\r\n دعونا نطلق على ذلك التقارب'' الفرضية البولندية''. فمن المعروف أن ''زر إعادة ضبط''العلاقات بين روسيا وبولندا قد ضُغِطَ الخريف الماضي، وذلك عندما اتخذت الأحداث مساراً، ''لم يلحظه الغرباء'' على حد قول وكيل وزارة الخارجية البولندية، وذلك عندما تعاملت روسيا، ولأول مرة بعد سقوط حائط برلين منذ ما يقرب من عقدين، مع بولندا على أنها دولة مستقلة ذات سيادة وليست دولة كانت تابعة لها في السابق. و''الحوار الاستراتيجي'' الجاد الدائر بين البلدين في الوقت الراهن يمكن أن يمثل تجربة تمهيدية لكل من واشنطنوموسكو تستفيد كل منها في صوغ شكل علاقتهما الجديدة. \r\n \r\n من الناحية الظاهرية، قد تبدو العلاقات الروسية- البولندية المعززة، مثيرة للحيرة على اعتبار أنها تأتي بعد مرور فترة قصيرة للغاية، على انفجار التوتر بين الشرق والغرب بسبب غزو روسيا العسكري لجمهورية جورجيا في أغسطس الماضي. فرئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين لم يكن قد سامح البولنديين لموافقتهم في ذلك الوقت، على استضافة الصواريخ الاعتراضية الأميركية التابعة لمشروع الدرع الصاروخية الذي يمقته، كما أنه لم يرحب بالصفقة الموازية الخاصة بوضع منظومة صواريخ باتريوت التكتيكية للدفاع الجوي والصاروخي وكذلك الأطقم الخاصة بها في قواعد بولندية في محاولة واضحة من جانب أميركا للحيلولة بين روسيا وبين ترويع بولندا. \r\n \r\n ويمكن إيجاد تبرير لسلوك الكريملن الجديد في الأزمة المالية، التي بدأت في سبتمبر الماضي، فالانهيار المالي كان تذكاراً قاسيا للاعبين الكبار بأن مصائر الجميع قد باتت متداخلة فيما بينها بشكل لا فكاك منه في عالم اليوم المعولم. \r\n \r\n لم يتحدث بوتين علنيا عن إعادة تعريف مفهوم سياسته الخارجية في أعقاب التغيرات العكسية التي حدثت في الاقتصاد الروسي، وأهمها على الإطلاق انخفاض سعر النفط الروسي بنسبة 70 في المئة عن أعلى سعر قد وصل إليه في يوليو الماضي. ومنها أيضا فقدان ''الروبل الروسي'' 35 في المئة من قيمته، ووصول حجم رؤوس الأموال الهاربة من روسيا بعد الأزمة إلى ما يقرب من 40 مليار دولار. تحت هذه الظروف، لم يعد بوتين في وضع يسمح له بالاستمرار في تنفيذ سياسته الواثقة الخاصة بإعادة تشكيل ما كان يطلق عليه''الجوار الخارجي القريب''، الذي يقصد به الدول المجاورة الخاضعة للإرادة الروسية. \r\n \r\n ويقول السيد''ترينين'' إن الأمر لم يقتصر على ذلك. فقبل الأزمة المالية، اكتشفت موسكو أن الهزيمة الساحقة، التي ألحقها الجيش الروسي بالجيش الجورجي، لم تَفِد كثيراً في استرداد مجال النفوذ السوفييتي في المناطق الأخرى، حيث لم تعترف دولة واحدة من الدول المذعورة المجاورة لروسيا بالانفصال المدعوم من قبل روسيا لأبخازيا وأوسيتيا عن جورجيا. كانت الرسالة الواضحة هي أن رؤساء بيلاروسيا، ودول آسيا الوسطى التي كانت تابعة في السابق للاتحاد السوفييتي، ليسوا على استعداد للوقوع فريسة للبلطجة السوفييتية كما وقعت دولة جورجيا الصغيرة. علاوة على ذلك، وحسب ''ترينين''، فإن مغزى استقلال الأبخاز والأوسيتيين الجنوبيين عن جورجيا لم يخفَ عن الشيشان والأنجوش وغيرهما من القوميات في شمال القوقاز، التي ترغب في الانفصال عن روسيا. \r\n \r\n والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن لتسجيل ضمني لمفهوم المصالح الروسية في ضوء الأزمة المالية، أن يتقابل مع تسجيل أوباما الصريح لأولويات إدارته في منتصف الطريق، بحيث يتم إحياء'' الصفقة الكبرى،''التي كان بوش الأب قد عرضها على الرئيس الروسي الأسبق''بوريس يلتسين''إبان سقوط جدار برلين؟ هذه الصفقة لو تمت، لكانت قد وفرت لموسكو مقعداً ثابتاً في أكبر الطاولات العالمية مقابل قبولها بالنظام الطوعي الدولي المبني على القواعد الذي قام الغرب بتطويره عقب الحرب العالمية الثانية، والذي تشمل مبادئه الأساسية، (حتى إذا لم يتم الالتزام بها دائماً على النحو المطلوب)، امتناع القوى العظمى عن استخدام القوة، وشجب استخدامها ما لم تحصل على تفويض من قبل القانون الدولي، واتخاذ القرارات بالإجماع، واستعداد الدول الكبرى لتحمل عبء المحافظة على تلك المصالح المشتركة، والعمل على إبقاء الممرات البحرية مفتوحة وآمنة، ومكافحة تجارة المخدرات، وعمليات تهريب البشر. \r\n \r\n وفي عالم اليوم، من المفترض أن تبدأ عملية صوغ''صفقة كبرى'' بتعريف المصالح الأميركية - الروسية المشتركة التي تتمثل في منع الانتشار النووي، والرقابة على الأسلحة، ومواجهة الاحتباس الحراري، وتحييد ملاذات الإرهاب الموجودة في الدول الفاشلة أو الموشكة على الفشل. \r\n \r\n المتفائلون يرون فرصة تحقق مثل هذه الصفقة في اليد الغربية الممدودة لروسيا، وفي الأمل أن يكون الأسلوب الروسي الأكثر تحضراً في التعامل مع بولندا، ورغبة بوتين في التنازل عن ديون بلاده النفطية المستحقة على أوكرانيا- مؤشراً على أن موسكو قد بدأت تفضل الاستقرار على إغراء إثارة الاضطراب والفوضى في الدول المجاورة. \r\n \r\n المتشائمون لا يعقدون أملا كبيراً على بوتين، ويقولون إن الرجل، الذي وصف انهيار الاتحاد السوفييتي بأنه ''أكبر كارثة جيوبوليتيكية في القرن'' من غير المرجع أنه يقنع بأي شيء أقل من الوضع السابق، الذي كان قائماً أيام الحرب الباردة بين موسكووواشنطن، عندما كانت موسكو عاصمة لثاني أعظم دولة في العالم - وهو وضع لم يعد في متناول روسيا في هذا العالم المضطرب الذي جاء في أعقاب انتهاء الحرب الباردة. \r\n \r\n بصرف النظر عن أي منهما - المتفائلون والمتشائمون -على صواب، فإنه قد يكون من الحصافة أن نعمل على اختبار ''الفرضية البولندية''. \r\n \r\n إليزابيث بوند- موسكو \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور \r\n \r\n \r\n