والحقيقة أن استحداث برنامج الرأس النووي البديل الذي رفض الكونجرس تمويله على رغم المطالب المتكررة من إدارة الرئيس بوش لن يحتاج إلى إجراء تجارب نووية خلافاً للأنواع الحديثة من الأسلحة ذات الكفاءة العالية والاحتمالات المتدنية للخطأ. لكن النظام الجديد يتطلب استخدام كميات أكبر من البلوتونيوم واليورانيوم المخصب ووضع شحنة أصغر من المتفجرات في الرأس الحربي حسب الحجم والوزن المطلوبين. \r\n \r\n وقد سبق لوزير الدفاع، جيتس، أن أعلن تأييده للبرنامج الجديد موضحاً موقفه بقوله \"لا توجد وسيلة أخرى نستطيع من خلالها الحفاظ على قوة ردع ذات مصداقية وتقليص حجم ترسانتنا من الأسلحة دون اللجوء إلى إجراء التجارب، أو اعتماد برامج جديدة تغنينا عن التجارب النووية\". لكن أوباما عارض من جانبه الاقتراح وأصر على أن أميركا لن تبني رؤوساً نووية جديدة في عهده، وهو يريد بدلاً من ذلك إحياء جهود مراقبة التسلح والحد من الانتشار النووي وعدم توسيع الترسانة الحالية من الأسلحة الفتاكة. ويبدو أن أوباما في حال إصراره على مصادقة مجلس الشيوخ على المعاهدة الشاملة لحظر التجارب النووية والتزام الولاياتالمتحدة بالتخلي تماماً عن إجراء تجارب على الأسلحة سيصطدم بوزير الدفاع، وسيتعين عليه حشد الأصوات ضد روبرت جيتس. وبالطبع فإن الانتظار حتى مغادرة جيتس لوزارة الدفاع لتجميد البرنامج ليس بالخيار الجيد، حيث من المقرر إجراء مراجعة لمعاهدة عدم الانتشار مطلع عام 2010 ولا يمكن حشد التأييد العالمي للمعاهدة وتعزيز أثرها على الساحة الدولية دون توقيع الولاياتالمتحدة على المعاهدة والالتزام بمبادئها. ومع أن أوباما يستطيع ببساطة تجاوز تحفظات جيتس وإقرار المعاهدة يبقى الواقع أكثر تعقيداً من ذلك، فلم يكن صدفة إلقاء روبرت جيتس لخطاب أمام معهد \"كارنيجي\" للسلام قبل يوم الانتخاب عندما سرت إشاعات بأنه ربما سيُطلب منه البقاء في منصبه للعمل في الإدارة الجديدة، إذ يبدو أن جيتس أراد من وراء ذلك تسجيل موقف واضح من مسألة الترسانة النووية الأميركية وإبلاغ أوباما برأيه حول الموضوع. \r\n \r\n وفي هذا السياق لابد من التأكيد على أهمية موقف جيتس، ليس فقط لأنه يحظى بتقدير واسع، بل أيضاً بسبب تأثيره على المشرعين \"الجمهوريين\" الذين يتحسسون من أي حديث عن توقيع أميركا على معاهدة حظر الانتشار النووي. فعندما حاول الرئيس السابق كلينتون الدفع بالمعاهدة في الكونجرس لم يؤيدها سوى أربعة أعضاء من مجلس الشيوخ، وقد صوت ضدها حتى المعتدلون في مجلس الشيوخ بسبب تخوفهم التقليدي من المساس بفعالية الترسانة النووية الأميركية إذا حُظر عليها إجراء التجارب وقياس جاهزيتها. وحتى لو تمكن أوباما من إقناع مجلس الشيوخ بالتصديق على المعاهدة فإنه سيزج بنفسه في صراع سياسي هو في غنى عنه. ويبدو أنه يواجه معضلة صعبة بين فقدان دعم وزير دفاعه ومعظم \"الجمهوريين\" حول التصويت لمعاهدة حظر الانتشار النووي، أو الانقلاب على التعهدات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية ومواصلة ما سيعتبره العالم عودة الولاياتالمتحدة إلى تحديث ترسانتها النووية، فيما تدعو الآخرين إلى الإحجام عن ذلك. وهذه المعايير المزدوجة تثير غضب البلدان غير النووية وتضعف القدرة على حشد التأييد لجهود عدم الانتشار النووي، أو فرض عقوبات على الدول الساعية لامتلاك السلاح النووي. \r\n \r\n لا يمكن حشد التأييد العالمي لمعاهدة حظر الانتشار وتعزيز أثرها على الساحة الدولية دون توقيع أميركا عليها والتزامها بمبادئها. \r\n \r\n \r\n \r\n ولكن لحسن الحظ يبرز خيار آخر قد يخفف من حدة الاستقطاب ويسهل المهمة على الرئيس المنتخب، حيث تقوم الاستراتيجية السليمة على عنصرين أولهما التعامل مع برنامج الرأس النووي البديل على أنه إعادة تصنيع ما هو موجود أصلاً وليس بناء برنامج جديد تماماً، والعنصر الثاني هو تأجيل البرنامج حتى يراكم أوباما ما يكفي من الزخم لإطلاق مشروع الحد من التسلح. ومع أن الأمر يبدو للوهلة الأولى وكأنه تلاعب بالألفاظ، إلا أن الواقع غير ذلك، فقد أنتجت الولاياتالمتحدة في السنوات الأولى لبناء ترسانتها النووية ما يكفي من أسلحة ما زالت قابلة للاستخدام، وحتى لو أعيد تعديلها فستبقى أسلحة قديمة وليست إضافات جديدة. والأكثر من ذلك أن امتلاك أسلحة جديدة لن يمكن قادة الحرب الأميركيين من قدرات إضافية، بل سيحرمهم ذلك من الخيارت المتاحة لهم حالياً التي سبق تأمينها وتجريب مدى سلامتها، كما أن تأخير برنامج إعادة التصنيع لن يشكل أدنى مشكلة ما دامت الترسانة النووية الحالية فعالة وقابلة للاستخدام، لاسيما وأن موازنة الدفاع ترصد خمسة مليارات سنوياً لإعادة تأهيل الترسانة النووية وضمان جاهزيتها. ولذا فليس من الضروري أن يخصص أوباما موازنة لبرنامج الرأس النووي البديل على أن تستمر إدارته في بناء أسلحة تقليدية أقل فتكاً حتى عام 2015 وهي الفترة المخصصة للتأجيل، وبقليل من الحظ سيعتبر روبرت جيتس ذلك حلاً وسطاً وتتمكن الولاياتالمتحدة في النهاية من المصادقة على المعاهدة الشاملة لحظر التجارب النووية في السنة الأولى من رئاسة أوباما. \r\n \r\n \r\n \r\n مايكل أوهانلون \r\n \r\n باحث متخصص في الانتشار النووي في معهد \"بروكينجز\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n