والحق أن مشكلة الاوروبيين منشأها عجزهم عن فهم معنى الأديان، ومكانتها في المجتمعات المؤمنة. فالاوروبيون يرون الى الديانة معتقداً خاصاً وفردياً. ولكن العالم، وهو لم ينجُ من عواقب خروج مجتمعاته على الاعتقاد على وقع العولمة، لا يشاركهم هذه الرؤية. وزعزع التمدينُ وتبني نماذج الاقتصاد الغربي والمنطق الليبرالي، والاستهلاك والتكنولوجيا، زعزعت هذه كلها أركان التنظيم الديني للعالم في المجتمعات غير الغربية. فترافق خروج هذه المجتمعات على التدين مع التوق الى الديانة التقليدية. ولم ينجُ من فشل عمليات التغريب المفروضة فرضاً، ومن فشل القومية العربية والوحدة العربية والاشتراكية، غير الهوية الدينية. \r\n \r\n ولا شك في أن الموروث التقليدي هو سند هذه الهوية. وأظهرت الحوادث الأخيرة نقمة الشعوب المزدراة. فهي تخلفت عن الركب «الغربي» وزعمه اختصار الحداثة، فتراءى لها أنها بقيت على هامش التاريخ. ويغفل الغرب ما يترتب على عولمة الاقتصاد والعادات، من تفكك الأسرة التقليدية، وتغير صلة الرجال بالنساء من جيل الى آخر. \r\n \r\n ومنذ الحرب العالمية الأولى الى نهاية مرحلة الاستعمار، استيقظ ضمير الاوروبيين، بعد طول سبات استعماري، وحاولوا فهم الثقافات الاخرى والحضارات التي لطالما أساؤوا معاملتها. ولكنهم، اليوم، اطمأنوا الى ماضيهم، وسكنوا اليه، ولم يستثنوا مرحلته الاستعمارية، وفقدوا اهتمامهم بالثقافات الاخرى. وبات الاوروبيون دعاة تعايش سلمي بين الثقافات، وهم يحتفون بالاختلافات والفروق الثقافية، ولا يكترثون لماهية هذه الثقافات. \r\n \r\n وخلص الغرب، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وفشل مشروع الثورة الاشتراكية، الى حتمية النظام الديموقراطي، وانتصار نظام السوق الرأسمالي، أي حتمية انتهاج المجتمعات طريقاً واحداً اختبر الغرب جدواه ونجاعته في ولوج الحداثة. \r\n \r\n ولعل ضغينة العالم الاسلامي القوية على الغرب مردها الى التقارب بين الاسلام وغيره من الاديان التوحيدية. فبعد الاستعمار، بات الصراع العربي – الاسرائيلي علامة على دوام العار الاستعماري في العالم الاسلامي. وعلى رغم قوة الشعور القومي فيهما، تستند كل من الهند والصين، على خلاف العالم العربي – الإسلامي، الى بناء سياسي واجتماعي متماسك، ما يخولهما الأخذ بالتكنولوجيا الغربية والفكر الغربي الاقتصادي. \r\n \r\n وتسعى الصين والهند في التفوق على الغرب، في مجالات اختصاصه، وهزيمته في عقر داره (التكنولوجية)، وضبط سيرورة العولمة من دون ان تعصف بهما رياح التغيير وتزعزهما. وعلى خلاف الهند والصين، عجزت حكومات الشرق الأوسط الضعيفة والمتسلطة، عن استقبال الحداثة ومزاياها. ففاقم العجز شعور المسلمين العرب بفقدان السيطرة على مصيرهم، وضاعفه أضعافاً. وعلى الغرب عدم التفريط بحرية التعبير والتفكير والنقد. فهذه الحرية هي أخص خصائصه. ولكن على الحكومات الغربية تفهم وضع العالم الاسلامي. ويترتب على تبنينا ثقافة النقد الذاتي وانتسابنا لها، تقدير ظروف الآخر المختلف، وقبول رغبته في الاحترام من غير مجاملة ولا هزء أو حط من شأنه. \r\n \r\n «لوموند» الفرنسية،