\r\n يمكن للجهود التي يبذلها رئيس الوزراء الاسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو من اجل تشكيل حكومة مؤدية لواجباتها ان تكون بداية لنهاية العملية السلمية التي لم يسبق لها ان كانت اشد ضرورة لكل من اسرائيل والفلسطينيين. \r\n \r\n يشتهر النظام الانتخابي الاسرائيلي بافتقاره الى الاستقرار, فالحكومات تتشكل والحكومات تسقط, تلك هي الطبيعة الدورية للانظمة البرلمانية خصوصا في ديمقراطية عرقية حقودة مثل اسرائيل. الا ان انتخابات الشهر الماضي كشفت اخفاقا في النظام سببته عقود من تفادي مواجهة قضايا ملحة مثل الهوية القومية للدولة, والسياسة بعيدة المدى في مجالي الاحتلال والاستيطان, والتمسك العام بالوضع الراهن. \r\n \r\n ان غياب الزعامة السياسية الجريئة والبراغماتية منذ عام ,1948 بما في ذلك المواجهة الضرورية مع المتطرفين السياسيين والدينيين بعد عام ,1967 بات الان يهدد وجود اسرائيل كدولة يهودية يمكن ان تجمع بين الاخلاقية والديمقراطية, ومن اجل تشكيل ذلك النوع الذي يريده من حكومة يمين الوسط, يحتاج نتنياهو الى حزب كاديما كقوة معتدلة, ولكي يكون له ذلك, عليه ان يقبل بأجندة الحزب الحمائية (الى حد ما) من دون اغضاب انصاره في اقصى اليمين. وهي صفقة صعبة فحتى لو استطاع ان يجمع معا مثل هذا الائتلاف, فان من المرجح ان يتصيد حزب كاديما اول فرصة سانحة لتقويض الائتلاف والدعوة الى انتخابات جديدة. \r\n \r\n بوسع نتنياهو ان يشكل حكومة من دون كاديما معتمدا على الاغلبية الضئيلة التي تؤيده الان في الكنيست, لكن المشكلة التي تواجهه عند ذاك هو ان حكومته ستكون حكرا على اليمنيين, بما يمثله ذلك من عدم توازن ايديولوجي يمكن ان يسحب نتنياهو, وهو الصقري المتشدد الذي يقول بأنه يريد التخلص من حماس اذا ما اعطي الفرصة لذلك, الى مواقع يمينية ابعد مما يريده هو لنفسه. \r\n \r\n كيف تسنى لليمين الاسرائيلي ان يصبح بهذه القوة, وكيف تمكن حزب اسرائيل بيتنا بزعامة افيغدور ليبرمان ان يصبح الحزب الثالث في اسرائيل متقدما على حزب العمل ذي المكانة التاريخية? الجواب: بنفس الطريقة التي استطاع بها المتطرفون العرب سياسيون ومقاتلون من احراز النفوذ في الماضي اي ان الانظمة المعتدلة والعلمانية هي التي مكنتهم من ذلك, فالتصويت للمتطرفين يساعد الناس في تصريف غضبهم, كما انه يتيح للزعماء السياسيين تفادي مواجهة مشاكل بلادهم الحقيقية. \r\n \r\n في اسرائيل, ادت هذه العملية بالتزامن مع خيبة امل الجمهور في العملية السلمية الى قيام وضع لا يمكن ان يقال عنه انه في صالح الاعتقاد بأن السلام المطلق او الحرب المطلقة يمكن ان يقدما الامن الذي يتوق اليه الاسرائيليون. ومن شأن هذا ان يجعل الاختيار المقبول هو اختيار عدم فعل اي شيء, وهو اختيار لا يفيد احدا سوى المستوطنين. \r\n \r\n بدأت تظهر الآن عواقب اكثر من اربعين سنة من استغلال الاحتلال بصفته وسيلة لتحقيق الحلم اليهودي باستيطان الارض وتنفيذ الهوس التوراتي بتحقيق وعد الرب لبني اسرائيل. ومع ذلك ترجىء الحكومة إثر الحكومة مهمة تقرير العلاقة الرسمية للدولة بالأرض التي استولت عليها عام ,1967 وبالشعب الذي اصبح خاضعا لها. \r\n \r\n بوسع المستوطنين والقوميين الاسرائيليين ان يواصلوا بناء مستوطناتهم بدعم مباشر او ضمني من الحكومة ما داموا لا يهددون مواقع السلطة, فالأرض في اسرائيل تعني النفوذ, وما دام اليمين الاسرائيلي يوسع نفوذه في الضفة الغربية, فإن سلطته على السياسة تتوسع هي أيضاً. \r\n \r\n في البداية اعتبرت المستوطنات مفيدة لأمن اسرائيل حيث كان ينظر اليها خط انذار مبكر يحذر من تقدم الجيوش الغازية اضافة الى فائدتها من منظور تكتيك فرق تسد الرامي الى السيطرة على الاراضي التي استولت عليها اسرائيل, اما الآن وبعد انتفاضتين داميتين, وعدد من اتفاقيات السلام الفاشلة, وميل المعادلة السكانية لغير صالح اسرائيل, فإن تلك المستوطنات باتت تدفع بالاحتلال المبرر امنيا الى حدود التمييز العنصري مما يزيد من صعوبة اقامة دولة فلسطينية. \r\n \r\n هذه هي الوقائع التي ينبغي لنتنياهو ان يشكل حكومته في ظلها, صحيح انه يميني, الا انه اكثر ميلا لأن يكون محافظا ذا لمسة براغماتية, وفي الوقت الذي يتوقع فيه ان يجمد مفاوضات الحل النهائي وان لا يفعل الكثير لايقاف النمو الاستيطاني, فإن نتنياهو قد تحدث عن سلام اقتصادي. هذا السلام غير كاف لانقاذ اسرائيل او اقامة دولة فلسطين, لكنه يظهر ان نتنياهو ليس بذلك الدوغماتي المتعصب على غرار انصاره في اليمين. \r\n \r\n وهكذا فإن ما من زعيم اسرائيلي, بغض النظر عن هوية رئيس الوزراء او اعضاء الحكومة, يستطيع ان يمضي قدما في محادثات الدولتين, لان المخاطرة السياسية والامنية كبيرة جدا. \r\n \r\n يترك هذا للحليف الامريكي الموثوق مهمة دفع اسرائيل الى ما وراء منطقة راحتها عن طريق الاصرار العنيد كما سبق لها ان فعلت قبل ثلاثين عاما عندما ساعدت امريكا في اخراج معاهدة السلام مع اسرائيل الى النور. \r\n \r\n ان ايام مساندة اسرائيل في تصرفاتها السيئة يجب ان تنتهي, والا فسيكون علينا مواجهة احتمال شلل سياسي دائم ينتهي معه اي امل بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وبقاء اسرائيل دولة ديمقراطية وآمنة.0