\r\n \r\n \r\n \r\n وعلى الرغم من أن السوفييت لم يتمكنوا من إنقاذ أصدقائهم العرب من الهزيمة التي لحقت بهم في حرب 1967, إلا أنهم حرصوا آنذاك على إعادة تزويد الجيوش العربية بما تحتاجه من عتاد وأسلحة حربية, مما أتاح لهم استرداد كرامتهم وجزءاً من أراضيهم المسلوبة في حرب عام 1973. كما تمكنت موسكو من تسليح الجيش السوري أيضاً, إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وقد ساعدت تلك الخطوة دمشق في التغلب على محاولة أميركية رمت إلى إبرام صفقة سلام أحادية الجانب بين إسرائيل ولبنان, كان مؤملاً منها أن تضع لبنان تحت إبط إسرائيل ونفوذها وهيمنتها المطلقة. \r\n غير أن انهيار الاتحاد السوفييتي قبل نحو خمسة عشر عاماً, أطاح بالتوازن ثنائي القطبية القائم وقتئذ. وبذلك خسر العرب الظهر السوفييتي الذي كان يحميهم, مما أتاح للولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل الاستئساد وتوسيع دائرة نفوذهما وهيمنتهما عليهم. وفيما لو كان الاتحاد السوفييتي قائماً إلى اليوم, لما تجرأت واشنطن على غزو العراق وتدميره على نحو ما تفعل اليوم. وما كان لها أن تضرب طوقاً أمنياً خطيراً على روسيا نفسها بما نشرته حولها من قواعد عسكرية منتشرة في جمهوريات آسيا الوسطى التابعة لها سابقاً, إلى جانب انتشار قواعد حلف \"الناتو\" في أنحاء مختلفة من أوروبا. كما يظل مشكوكاً فيه ما إذا كانت إسرائيل ستتمتع بكل هذه الحرية في سحق الشعب الفلسطيني, والتوغل عميقاً إلى داخل أراضي الضفة الغربية بهذا الحد الذي بلغته اليوم, فيما لو كان الاتحاد السوفييتي لا زال قائماً حتى هذا التاريخ. \r\n واليوم تكابد روسيا بوتين جاهدة في سبيل استعادة قسط من ذلك النفوذ القديم والتأثير مجدداً على مجريات الأمور والأحداث في المسرح الدولي. وقد صادفت تلك المحاولة وقتاً ما أشد حاجة إيران فيه للدعم والمؤازرة. فمن جانبها تأمل واشنطن في الحصول على دعم روسي لمسعاها الرامي لاستصدار قرار دولي فعال من الأممالمتحدة, يهدد إيران بفرض عقوبات دولية عليها, بل ربما يصل إلى التهديد باستخدام القوة ضدها, فيما لو لم ترتدع وتتراجع عن برامجها وأنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم. بيد أن موافقة روسية على خطوة كهذه, لا تلوح بوادرها بعد في أفق ومناخ التوتر والشد والجذب القائم الآن بين موسكووواشنطن. بل ليس ثمة شطط ولا مجافاة للحقيقة والمنطق في القول إنه لولا الدعم النسبي الذي تتمتع به إيران من قبل كل من روسيا والصين إلى حد ما, لكانت طهران قد واجهت المصير نفسه الذي لحق بجارتها بغداد. وعلى الرغم من أن هذا الخطر لا يزال قائماً ومحتملاً, إلا أنه في الإمكان التقاط التبرم والضيق الأميركي مما ترى فيه واشنطن عقبة روسية أمام استصدار قرار بذاك المعنى من مجلس الأمن الدولي, ويبدو ذلك واضحاً من نبرة التراشق والملاسنة المسموعة بين واشنطنوموسكو هذه الأيام. وهذا هو عين ما دفع بعض المراقبين والمحللين إلى التكهن باقتراب اندلاع حرب باردة جديدة بين العاصمتين الغربية والشرقية. \r\n على الطرف الأميركي شن نائب الرئيس ديك تشيني آخر وأقوى الحملات النارية ضد موسكو, من خلال خطابه الذي ألقاه في فلينوس في الرابع من الشهر الجاري, أمام جمهور مؤلف من رؤساء تسع من الدول العشر الممتدة من منطقة البلطيق وحتى البحر الأسود التي كانت تدور سابقاً في الفلك السوفييتي, إضافة إلى رئيس وزراء واحد مثل الدولة العاشرة بينها. وقد وجه تشيني هجوماً صارخاً وحاداً على الكرملين فيما يتصل بثلاث مسائل هي: التراجع عن المكتسبات الديمقراطية، وتقويض وحدة إحدى جاراتها, في إشارة منه إلى جمهورية جورجيا. وثالثاً وأخيراً, انتقد تشيني الرئيس بوتين على استخدام بلاده للنفط أداة للترهيب والابتزاز. وتلك إشارة أخرى إلى إبراز موسكو لعضلات شركتها العملاقة \"غازبروم\" خلال النزاع الذي شهده الشتاء الماضي بين كل من روسيا وأوكرانيا. \r\n ومن جانبه فقد رد الكرملين بغضب على تلك التصريحات والانتقادات. فبينما نعت متحدث رسمي من الكرملين التصريحات باللامنطقية, مضى وزير الخارجية الروسي سيرجيي لافروف مباشرة لانتقاد ملتقى فلينوس, واصفاً إياه بأنه محاولة أميركية مكشوفة لتوحيد وتأليب عدد من الدول والجمهوريات ضد دولة أخرى مستهدفة. \r\n ومن فلينوس طار ديك تشيني إلى كازاخستان, الحليفة الأميركية الأقوى في منطقة آسيا الوسطى, حيث هدفت زيارته إلى الحصول على دعم الزعيم الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف لمشروع يهدف إلى نقل وترحيل غاز بلاده عبر مياه بحر قزوين إلى تركيا, دون المرور بروسيا كلها. أما الأهداف الاستراتيجية الأميركية في المنطقة, فتتمثل أولاً في كسر الاحتكار الروسي لصادرات الغاز المارة بجمهوريات آسيا الوسطى, ثم ثانياً جعل تركيا محطة نقل ترانزيت للغاز الصادر من آسيا الوسطى إلى أوروبا, حيث يستطيع التنافس هناك مع نظيره من منتجات الغاز الروسية. \r\n لكن على رغم اعتماد أوروبا الكبير على واردات الغاز الروسي في الوقت الراهن, إلا أنها تبدي مخاوف من أن تحل لحظة كارثية في المستقبل, تلجأ فيها موسكو لاستخدام غازها سلاحاً سياسياً ضدها. ولعل في هذا إشارة خفية لما عناه تشيني باستخدام موسكو للغاز أداة للابتزاز أيضاً. وعلى أية حال, فمما لاشك فيه أن مثل هذه القضايا وغيرها, تندرج حتماً في أجندة قمة دول الاتحاد الأوروبي المقرر انعقادها في شهر يونيو من العام الجاري 2006. أما القمة المتوقع لها أن تكون أشد سخونة واشتعالاً من سابقتها الأوروبية, فهي تلك الخاصة بالدول الثماني الكبرى التي ستعقد في مدينة سان بطرسبورج, في عقر دار بوتين وملعبه. \r\n \r\n