لكن رغم طابعهما المختلف ، إلا انهما ازمتان تنطويان على انعطافة وتسببتا في تحطيم عقائد كانت شائعة وبدا ان لا تشكيك فيها في الجدل الاقتصادي والسياسي والدولي. \r\n \r\n حتى ان كانت \"نهاية التاريخ\" لفوكوياما التعبير الاكثر تطرفا عن منظومة الحقائق الشائعة هذه ، فهي في المجال السياسي والاقتصادي كانت ضمن اجماع كامل تماما لان العالم وجد في آخر المطاف نقطة التوازن الداخلية التي يريدها ، الارهاب الاسلامي المتطرف وحرب العراق والصراع الشرق اوسطي شوشت هذه الصورة تقريبا ، ولكن بدا ضمن خطوط عامة ان كبار السياسيين والاقتصاديين الدوليين يعرفون ما الذي يفعلونه والى اين يسيرون. \r\n \r\n ويتبين ان النهج كان طوباويا وساذجا في المجالين. \r\n \r\n في المجال السياسي بدا ان انهيار الشيوعية قد تسبب في نهاية الصراع الايدولوجي الذي ميز القرن العشرين ، وبعد سقوط الفاشية انفرط النوع الثاني من النظام الشيوعي السوفياتي ، وان الطريق قد اصبح مشرعا امام الانتشار الشمولي للافكار الديمقراطية التي تنطوي ايضا على نبؤة كانت السلمية. \r\n \r\n ويتبين ان الايدولوجيا السوفيتية قد اختفت فعلا ولكن الدولة الروسية - الدولة العظمى التاريخية التي حددت مصير اوروبا منذ الحروب النابوليونية بدرجة كبيرة - لم تختفي ، فبعد فترة ضعف معينة انتعشت روسيا من خلال المزج بين النظام متعدد الصلاحيات من الداخل والتعبير عن القوة واستخدامها في الخارج ، كما يتضح انه ليس هناك عالم احادي القطب يعيش في ظل العصر الامريكي ، وان اسس التنافس بين الدول العظمى لم ترحل عن هذا العالم ، كما ان الصراعات القومية والعرقية التي بدا انها قائمة في البلقان وفي الشرق الاوسط عادت لتتحول الى ذريعة لحروب حقيقية ، والقرن الواحد والعشرون اصبح مشابها جدا للقرن التاسع عشر. \r\n \r\n شيء مماثل حدث ايضا في المجال الاقتصادي ، انفراط عقد الاتحاد السوفياتي كان برهانا على علوية مبدأ اقتصاد السوق والايدولوجيا الامريكية الرأسمالية ، التي تدعو للسوق الحرة بلا كوابح والتي تفشت في ارجاء العالم كله ، الرأسماليون اعتبروا انهيار الاتحاد السوفياتي ذريعة لتوجيه الضربات لكل الايدولوجيات الاشتراكية الديمقراطية ، ذلك لان تيار شيكاغو اعتبر كل تدخل حكومي رسمي في مجريات السوق تعرضا للالية العفوية التلقائية \"الخفية\" التي تعرف كيف تكبح وتوازن تأرجحات السوق: اتركوا للاقتصاد كامل الحرية فيأتي الرخاء والازدهار للعالم كله. \r\n \r\n الى ان جاءت الازمة الحالية وبرهنت ان نتيجة ترك السوق بلا كوابح هي كارثة عالمية ، كما برهنت ان العولمة ليست ضمانة للازدهار والنمو فقط وانما هي قناة تمرر بسرعة وبلا قيود الازمة من اقتصاد الى اخر مثل الجرثومة الفتاكة بصورة شمولية. \r\n \r\n فهل تخيل احد ما قبل عام ان تقوم ادارة بوش بعملية تأميم قسرية للبنوك؟ ، اهلا وسهلا بالقادمين الى دولة الرفاه التي تعتبر فيها الدولة وليس السوق هي الضمانة لرفاه المواطن ، نحن لسنا عائدين الى الحرب الباردة ، إلا اننا عائدون الى المنافسة بين الدول الاعظم التي تسيطر فيها السياسة الواقعية وتوازن القوى على القمة. \r\n \r\n الاقتصاد الامريكي والاقتصاد العالمي سيخرجان من الازمة ولكن من الصعب ان نعود ونرى في وقت قريب رأسمالية بلا كوابح كاسحة كما شاهدنا في العقدين الاخيرين. التاريخ لا يعود ، وانما يواصل طريقه فقط في الدروب الملتوية. \r\n