د.مازن النجار \n\n منذ نحو عامين، وفي سياق الهلع الذي ساد العالم من احتمال اندلاع وبائي لفيروس أنفلونزا الطيور الذي لم تتم السيطرة عليه بعد، توصل علماء أميركيون بمعهد تكنولوجيا ماساتشوستس إلى أن جزيئات مركب البوليمر الكيميائي الشائكة تدمر فيروس الأنفلونزا بمجرد اللمس.\nوفي سياق متصل، تمكن باحثان أميركيان مؤخراً من تطوير مركب توليفي ذكي لا يستهدف سلالات البكتيريا المقاومة للعقاقير ويقتلها فحسب، بل يقوم هذا المركب المضاد الحيوي الجديد بتجريد الجراثيم من أقوى دفاعاتها الفاعلة. فالطفرات (التحويرات) الوراثية التي تمنح الجراثيم قدرتها على المقاومة سوف تؤدي إلى قتلها لا محالة، مما لا يدع مجالاً أو فرصة لها للإفلات.\nووفقاً للباحثين اللذين طوّرا التقنية الجديدة، تمّ تصميم جزيء المركب الجديد بحيث يخترق جدار خلايا البكتيريا ويغيّر انحناءه. وعوضاً عن تكوين أغشية مستقرة، تزيد الخلايا المعالجة بالمضاد الحيوي الجديد من انحناء الجدار، مما يُحدث بدوره ثقباً في الجدار يتيح قتل الخلية.\nالإفلات من العقاقير المضادة\nيقول الباحثان أن المضاد الحيوي الجديد يستخدم مركبات تسمى فينايلين إيثايلنايلين وهي تحاكي بروتينات الجسم ذاته المضادة للميكروبات. كما أن فهم تفاصيل الكيفية التي يعمل بها هذا المضاد الحيوي أساسي لتوسيع نطاق أدوات مكافحة الأمراض المُعدية. \nتمثل مقاومة سلالات البكتيريا للمضادات الحيوية التقليدية مشكلة رئيسة للصحة العامة. فالبنيسِلّين كان يعتمد عليه لقتل البكتيريا المسببة للالتهاب الرئوي مثلاً، لكن جراثيم عائلتي ستافيلوكوكّاس وإنتيروكوكّاس تطورت بحيث لم يعد البنيسلين يجدي نفعاً. واكتسبت هذه الجراثيم مؤخراً قدرة إضافية على مقاومة المضادات الحيوية الأحدث أيضاً، مثل تتراسَيكْلين وستربتومَيْسين وجنتامَيْسين.\nتعتمد قدرة المركب الجديد على ضرب ثقوب جدار خلايا البكتيريا اعتماداً كبيراً على تواجد جزيء دهني يسمى \"فوسفوإيثانولامين\"، ويتواجد في أغشية الخلايا الميكروبية.\nمن جانبه، يحتاج مركب المضاد الحيوي الجديد إلى وجود أغشية خلايا ميكروبية مشبعة بجزيئات دهون فوسفوإيثانولامين، وهو الوضع المثالي لأن خلايا البكتيريا سلبية الغَرام غنية بالفوسفوإيثانولامين، بينما الخلايا البشرية ليست كذلك.\nاختلاف أسلوب الاستهداف\nسجّل مؤلفا هذ الدراسة، غريغوري تيو وجيرارد وونغ، من جامعتي ماساتشوستس وإلينوي، حصيلة التجربة في تقرير نشر مؤخراً بدورية \"وقائع أكاديمية العلوم الوطنية\".\nقارن الباحثان بين معدلات البقاء على قيد الحياة بين اثنتين من سلالات بكتيريا القولون، نمتا منفصلتين في أطباق المختبر. وتم تصميم (تحوير) إحدى السلالتين بحيث تفتقد أغشيتها دهون الفوسفوإيثانولامين، بينما احتفظت السلالة الأخرى بها.\nعالج الباحثان كلتا السلالتين بالمضاد الميكروبي المهاجم لثقوب خلايا جدران البكتيريا. وفي نفس الوقت، عالجا مجموعتين تماثلهما بمضاد حيوي تقليدي، يسمى توبرامَيْسين، وهو لا يهاجم الأغشية الغنية بالفوسفوإيثانولامين، لكنه يهاجم بنية خلوية تسمى رَيْبُوسُوم.\nأظهرت النتائج أن المضاد الحيوي الجديد قد هاجم بنجاح سلالة بكتيريا القولون الغنية بجزيئات دهون الفوسفوإيثانولامين، لكنه لم يكن فاعلاً ضد السلالة الأخرى المفتقدة لها.\nعلى النقيض من ذلك، قتل توبرامّيْسين كلاً من السلالتين بصرف النظر عن وجود الفوسفوإيثانولامين، مما يشير إلى أن هشاشة (ضعف) البكتيريا إزاء المركب الجديد تكمن في طبقة الفوسفوإيثانولامين المحيطة بأغشية الخلايا.\n\n طلاء يقتل البكتيريا والفيروسات\nوكان علماء كيميائيون بمعهد تكنولوجيا ماساتشوستس قد وجدوا أن جزيئات مركب البوليمر الكيميائي الشائكة تدمر فيروس الأنفلونزا بمجرد اللمس. ويمكن لهذه المادة التجريبية أن تستخدام كطلاء يتكامل في وظيفته مع أساليب التعقيم الأخرى ضد الجراثيم في الأماكن العامة كالمستشفيات والطائرات. بيد أن بعض الخبراء شككوا بقدرته المحتملة على ترويض الأنفلونزا.\nقاد فريق بحث معهد تكنولوجيا ماساتشوستس الباحث الكيميائي أليكزندر كليبانوف، ونشرت حصيلة الدراسة بدورية \"فعاليات أكاديمية العلوم الوطنية\" أيضاً.\nوكان الباحثون قد وجدوا أن الطلاء الشائك بالبوليمرات يقتل البكتيريا بما فيها الفصائل الإشريكية القولونية، والعنقودية الذهبية، والتي يمكنها البقاء على مقابض الأبواب وغيرها من السطوح بانتظار الأيدي التي ستلتقطها بغير علم.\nولاختبار تأثير طلاء البوليمر على فيروسات الأنفلونزا الأصغر بكثير، قام الباحثون بوضع نقط من محلول الأنفلونزا على شرائح زجاجية مطلية بالبوليمر. وبعد دقائق قليلة من تعرض عينات محلول الأنفلونزا للطلاء، لم يستطع الباحثون استرداد أي فيروس نشط من العينات. وهذا يعني أن الطلاء قد خفض وجود الفيروس المسبب للمرض بعشرات الآلاف.\nويقول الدكتور كليبانوف أن أحد الدوافع لهذا البحث المخاوف الراهنة من احتمال اندلاع عالمي مهلك لوباء الأنفلونزا. ورغم أن هذا التطوير لن ينقذ العالم من الأنفلونزا تماماً، لكنه يصلح للاستخدام كأداة مفيدة في الوقاية.\nآلية عمل الطلاء\nفي الحالة المثالية، ستستخدم جزيئات البوليمر كطلاء في المستشفيات وأبواب الطائرات وفلاتر الهواء وأدوات الجراحة وأي مكان يتواجد فيه مسبب للمرض. فلمس سطح ملوث قد يؤدي إلى نشر فيروس الأنفلونزا، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، رغم ندرة الحالات الفعلية لمثل هذه العدوى.\nفي حالة البكتيريا، يعمل البوليمر بإحداث ثقوب في جدار خلية الميكروب مما يسكب محتوياتها للخارج. وتبقى جزيئات البوليمر جاسئة لأنها موجبة الكهربية، وبالتالي فهي في حالة تنافر، كشعيرات تقف على أطرافها لدى شحنة ساكنة.\nتحتوي النتوءات (الشائكة) على شحنات قليلة، لكنها كافية لنقض جدران البكتيريا التي تتنافر مع الجزيئات قوية الشحن. ويبدو أن البوليمر يحيد الأنفلونزا لأن فيروسها يحيط به غلاف مناسب لاستهداف النتوءات الشائكة. ورغم أن طلاء البوليمر لا يبدو ساماً، إذ لم يسبب أي أذى لخلايا القرود لدى اختباره، يحتاج ترخيصاً رسمياً قبل السماح بإتاحته تجارياً.\nويعكف مختلف المخترعين مؤخراً على البحث في مبيدات الجراثيم المحتملة، من نضاحات المطهرات الآلية المثبتة على مقابض الأبواب إلى رسائل مسجلة تذكر بأدب بضرورة غسل اليدين.\nالبعض ينظر إلى طلاء البوليمر كطريقة لاستثمار هستيريا الخوف من وباء الأنفلونزا. فعالم الفيروسات بجامعة نورث ويسترن بشيكاغو، روبرت لام، يعتقد أن هذا الأسلوب في تعطيل فيروس الأنفلونزا خدعة ويفتقر للدلالة البيولوجية.\nلكن من الطبيعي أن يكون مبتكرو الطلاء أكثر تفاؤلاً؛ فميزة هذا الطلاء، بحسب كليبانوف، هي إمكانية نشره في كل مكان. فإذا كان بالإمكان طلاؤه، سيمكن أيضا جعله مبيداً للبكتيريا والفيروسات