وقبل ان يساء فهمي اسارع للقول ان تهديدا خطيرا يتمثل في الجهاديين الارهابيين الذين قد يكونوا مسلحين بأسلحة ذرية او بيولوجية او كيماوية ما يزال ماثلا ضدنا. ومن المحتمل جدا ان تكون هناك جماعة سرية يصعب اكتشافها منهمكة الآن, وبينما انت منصرف لقراءة هذه السطور, في التخطيط لمحاولة جديدة في غرفة خلفية في احد المنازل المجاورة لك. وتذكر ان المخططات لا تنتهي الى الفشل في جميع الحالات, لذا تظل حمايتنا من \"أيلول آخر\" في نفس الوقت الذي لا تعرض فيه حريتنا للتدمير تحديا رئيسيا امام الزعامة السياسية في كل البلدان الحرة. \r\n \r\n لكن ما ثبت خطأه في هذا الادعاء الذي يطلقه المحافظون الجدد هو ان ذلك التهديد المحدد بالذات يمكن ان يصوغ كامل نمط السياسات العالمية, وان المعركة ضد الفاشية الاسلامية ليست كما يدعي نورمان بودهوريتز, الحرب العالمية الرابعة. \r\n \r\n هناك تغيران عملاقان يصوغان عالمنا الذي نحن فيه, الاول هو ما اظهره يوم 8/8 من تحد لهيمنة الغرب يصدر عن قوى غير غربية. فهذه القوى باتت تلحق الهزيمة بالغرب في اللعبة التي كانت من اختراعه. يتنبأ محللون مثل غولدمان ساخس بأن البرازيل والصين والهند والمكسيك وروسيا ستحقق في عام 2040 ناتجا اقتصاديا مشتركا يزيد على ناتج الدول السبع الكبرى اليوم, والاقتصاد يترجم بسرعة الى سياسة. \r\n \r\n في الوقت نفسه فإن التنمية على اتساع العالم, وهي التنمية المستندة الى الحركة الحرة للسلع ورأس المال والخدمات (التي تعرف بالعولمة), باتت تفاقم مجموعة كبيرة من المشاكل العابرة للدول, وباتت مشاكل مثل انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون التي تسارع في تغيرات المناخ, والهجرات الجماعية, والأوبئة الخطيرة تطالب باستجابات دولية وتضامنية. ومع ذلك, وبخلاف ما كانت عليه الحال في تسعينيات القرن الماضي حين تطلع الرئيس جورج بوش الاب الى احلال \"نظام عالمي جديد\" محل الحرب الباردة, فإن احتمالات التوصل الى نظام دولي ليبرالي لم تعد تبدو طيبة, فالنفوذ والقوة اصبحا مبعثرين على عدد مفرط من الدول المتنافسة, الكثير منها غير ليبرالي الى جانب وصول تلك القوة الى جهات غامضة مثل \"القاعدة\". \r\n \r\n وهكذا ينبغي لنا نحن \"اصدقاء النظام الدولي الليبرالي\" ان نواجه بشكل جاد احتمالات حدوث حالة جديدة من \"اللانظام\" العالمي, او لعلها حالة قديمة - جديدة, لأن حالة \"اللانظام\" هي الحالة الاكثر شيوعا في المجتمع الدولي, فالنظام الدولي, الذي يمكن ان ندعوه سلاما, هو, على الدوام, انجاز هش. \r\n \r\n ان روسيا والصين ليستا مجرد قوتين عظميين تتحديان الغرب, فهما تمثلان, ايضا, صيغتين بديلتين للرأسمالية الفاشية, وهي المنافس الايديولوجي الأكبر للرأسمالية الليبرالية الديمقراطية منذ انتهاء الحقبة الشيوعية. \r\n \r\n قد تستهوي الاسلاموية الراديكالية الملايين من بين المسلمين, لكنها غير قادرة على تجاوز دائرة المؤمنين, والأهم من ذلك انها لا تستطيع ان تدعي بشكل مقنع الارتباط بالتحديث الاقتصادي او التكنولوجي أو الثقافي, في حين أن حفل افتتاح دورة بكين الاولمبية, شأنه في ذلك شأن ناطحات السحاب في شنغهاي, قد اظهر لنا كيف استحقت الرأسمالية الفاشية الادعاء بذلك عن جدارة. \r\n \r\n ففي ملعب \"عش الطير\" وضعت آخر التقنيات السمعية البصرية في خدمة رؤية جماعية مفرطة التنظيم ما كان لها ان تتحقق لولا توظيف الموارد المالية التي لا تجرؤ اية ديمقراطية في العالم على توظيفها في مثل هذا الغرض, وقد صرح زهانغ ييمو, المدير الفني للاحتفالات الاولمبية, بأن كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي تستطيع تنظيم استعراضات مماثلة على هذا المستوى من الايقاع الجمعي. \r\n \r\n على مدى ما يقرب من 600 عام, كان الغرب مصدر الحداثة في العالم. في أوروبا القرن العشرين واجهت الديمقراطية الليبرالية صيغتين قويتين من الحداثة كانتا غربيتين ايضا لكنهما غير ليبراليتين هما الفاشية والشيوعية. وكان جزء من شعبية ذينك النظامين يعود الى كونهما حداثيين. (قال احد العائدين المتحمسين من موسكو: لقد رأيت المستقبل وهو قابل للتحقيق). \r\n \r\n لكن الديمقراطية الليبرالية شهدت, في الآخر, نهايتهما التي لم تأت من دون حرب عالمية, وحرب باردة والكثير من المساعدة الامريكية. \r\n \r\n وها نحن الآن نرى في الصين امكانات حداثة هي غير غربية وغير ليبرالية معا, ولكن هل ان الرأسمالية الفاشية نموذج مستقر وقابل للدوام? هذا, في رأيي واحد من اهم الاسئلة المطروحة في زماننا, الذي ما يزال يعرف بأنه زمن ما بعد هجمات ايلول, لكنه ايضا زمن ما بعد 8/8 وهو زمن منتصف الليل الا خمس دقائق بالتوقيت البيئي. \r\n \r\n واذ نفكر نحن في \"اصدقاء النظام الدولي الليبرالي\" في كيفية الاستجابة لهذا التحدي فتعود الجبهات, فإنني شخصيا احس بتعاطف يفوق ما يبديه الكثير من الاوروبيين مع الفكرة الداعية الى \"سمفونية الديمقراطيات\". اذ ان علينا اولا ان نبحث عن تلك الدول التي تشاركنا قيمنا في الطريقة التي تحكم بها نفسها, ولكن مع بعض التحذيرات المهمة. \r\n \r\n علينا, أولاً, ان لا نخدع انفسنا بالظن بأننا يجب ان نقتصر في شراكتنا على الديمقراطيات الليبرالية وحدها, فقيمنا يمكن ان تجرنا الى ذلك الطريق, لكن مصالحنا سوف تدفعنا بالضرورة الى علاقات, وحتى شراكات, مع دول غير ليبرالية في الوقت الحاضر. لذا فإن اية \"عصبة للديمقراطيات\" تصطف ضد \"رابطة للفاشيات\" هي, بالتأكيد, فكرة سيئة, فاللانظام الثنائي ليس افضل من اللانظام التعددي. \r\n \r\n كما ان ليس من الذكاء في شيء ربط هذه الرؤية \"السمفونية الديمقراطيات\" بالغرب, كما حلا لرئيس الوزراء الفرنسي الاسبق ادوار بالادور الذي اقترح ما سماه \"الاتحاد الغربي\". \r\n \r\n تاريخيا, جاءت كل من الديمقراطية والليبرالية من الغرب. لكن مستقبل الحرية يتوقف على صيغ جديدة من الحداثة, قد تكون قيد التشكل في الهند او الصين او العالم الاسلامي, تتميز بأنها غير غربية, لكنها في جوهرها ليبرالية من حيث احترامها للحرية الفردية. انا شخصيا لا اراهن على مثل هذه النتيجة, لكن العمل باتجاه تحققها هو افضل ما نملك من الفرص بعيدة المدى, وعلينا ان نواجه تشاؤم الثقافة بتفاؤل الارادة.0