فقد تحولت إسرائيل في التسعينيات إلى الدولة الثانية التي يوجد بها روس يهود أو غير يهود وبدأت حكومة بوتين بالاهتمام بهذه الجالية التي ضللتها الحركة الصهيونية وقدمت لها مغريات اقتصادية للهجرة إلى إسرائيل. \r\n ومنذ أحداث جورجيا قبل أسابيع وتزايد التوتر السياسي بين روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل بسبب تدخلهم المباشر والعسكري في جورجيا ضد روسيا بدأ الاهتمام الروسي بإسرائيل يتخذ اتجاهاً لم تعهده إسرائيل منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. \r\n وبهذا الصدد يعترف (تشفي بارئيل) المحلل السياسي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن «اتجاهات خريطة المواجهات الجديدة مع روسيا وسورية لن تمر عبر قطاع غزة أو الجدار الفاصل فحسب بل ستتسع هذه المرة إلى أطراف ومناطق أخرى في الشمال».. وهذا ما تبين من التصريحات وردود الفعل التي أعلنت عنها روسيا على لسان قادتها الاثنين مدفيديف وبوتين فقد ظهر أن لغة التهديد بالعقوبات ضد روسيا تراجعت قليلاً ثم ظهر رد روسي غير آبه «بالتهديدات الأميركية باللجوء إلى العنف وقدر خبراء روس وقادة سياسيون أن موسكو قادرة على تدمير السفن الحربية الأميركية والأوروبية في البحر الأسود حيث توجد سواحل جورجيا بعشرين دقيقة.. \r\n وتشير التقارير الأوروبية إلى الخسارة الكبيرة التي ستتكبدها دول أوروبية إذا ما قررت روسيا قطع النفط عنها لأن 30% مما تستهلكه أوروبا من النفط يأتي من روسيا إضافة إلى 40% من الغاز.. ويعتقد معظم المراقبين في أوروبا أن عدم تخلي الصين عن روسيا لأن الصين تعتمد على النفط والغاز الروسي أو النفط والغاز القادم إليها من حلفاء روسيا مثل إيران، على سبيل المثال وهذا ما سوف يوجه الصين نحو دعم الموقف الروسي ومؤازرته. \r\n كما أن قيمة التبادل التجاري بين روسيا والصين زادت في العام الماضي على (48) مليار دولار ويتوقع رئيس الصين أن تصل قيمة التبادل التجاري بين الدولتين في عام (2010) إلى (60) أو (80) مليار دولار.. وتجد روسيا نفسها في وضع أفضل من نواح كثيرة في الشرق الأوسط ومصالحها فيه بالمقارنة مع وضع واشنطن رغم كثرة الأصدقاء والحلفاء الذين يتجاوبون معها. \r\n فروسيا لها علاقات جيدة مع الجزائر وسورية، وتركيا، والسودان أما واشنطن فها هي تغوص وحدها في الوحل الذي خلقته بنفسها في العراق، وأفغانستان وهي تدفع نفقات حرب باهظة لم تتوقف منذ سبع سنوات كشفت خلالها معظم تقنيات أسلحتها وصواريخها على حين أن روسيا تواصل تطوير أسلحتها وبناء جيش حديث في ظل دولة ديمقراطية روسية على طريقة الغرب.. \r\n ويعتقد المراقبون في إسرائيل وأوروبا أن ما يجري من صراع وتوتر على الساحة العالمية اليوم وفي أعقاب أحداث جورجيا يتصل بأطراف أربعة جميعهم «كبار» نسبياً وليس بين قوتين عظميين فحسب ولا يمكن لأي قوة من هذه القوى إزالة القوة الأخرى ونفوذها ووجودها مهما بلغت درجته الحالية. \r\n وتدرك روسيا والصين معها أن نفط إيران وغازها أيضاً سيتم وضعه مع نفط وغاز روسيا وكازاخستان ودول مجلس شانغهاي في مقدمة أي معركة سياسية أو عسكرية وهذا ما تخشى منه أوروبا المتعطشة للنفط الذي لا تحصل عليه إلا عبر المظلة الأميركية بغض النظر عن طبيعة هذه المظلة. \r\n وتخشى إسرائيل على ضوء هذه المقدمات الطبيعية والمعقولة من أن يتحول الشرق الأوسط إلى تشكيل محورين متناقضين ترعى أحدهما روسيا والصين والآخر واشنطن وأوروبا وفي حالة كهذه سيصبح الخاسر الأول إسرائيل بالمقارنة مع الوضع الذي ساد قبل انفجار مشكلة جورجيا وتداعياتها الإقليمية والدولية. ولذلك تقوم إسرائيل بمراقبة تطور العلاقات الروسية الأميركية والروسية الأوروبية بقلق وحذر لأنه يرتبط بمسألة إيران والتعاون الروسي الإيراني في المجال النووي مثلما يتعلق بتعزيز علاقات روسيا بسورية وتأمين أسلحة متطورة حديثة لها لحماية دورها ومكانتها كقوة عربية إقليمية تجاور العراق، وإسرائيل بشكل خاص. \r\n فالسنة المقبلة ستكون من أكثر السنوات التي تشهد فيها إسرائيل تطورات لا تستطيع توجيه مساراتها أو اتجاهاتها بما يخدم المصالح الإسرائيلية وهذا ما يعترف به بعض المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية حين يؤكدون ضرورة وجود حكومة وحدة بين مختلف الأحزاب الإسرائيلية إذا ما تقرر تشكيل حكومة إسرائيلية بعد (17) أيلول الجاري موعد الانتخابات الداخلية لحزب كاديما. \r\n ويرى بعض قادة حزب العمل أن القوى التي وقفت في وجه إسرائيل سواء إيران أم سورية أم حزب الله والمقاومة الفلسطينية أصبحت تتمتع بشرعية واستقرار أكثر مما كان عليه وضعها قبل ستة أشهر وواشنطن لم تستطع عزلها أو إضعاف نفوذها في المنطقة مثلما لم تستطع إسرائيل زحزحة الوضع اللبناني باتجاه يسرها. \r\n ويرى محللون إسرائيليون في زيارة ساركوزي أمس إلى دمشق وقمته مع الرئيس الأسد والقمة الرباعية الأخرى بحضور تركيا وقطر في دمشق نفسها انتصاراً للقيادة السورية وتراجعاً أوروبياً ويستذكرون موقف واشنطن السلبي تجاه مؤتمر «الاتحاد من أجل المتوسط» الذي قاده ساركوزي ولم تعجب واشنطن به ولا بالمشاركين فيه وخصوصاً سورية. \r\n ففي العام المقبل سيختفي بوش من الساحة السياسية وسيبقى بوتين في الحلبة الدولية بإنجاز جديد وقدرة على تحدي حالة القطب الأميركي الواحد وستنتظر أوروبا الاطلاع على البرنامج السياسي الأميركي الجديد الذي سيحمله الرئيس الجديد وسيصبح موضوع الانسحاب الأميركي العسكري من العراق في أولويات الوضع العربي السياسي إلى جانب مستقبل العملية السلمية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وبين إسرائيل وسورية. \r\n وفي العام (2009) سيتعاظم دور روسيا والصين في الساحة السياسية الدولية لأن أوروبا ستكون في حالة تنظيم داخلي وحذر أوروبي من سياسة حافة الهاوية التي طالما انتهجتها القيادة الأميركية وكانت أوروبا أول ضحاياها. \r\n