د.مازن النجار \n\n على عكس الشائع تقليدياً، يبدو أن المشاجرات الزوجية ليست شراً كلها. فقد يكون لهذا النوع من الشجار فوائده الصحية بالنسبة لكلا الزوجين. فقد تبين علمياً أن الأشخاص المتزوجين الذين يعبرون عن غضبهم يعمرون أو يعيشون أطول من أولئك الذين يكبتون مشاعر الغضب.\nوكانت بحوث طبية حول العلاقة بين الزواج والصحة، لفريق بحثي بجامعة ميشِغَن الأميركية، قد توصلت إلى أن الأزواج والزوجات الذين ينفسون مشاعر الغضب بالشجار، من الأرجح أن يعيشوا أعماراً أطول من الذين تعودوا على كبت تلك المشاعر داخل نفوسهم.\nوقد وجدت هذه الدراسة الطبية، التي نشرت بدورية \"مجلة الاتصال الأسري\"، أن السبيل لصحة نفسية جيدة للزوجين هي عدم الشعور بالحرج لدى التعبير عن سورة الغضب، عوضاً عن أن يلجأ أحدهما أو كلاهما لكبتها. \nحل التناقضات\nيلفت البروفسور أرنست هَربُرغ، أستاذ كرسي الصحة العامة والنفسية، إلى أن مفتاح المسألة هو كيف نتصرف لحل التناقض أو الصراع لدى حدوثه. فإذا لجأ المرء لدفن غضبه والتميز غيظاً، دون محاولة حل المشكلة، فهو إذن في مأزق.\nوقد وجد البروفسور هربرغ وزملاؤه أن أعلى معدل للوفيات هو بين أزواج وزوجات، يكبتون مشاعر الغضب، على عكس أزواج آخرين لا يفعلون ذلك. ولإجراء هذه الدراسة، قام البروفسور هربرغ وزملاؤه بالنظر في حالات 192 زوجاً (رجلاً وامرأة) في ولاية ميشغن، وتابعوهم لأكثر من 17 عاماً، ابتداء من سنة 1971.\nولدى بدء هذه الدراسة، تراوحت أعمار الأزواج والزوجات بين 35 و69 عاماً. وقد طُلب من كل منهم أن يتخيل أنه يتعرض لصياح أو صراخ زوجه (أو زوجته) أو رجل الشرطة حول أمر أو خطأ لم يتسبب فيه أصلاً.\nمؤشرات كبت المشاعر\nوقد قام كل زوج (رجل أو امرأة) بالإجابة على أسئلة تتعلق بطريقة استجابته لمثل هذا الموقف. وقد اعتبر موقف أحدهم كبتاً لمشاعر غضبه إذا استجاب للموقف باثنتين من ثلاث هي: عدم إظهار غضبه، عدم الاحتجاج على التعدي أو الهجوم اللفظي، أو الشعور بالذنب لاحقاً بسبب إظهار الغضب في ذلك الموقف.\nوكان الباحثون قد وجدوا أنه في حالات 14 بالمائة من الأزواج (الزوج والزوجة معاً)، كبت كلاهما غضبه. وكان معدل الوفيات بينهم مضاعفاً خلال فترة هذه الدراسة، مقارنة بغيرهم من الأزواج. وحتى بعد احتساب عوامل أخرى مؤثرة كالمرحلة العمرية والتدخين وزيادة الوزن ونمط المعيشة، ومخاطر أمراض القلب، وغيرها، فقد استمرت النتائج سارية المفعول.\nولكن لهذه الدراسة محدودياتها أيضاً. فمثلاً، لم يتضح ما إذا كانت النتائج متماثلة لدى الأزواج الأحدث سناً، أو لدى إجراء دراسة أكثر تنوعاً فئوياً. كذلك، لم يستطع الباحثون السيطرة على دور كل عامل مؤثر ممكن في النتائج، فلربما كان للأزواج الذين يكبتون مشاعرهم سمات صحية إيجابية أخرى.\nتعبير صحي متوازن\nوكان خبراء في الطب النفسي قد أكدوا صحة فرضيات ونتائج هذه الدراسة الأميركية. فالقناعة المستقرة لدى أطباء النفس تقول بأن التعبير المباشر عن المشاعر يساعد الصحة النفسية، في حين أن كبتها، مع مشاعر سلبية كالإحباط أو الاكتئاب، يحول الطاقة السلبية للتعبير جسمانياً فيما يسمى بالأمراض النفسية-الجسدية.\nوهي قائمة طويلة من أسقام تصيب أعضاء الجسم كالجلطة والذبحة الصدرية والربو الشُعبي وقرحة المعدة والقولون العصبي وتساقط الشعر والأكزيما الجلدية والعقم والتهاب المفاصل. هذه أمراض تؤثر على متوسط عمر الإنسان وجودة الحياة المعاشة، وتعود لجذور نفسية بالأساس.\nلكن أطباء النفس يحذرون من إطلاق عنان التعبير عن المشاعر، سلبية وإيجابية، بشكل مدمر وبدعوى أهمية ذلك للصحة النفسية والجسدية. بل يُنصح بتعبير مباشر، وبشكل صحي ومتوازن.\nالاكتئاب وصعوبات منتصف العمر\nمن ناحية أخرى، كشفت دراسة طبية أخرى، في يناير/كانون الثاني الماضي، أن الاكتئاب أكثر شيوعاً بين الرجال والنساء الذين بلغوا الأربعينات من عمرهم. فقد وجد باحثون بريطانيون وأميركيون أن السعادة تبدأ قوية في مقتبل العمر قبل أن تزداد صعوبات وأعباء الحياة في منتصف العمر ثم تعود السعادة مع تقدم العمر.\nبيد أن دراسات سابقة قد أظهرت أن الصحة النفسية تظل مستقرة عبر مختلف مراحل الحياة، لكن نتائج هذه الدراسة الجديدة التي عرضتها دورية \"العلوم الاجتماعية والطب الاجتماعي\" تشير إلى أن الإنسان يمر بتقلبات صعود وهبوط على المستوى النفسي.\nقام الباحثون بتحليل بيانات عن مستويات الاكتئاب والتوتر والصحة العقلية التي أخذت من نحو مليوني شخص في ثمانين دولة، وخلصوا إلى أنه بالنسبة للنساء والرجال فإن احتمالات الاكتئاب تتزايد تدريجياً مع التقدم في العمر، ثم تصل ذروتها لدى ولوج العقد الخامس (الأربعينيات) من أعمارهم، وهو نمط رصد في عشرات البلاد.\nوقد لاحظ الباحثون الذين أجروا الدراسة في بريطانيا والولايات المتحدة أن حوالي ثمان دول أغلبها من الدول النامية لم ينطبق عليها نفس هذا النمط لمستويات السعادة والصحة العقلية. وأضاف الباحثون أن ذلك يحدث للرجال والنساء، عازبين ومتزوجين، أغنياء وفقراء، منجبين أطفالاً وغير منجبين.\nويرى الباحثون أن أحد التفسيرات الواردة لظاهرة اكتئاب منتصف العمر أن الناس يشعرون عند هذه المرحلة أنه قد فاتتهم فرصة تحقيق العديد من طموحاتهم وتطلعاتهم. وفي هذه المرحلة أيضاً، يبدأ الناس يشهدون وفاة بعض أقرانهم من جيلهم، مما يجعلهم يشعرون بالقلق حول السنوات الباقية من حيواتهم.\nولكن الأمر الإيجابي اللافت للنظر أنه إذا بلغ الشخص سن السبعين عاماً، وحافظ على صحة جيدة، فإنه يعود إليه الشعور بالسعادة التي كانت تملأه عندما كان ابن عشرين عاماً.