ليس هذا بجديد، فقد شاهدنا كيف خصصت وسائل الإعلام العالمية مساحات واسعة لمتابعة أنباء المنتدي الإقتصادي العالمي بمنتج دافوس السويسري، الذي شارك فيه ذات الساسة ورجال الأعمال الذين دأبوا منذ 1971، علي الجزم بأن الرأسمالية تقود العالم نحو الرخاء الآمن، والذين يعدون الآن بإحيائها دون أي شرح مقبول لأسباب الركود الكارثي الحالي. هذه الوسائل خصصت مساحة ضئيلة لمتابعة أنباء المنتدي الإجتماعي العالمي بمدينة بيليم البرازيلية، وهو الذي تزامن مع المنتدي الإقتصادي العالمي وجزم المشاركون فيه منذ بدايته في عام 2001، بأن النظام الرأسمالي النيو ليبرالي مضافا إليه سياسة تحرير الأسواق، إنما يقود في الواقع إلي كوارث مثل هذه التي يواجهها العالم الآن. لقد شارك في المنتدي الإجتماعي العالمي عدد كبير من التقدميين واليساريين، وإن كانت الإقتراحات المتعددة التي قدموها بغية إصلاح النظام الإقتصادي العالمي وتحويل شعار "عالم آخر ، ممكن" إلي حقيقة واقعة، قد شابها أحيانا التناقض بل والوهم إلي حد ما. لكن هذا لا ينكر صواب إنتقاداتهم. كان من المفترض أن يثير ذلك قدرا أكبر من الفضول من جانب وسائل الإعلام العالمية، علي الأقل تجاه صيغ التشخيص والعلاج المطروحة في بيليم، لاسيما وأن دورة المنتدي الإجتماعي العالمي هذا العام قد تبنت برنامجا بأهداف وتعبئة محددة، يتوقع أن يحظي بإهتمام الإعلام في المستقبل القريب. ومن المفيد هنا التذكير بأن المنتدي الإجتماعي العالمي قد خلص إلي ضرورة التحول من منتدي "مقاومة" وإعتراض، إلي منتدي إقتراح وعمل، كما يستدل عليه من أسلوب تناوله لقضية الأمازونية. كذلك فقد حضره أكثر من 100,000 مشارك وخمسة رؤساء (البرازيل، فنزويلا، إكوادور، بوليفيا، وباراغواي). لقد أصبحت أمريكا اللاتينية الآن أكثر مناطق العالم ميولا لليسار، ما نسب قادتها جانب من الفضل فيه إلي المنتدي الإجتماعي العالمي، حسب تأكيداتهم. والسؤال الآن هو: ما هو السبب وراء تقلص متابعة الوسائل الإعلامية لأنباء المنتدي الإجتماعي العالمي في الأعوام الأخيرة؟. لا يجوز الإكتفاء بالقول بأن الأمر يرجع إلي "قرارات إيدولوجية" تؤثر علي أجندة الإعلام في العالم، فربما ينبطق هذا علي بعض الحالات، كما أنه لا يفسر لماذا غطت وسائل الإعلام هذا المنتدي في أعوامه الأولي. هناك عوامل أخري، منها أن المنتدي الإجتماعي العالم ما زال يفتقر إلي الوسائل الكفيلة بالترويج لأنشطته بقدر أكبر من النفوذ علي الصعيد الدولي وهي الناحية التي تعرض إليها، وإنعدام القدرة علي متابعة الصحفيين، وعدم توفر الوسائل التقنية، إلي غير ذلك. إيا كان الأمر، ما زال الساسة ورجال الأعمال في العالم الغربي الرأسمالي والنيوليبرالي، أولئك الذين قضوا علي كافة آليات مراقبة النظام المالي، مازالوا قابعون في أماكنهم بإستثناءات ضيئلة، بل ويتأهبون لإنقاذ أنفسهم بأموال ضرائب المواطنين، حسبما نبه المنتدي الإجتماعي العالمي. النخبة المشاركة في المنتدي الإقتصادي العالمي في دافوس، تمثل المؤسسة الإقتصادية وغزيزتها الأبدية في المحافظة علي السلطة والنفوذ، ما يذكر بالقول القائل "غيروا كل شئ حتي لا يتغير أي شئ". (آي بي إس / 2009) بقلم ماريو لوبيتكين ، مدير عام وكالة انتر بريس سيرفس