\r\n يوم 15 ايار, احتشد الالاف من فلسطينيي اسرائيل في قراهم السابقة, احتجاجا على وقوع ما يسمونه النكبة, مشيرين بذلك الى تشريد الفلسطينيين الذي ترتب عليه قيام دولة اسرائيل. وبالنسبة لمعظم الاسرائيليين, تحتل الهوية اليهودية للدولة مكانة مركزية, وباسباب فخرهم بوجودهم فيها, وهو ما يرونه ارتباطا بالتاريخ. اما فلسطينيو اسرائيل, بمن فيهم الافراد الاكثر اندماجا فيها, فيقولون ان هوية جديدة يجب ان تؤسس هنا من اجل البقاء لابعد مدى للدولة. \r\n \r\n في هذا الصدد, تصرخ ايمان قاسم سليمان, المذيعة العربية البارعة, بلغة عبرية متقنة تماما, وتبعث اطفالها الى مدرسة ذات غالبية يهودية في القدس, تصرخ احتجاجا وتقول:\"لست يهودية. فكيف يمكنني ان اكون منتمية الى دولة يهودية? ان هم يعرّفون الدولة باليهودية, فمعنى ذلك انهم ينكرون وجودي فيها\". \r\n \r\n ان الصدام بين تعلق الاغلبية بالموروث, وبين آمال الاقلية موضوع اكبر من الاحتكاك. فاليسار واليمين في اسرائيل اليوم تتزايد رؤيتهم للعرب في اسرائيل, وعلى نحو اوسع منه ابان احتفالات اسرائيل الكبرى بذكرى تأسيسها الخمسين, قبل عشر سنوات, كأحد التحديات المركزية لمستقبل اسرائيل, والمرتبط ارتباطا عميقا بالبحث عن حل شامل بين العرب واليهود في فلسطين. ويخشى اليهود, في آخر المطاف, ان يفقدوا المعركة الديموغرافية لصالح العرب, سواء كان ذلك داخل اسرائيل, ام في المناطق الاوسع التي تسيطر عليها الدولة. \r\n \r\n ويقول معظم الناس, انه في الوقت الذي ينتهي فيه التعريف الذاتي للدولة كدولة يهودية, وهو ما يعني نهاية اسرائيل, فانهم يقولون ايضا ان الفشل في غرس الاحساس بالانتماء لدى المواطنين العرب خطر تماما, لان الكثير من العرب يروجون لفكرة ان اسرائيل ظاهرة عابرة, رغم مرور 60 عاما. وفي هذا الخصوص, قالت المحامية عبير قبطي, \"اريد ان اقنع الشعب اليهودي بان حصولهم على دولة يهودية يضر بهم\". \r\n \r\n الارض موضوع شديد الحساسية والالم على نحو خاص. ففي جميع انحاء اسرائيل, وفي الشمال خاصة, ما تزال بقايا عشرات القرى الفلسطينية قائمة جزئيا من دون استغلال, واثار على الارض الواسعة من الصراع الذي اوجد اسرائيل عام .1948 ومع هذا, فان بعض السكان العرب الاصليين, وذرياتهم, وجميعهم مواطنون في الدولة, يعيشون محشورين في بلدات وقرى مكتظة, وغالبا ما تكون قريبة جدا من تلك القرى, لكنهم ما يزالون محرومين من العودة للسكن في المناطق الفارغة, بينما تطالب الجماعات السكانية اليهودية حولها, وبالحاح, بالتوسع. \r\n \r\n في احد الايام الاخيرة الدافئة, قاد جمال عبدالهادي المحاميد سيارته مارا بحقول القمح والبطيخ, عبر طريق من القاذروات محاطة باشجار الصنوبر والصبّير. ثم صعد الى بقايا عدد من الدرجات, واعلن باعلى صوته:\"هذا بيتي. وهنا ولدت\". وقال جمال, البالغ من العمر الان 69 عاما, ان اعظم امنية له الان, هي ان يترك البلدة المكتظة القريبة التي يعيش فيها, ويعود الى هذه القطعة غير المستغلة من الارض, المزروعة بشجيرات الرمان على ايدي والده, والعمل فيها مثلما فعلت اجيال قبله. وقد التمس من المحكمة الموافقة. \r\n \r\n ليس جمال المحاميد ثوريا ابدا, لكنه مواطن صلب وناجح بكل المقاييس. فمن بين ابنائه طبيبة, ومحاميان, ومهندس. ومع هذا, فان سعيه الحثيث, كعربي, للعودة الى ارضه, يتعارض مع السياسة الاسرائيلية القائمة منذ زمن طويل. واذ وقف جمال فيما كان قرية \"لجّون\", واصبحت الان ارضا يبابا من الاكمات العشبية وشجر الصنوبر, تحيط بها بساتين \"كيبوتز ميجيدو\", قال \"محظور علينا ان نستغل ارضنا. وهم يريدون الابقاء عليها متوفرة لليهود. لا تميز ابنتي بين مريض يهودي وعربي. فلماذا تعاملني الدولة بطريقة مغايرة?\" ان الجواب عن ذلك له علاقة بجوهر الصهيونية - حركة اعادة احياء اليهودية وسيطرتها على الارض التي قامت فيها الدولة اليهودية قبل 2000 عام. وفي هذا الشأن, قال كلينتون بايلي, احد الباحثين الاسرائيليين الذي درس الثقافة البدوية, \"الارض هي الوجود. فان اردت ان تكون موجودا هنا, فعليك ان تملك ارضا. وهذه الدولة ليست كبيرة. فما تتخلى عنه للعرب, فلن يعود للاستعمال من جانب اليهود, الذين سيأتون لاحقا. فاسرائيل ملاذهم الآمن\". \r\n \r\n ويرى الى الدولة الفلسطينية, على نطاق واسع, على انها حل ممكن للتوترات الحاصلة مع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية, واما اثارة اي نزاع عميق مع المواطنين العرب في اسرائيل, فقد يكون مسألة اكثر تعقيدا. فالكثير من هؤلاء يشهرون تضامنهم مع اشقائهم الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الاسرائيلي. وآخرون يثنون على حزب الله الشيعي الذي انتصرت مليشياته على اسرائيل في حربها علي لبنان عام 2006 . كما ان بعض العرب في البرلمان الاسرائيلي يتهمون اسرائيل بالنازية. \r\n \r\n وفي الوقت ذاته, اصدر عدد من الربابنة الاسرائيليين احكاما وتعليمات تحرّم على اليهود تأجير الشقق وتوظيف العرب لديهم. فوفق استطلاعات الرأي, تحبذ غالبية اليهود تسفير العرب من اسرائيل كجزء من الحل بدولتين, وهي وجهة نظر كانت تعتبر, حتى عشر سنوات خلت, فكرة متطرفة. والعرب في اسرائيل يرفضون هذه الفكرة, وذلك جزئيا لانهم يفضلون واقع ديمقراطية اسرائيلية غير كاملة على اي نظام قد ينشأ في دولة فلسطينية هزيلة. ويشكل هذا جزءا من التناقض القائم لدى المواطنين العرب في اسرائيل. ومهما يكن من امر, فان سخطهم يزداد, وكذلك يتعاظم احساسهم بالانتماء. \r\n \r\n وفي الحقيقة, فان القلق والاتهامات المضادة من كلا الجانبين, قد تعطي انطباعا غير صحيح عن التوتر الثابت بينهما, اذ هناك مستوى فعلي للتعايش اليهودي - العربي في العديد من المناطق. وقد الزمت الحكومة الاسرائيلية نفسها مؤخرا بالقيام بعمل مؤكد تجاه العرب في مجالات التعليم, والبنى التحتية, والتوظيف في المؤسسات الحكومية. فقال رعنان دينور, مدير عام مكتب رئيس الحكومة, في مقابلة اجريت معه, واعلن فيها ان على اسرائيل ان تضع حدا للتمييز, قال: \"اننا نعلم انهم يريدون ارضا اوسع, وان اطفالهم بحاجة الى مكان للعيش فيه. ونحن نعمل حاليا على بناء مدينة عربية جديدة في الشمال. اما هدفنا الرئيسي من ذلك, فهو ان نعالج ما هو قائم حاليا من اقتصادين, ودمجهما في اقتصاد واحد\". لكن ما يزال عامل الوقت القصير مصدر قلق. \r\n \r\n سيمثل جمال المحاميد وابناء قريته لجوّن امام المحكمة في شهر تموز المقبل, بغاية الحصول من جديد على 20 هيكتارا من اراضي عائلاتهم, القابعة في موقعها من دون فلاحة, باستثناء شجر الصنوبر التي غرست فيها من \"الصندوق القومي اليهودي\", على ان قصتهم جميعا جزء من قصة اكبر.. ذلك انه بعد ان صوتت الاممالمتحدة, اواخر عام ,1947 على اقامة دولتين في فلسطين, احداهما عربية والاخرى يهودية, قامت المليشيات العربية المحلية, ومؤازروها في المنطقة, بمهاجمة المستوطنات اليهودية. فردت القوات الصهيونية بهجوم مضاد. فاخليت مئات القرى الفلسطينية, بما فيها قرية لجون, من سكانها الفلسطينيين, ودمرت في غالب الاحيان, فحصلت النكبة. \r\n \r\n اصبح الفلسطينيون لاجئين في لبنان, وفي الضفة الغربية التي ضمت الى الاردن بعد تلك الحرب, وفي قطاع غزة التي تولت مصر الاشراف عليها. غير ان جزءا من الفلسطينيين, مثل جمال المحاميد, بقي في هذا الجزء من بلاده الذي اصبح ضمن حدود دولة اسرائيل, لكن لاجئا في بلدات وقرى فلسطينية اخرى فيها. وقد اعطوا الجنسية الاسرائيلية, ووعدوا بالمساواة التي لم يحصلوا عليها ابدا. اما الذين غادروا بلدهم او طردوا من قراهم, فلم يسمح لهم بالعودة الى ديارهم, وامضوا السنوات الستين المنصرمة يشاهدون اراضيهم يفلحها, او يبني فوقها قادمون جدد, كثيرون منهم لاجئون من القمع النازي او من معاداة السامية. \r\n \r\n في عام ,1953 قرر البرلمان الاسرائيلي ان حوالي 120.000 هيكتار من اراضي القرى التي تم الاستيلاء عليها انها ملك للدولة, لاغراض الاستيطان او الدواعي الامنية, ويعيش جمال المحاميد, ومئتان من ابناء بلده رافعي الدعوى, في ام الفحم, وهي بلدة مكتظة بالسكان بالقرب من الارض التي كانوا يملكونها, وفي هذا الخصوص, تقول سهاد بشارة, المحامية لدى \"عدالة\", التنظيم المكرس للدفاع عن حقوق العرب في اسرائيل, ومقره مدينة حيفا, \"تقوم دعوانا على اساس انه طالما لم تستغل هذه الاراضي طوال هذه السنوات جميعها, فما من حاجة الى مصادرتها\", لقد خسرت سهاد بشارة هذه المحاججة لدى محكمة المنطقة, التي وافقت مع الحكومة على ان اشجار الصنوبر المزروعة في تلك الاراضي المحيطة بلجون, ومشروع معالجة المياه فيها تعتبر مستوطنة. \r\n \r\n ليس صعبا على المرء فهم تفاصيل الهوة القائمة بين العرب واليهود في كل مجال تقريبا.. كالصحة والتعليم والتوظيف.. وكذلك الفارق الواسع في الانفاق الحكومي على كل قطاع من قطاعات الحياة. فالاسر العربية في اسرائيل, التي تعيش دون حد الفقر, تساوي ثلاثة اضعافها بين الاسر اليهودية. وقد تحدثت دراسة حكومية عن ضرورة القضاء على \"وصمة التمييز\". \r\n \r\n وفي مكتب رئيس الحكومة, ابدى دينور اهتماما كبيرا في هذا الموضوع, والتقى الزعماء العرب في اسرائيل عدة مرات, وقال دينور بانه قد تتوفر فرصة في وقت ما لبعض العرب ان يعودوا الى قراهم الاصلية, لكن ذلك لن يتم الا كجزء من عملية اوسع من الاندماج والتقدم والمصالحة الاقليمية, والا فان اليهود الاسرائيليين يخافون من ان تكون غاية العرب استعادة جميع البلدات والقرى التي فقدوها في حرب .1948 ويتفق مع هذا الرأي آخرون مهتمون بهذه القضية. فقالت سارة كرايمر, التي عملت على التعايش بين العرب واليهود فترة 25 عاما, ان اي شيء يبدو هادفا الى قلب العملية, التي جرى بموجبها تحويل الارض الى ارض يهودية بالاساس, انما يثير مخاوف كبيرة في اسرائيل. اما الخوف فيمثل في خسارة الدولة اليهودية\". \r\n \r\n وبالنسبة للكثير من الاسرائيليين, فان الخطر الذي يمثله العرب من سكان اسرائيل, لا يمكن فصله عما يرونه مخاطرة على نطاق المنطقة, مثل: تعاظم النفوذ الايراني \"رغم ان ايران ليست دولة عربية\", وتنامي الاسلام الراديكالي, والقلق من ان حربا اخرى على لبنان او على قطاع غزة ليست بعيدة. وفي هذا الشأن, قال مايكل اورين, احد الباحثين في \"معهد شالم\" للبحوث في القدس, انه عندما يستعد الجيش للحرب, فذلك يتضمن التعامل مع احتمال ان ينتفض العرب في اسرائيل ضد الدولة. \r\n \r\n كما يعتقد كثيرون ايضا - وهذا ما يتفق عليه اليهود والعرب - بانه من دون حل النزاع الفلسطيني حول الضفة الغربية وقطاع غزة, فلن تخف, او تتلاشى, التوترات الداخلية. ومع الاخذ بالاعتبار للتشاؤم الذي يلف مباحثات السلام مع الفلسطينيين, فلا تبدو التوقعات مشرقة. فالمحاججة التي يسوقها العديد من العرب تقول ان اقامة دولة اسرائيل كانت ظلما فادحا وقع عليهم, ولا بد من تصحيحه وتصويبه الان. اما اليهود فيرفضون ذلك رفضا شديدا ويقولون ان اقامة دولة اسرائيل هي التصويب لمجموعة من المظالم التاريخية التي اقترفت بحقهم. \r\n \r\n عبدالوهاب دراوشة, النائب السابق في البرلمان, والرئيس الحالي للحزب العربي الديمقراطي, صرح من مكتبه في الناصرة قائلا: \"ليس ذا شأن هذا الذي يجري, فنحن لن نرحل عن هذا المكان ثانية, اذ كان الرحيل عام 1948 غلطة كبيرة ومع هذا, فهويتنا الفلسطينية تتعزز اكثر واكثر. وليس بامكان احد قطعنا من شجرة\". ولدى سؤاله عن برنامج في يوم استقلال اسرائيل, اجاب, \"سأحمل معولي للعمل في الارض حول شجرات زيتوني\".0 \r\n