د.مازن النجار \n\n صدر مؤخراً عن مكتب السياسة الوطنية لمكافحة المخدرات التابع للإدارة الأميركية تقرير يحذر من أن استخدام المراهقين لعقار الماريغوانا (البنغو) يعرضهم لمستويات عالية من احتمالات الإصابة بمشكلات نفسية وعقلية خطيرة، ويفاقم حالات مرضية كالاكتئاب والفصام والقلق والانتحار.\nوكان ذلك التقرير قد صدر بعنوان \"استخدام المراهقين للماريوانا يفاقم الاكتئاب\"، وهو تحليل للمعطيات الصحية الراهنة. يظهر التقرير أن معالجة البعض لأنفسهم انفرادياً بهذا العقار، يؤدي في الواقع إلى زيادة أحوالهم المرضية سوءاً، ويثبت أن استخدام المراهقين للماريغوانا يزيد مخاطر إصابتهم باضطراب عقلي أو نفسي بنسبة 40 بالمائة.\nوورد في التقرير أن تعاطي المراهقين للماريغوانا مرة واحدة في الشهر لمدة عام كامل، يجعلهم أكثر تعرضاً بثلاثة أضعاف لنوبات التفكير في الانتحار، مقارنة بمن لا يستخدمونها.\nلكن النتيجة الأكثر بروزاً في التقرير هي أن استخدام عقار الماريغوانا لتخفيف أعراض الاكتئاب يجعل المراهقين أكثر تعرضاً لمخاطر الإدمان على أنواع المخدرات الأخرى، ويزيد احتمالات إصابتهم بمشكلات الصحة العقلية، كحالات تفاقم الاكتئاب والقلق وكذلك الانتحار.\n\n \nالدعم المعنوي والعلاجي\nووفقاً للتقرير، أصيب مليوني مراهق أميركي بالاكتئاب خلال العام المنصرم، كما تظهر البيانات والإحصائيات. وكان احتمال تعاطي المراهقين المكتئبين للماريغوانا أكثر من ضعف احتمال تعاطي غيرهم لها في نفس الفترة.\nفالماريغوانا ليست هي العلاج عند الشعور بالاكتئاب، والذين يلجأون إلى تدخينها للهرب من الاكتئاب يرتكبون في الواقع خطأ جسيماً، ويفاقمون حالاتهم المرضية. فالطريق الوحيد للشفاء والشعور بالعافية هي في طلب العلاج الطبي.\nرغم انخفاض نسبة تعاطي المراهقين الأميركيين منذ 2001 بنسبة 25 بالمائة، يورد التقرير أن هناك أكثر من 2.3 مليون مراهقاً يتعاطون الماريوانا حالياً بمعدل مرة في الشهر على الأقل.\nيحث التقرير الوالدين والمعالجين النفسيين على تقديم الدعم المعنوي والعلاجي اللازم للمراهقين لمساعدتهم على الإفلات من شراك الإدمان ومشكلات صحية خطيرة. كما يدعو التقرير الآباء والأمهات لملاحظة أي علامة أو مؤشر على تعاطي أطفالهم للماريغوانا وتقديم العلاج المناسب لهم.\nالماريغوانا أول محطات الإدمان\nيمكن إنقاذ المراهقين من الوقوع في إدمان عقاقير مخدرة أخرى، بتقديم المساعدة العلاجية العاجلة. فقد أظهرت دراسات طويلة الأمد -على أنماط تعاطي العقاقير لدى طلاب المدارس الثانوية- أن قلة قليلة جداً من الطلاب تبدأ في تعاطي العقاقير المحظورة الأخرى بدون تعاطي الماريغوانا أولاً.\nفمثلاً تصبح احتمالات تعاطي الكوكايين أكبر كثيراً بالنسبة لهؤلاء الذين تعاطوا الماريغوانا أولاً، مقارنة بالذين لم يتعاطوها من قبل. فتعاطي الماريغوانا يعرض الأطفال والمراهقين للاتصال بأشخاص خطرين من المدمنين والبائعين لأصناف أخرى من العقاقير المخدرة. إذن هناك مخاطر أكبر بالنسبة لتعرض مستخدمي الماريغوانا لاستخدام عقاقير أخرى.\n\nومن أجل تحديد أفضل لمستوى هذه المخاطر، يقوم العلماء بالنظر في إمكانية أن يؤدي الاستخدام طويل المدى للماريغوانا إلى تغيرات في الدماغ تجعل المستخدم أكثر تعرضاً لمخاطر إدمان عقاقير أخرى، كالكحول أو الكوكايين. ويحتاج هذا الأمر إلى مزيد من الدراسة والبحث لتحديد الأشخاص المعرضين لمخاطر إدمان أكبر.\nيذكر أن الماريغوانا هي أحد المخدرات المحظورة الأكثر شيوعاً في العالم، فهناك نحو 300 مليوناً يتعاطونها في العالم، منهم 28 مليوناً في الولاياتالمتحدة وحدها. تؤخذ الماريغوانا من نبات يعرف بالقنب أو نبتة الحشيشة، واسمها الشعبي الدارج في بعض البلاد العربية \"بنغو\".\nيؤدي تدخين سجائر من الماريغوانا أو استخدامها في صورة طعام أو شراب إلى افتقاد التناسق العصبي، وهبوط ضغط الدم، والأرق، وغياب التركيز، وتغيير الإحساس بالزمان والمكان. وقد تسبب الجرعات الكبيرة هلوسة وتخيلات وضعف الذاكرة واضطراب العقل.\n\nآلية إدمان الكوكايين في الدماغ\nمن ناحية أخرى، اكتشف فريق من العلماء والباحثين الأميركيين -بالمعهد الوطني لإدمان العقاقير- آلية في الدماغ تفسر سبب الرغبة الشديدة لدى المدمنين في تعاطي الكوكايين وزيادة مخاطر الانتكاس واحتمالات العودة إلى الإدمان، في الأسابيع أو الشهور التالية للامتناع عن تعاطي هذا العقار. ونشرت نتائج هذه الدراسة بمجلة \"نيتشر\" البريطانية.\nوجدت هذه الدراسة ميكانزماً (آلية) جديداً يفسر ظاهرة زيادة أو تكثف الرغبة في الكوكايين بعد الإقلاع عن استخدام العقار، وتشير النتائج إلى هدف جديد يتوجه إليه تطوير علاجات الإدمان الجديدة لخفض مخاطر الانتكاس ومعاودة التعاطي لدى المقلعين عن استخدام الكوكايين.\nيشار إلى أن التعرض للرموز أو الإشارات المرتبطة ببيئة تعاطي الكوكايين في السابق، كالأشخاص والأماكن والأشياء، يمكن أن تطلق حالة من الرغبة العارمة أو الاشتياق الشديد إلى هذا العقار، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى الانتكاس ومعاودة التعاطي.\n\nمستقبلات بروتينية\nوفي بحوث سابقة ذات صلة، ونشرت نتائجها بمجلة \"نيتشر\" أيضاً عام 2001، أجريت على فئران المختبر لفهم آلية التوق ومعاودة تعاطي هذا العقار، ظهر أن تجاوب أو استجابة الفئران لرموز وإشارات مرتبطة بالكوكايين يزداد تصاعدياً، ولا يتناقص، على مدى الأيام الستين بعد الإقلاع عن تعاطي الكوكايين فردياً بالحقن الوريدي.\nأما في الدراسة الجديدة، التي أجريت على فئران المختبر أيضاً، أظهر الباحثون أنه بعد فترات مطوّلة من الإقلاع القسري عن تعاطي الكوكايين، كانت هناك زيادة في عدد من البروتينات التي تعرف بمستقبلات غلوتاميت، وتتواجد في منطقة بالدماغ مسؤولة عن التحفيز والإثابة.\nيقول باحثون مشاركون في هذه الدراسة أن المستقبلات الإضافية تزيد ردود فعل (تفاعلية) منطقة التحفيز والإثابة بالدماغ تجاه رموز البيئة المرتبطة بالكوكايين، مما يفسّر تكثف أو زيادة الرغبة في الكوكايين، والمتصلة بالرموز والإشارات ذات الارتباط باستخدام الكوكايين، وهو ما يحدث بعد امتناع طويل عن تعاطي المخدر.\n\nاعتراض مستقبلات غير نمطية\nبيد أن ذلك لا يحدث لدى ارتفاع مستويات مستقبلات غلوتاميت فحسب، بل لأن هذه المستقبلات \"الجديدة\" هي أيضاً غير نمطية، إذ أنها تفتقد مركباً معيناً، وبالتالي فهي تسمح بتحفيز أقوى لمنطقة التحفيز والإثابة بالدماغ مقارنة بالمستقبلات الأخرى النمطية.\nوعندما قام الباحثون باعتراض المستقبلات غير النمطية بعد إقلاع مطوّل عن عقار الكوكايين، حققوا أيضاً خفضاً ملموساً للرغبة المكثفة في معاودة التعاطي والمتصلة برموز وإشارات مرتبطة بالكوكايين لدى الفئران المشاركة في التجربة.\nوهكذا يمكن تطوير علاجات أو أدوية تقوم باعتراض مستقبلات غلوتاميت غير النمطية في منطقة التحفيز والإثابة في الدماغ. وبذلك تنخفض الرغبة في الكوكايين ومخاطر الانتكاس ومعاودة تعاطيه بعد الامتناع، وبدون تعطيل النواقل العصبية لدى المستقبلات النمطية، والتي لها أهميتها بالنسبة لوظائف الدماغ العادية كالتعلم والذاكرة.