنا بآية واحدة وحديث واحد : - أما الآية فقد قال الله تبارك وتعالى على لسان ملكة سبأ التي كانت تعبد الشمس من دونه ( قَالَتۡ إِنَّ الۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهۡلِهَا أَذِلَّةً ) وهنا أنتهى كلامها ثم صدق الله عليى كلامها فقال (وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ ) وهذا قول بن عباس ترجمان القرآن في تفسير بن كثير فليراجع - أما الحديث " فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته ، فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وحدث هذا الأمر مرتين وفي كل مرة يتركه يمشي وفي الثالثة - قال : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي ، لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدقك وهو كذوب ، ذاك شيطان " صحيح البخاري - فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر ما جاء به الشيطان الرجيم من حق فسبحان الله العظيم . أين حسن الظن أيها الإخوة؟ إن من أسوأ ما يتعرض له الإنسان أن يقف في مرمى أحبابه فلا يجد من الإنصاف إلا القليل , وان تأتيه الطعنات من مأمنه فأين نحن من قول القائل : لا تحمِلنَّ كلمةً لأخيك على الشرِّ وأنت تجد لها فى الخير مَحمَلاً , ولماذا كل إختلاف فيما بيننا يعني قطيعة وهجر وألفاظ لا تليق وتهم معلبة أين نحن من قول الشافعي لمخالفة حين أمسك يده وقال " ألا يستقيم ان نكون إخوانا وإن اختلفنا في مسألة " بلى يستقيم إن تخلصنا من العصبية الغير مبررة , بلى يستقيم إذا إلتزمنا أدب الحوار , بلى يستقيم إن نحن فقط أحسنا الظن بإخواننا.