\r\n كانت الجماعة تبحث عن مجموعة من القرى اليهودية المعروفة باسم »غوش صهيون« كان العرب قد احتلوها ودمروها خلال حرب عام 1948 . كانت الضفة الغربية قد خضعت للسيطرة الاردنية خلال السنوات التسع عشرة الممتدة ما بين 1948 و1967 . لكن الذين ظلوا على قيد الحياة من ابناء غوش صهيون لم يقطعوا الامل بالعودة وها هم الان يعودون وفي نيتهم البقاء. وهي نية شاركهم فيها الاسرائىليون الذين انتقلوا في نفس الوقت تقريبا الى المناطق المحتلة حديثا في مرتفعات الجولان والمدينة القديمة في القدس طاردين منها مئات الاسر العربية. \r\n \r\n اليوم, وبعد اربعين عاما من ذلك التاريخ, يعيش حوالي 250 الف اسرائيلي في حوالي 125 مستوطنة اسرائيلية معترف بها في الضفة الغربية. وهناك 180 الفا غيرهم يعيشون في المناطق التي تم ضمها من القدسالشرقية, وحوالي 16 الفا يعيشون في الجولان. \r\n \r\n يعتبر كتاب »سادة الارض« من تأليف الصحافية اكيفا الدار والمؤرخة اديث زرتال الذي نشر باللغة العبرية عام 2005 اوسع الكتب التي وضعت عن اولئك المستوطنين واكثرها شمولية يصف الكتاب الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي المحتلة بكونه محصلة الضغوط السياسية والعاطفية التي مارسها المستوطنون ببراعة على الحكومة الاسرائيلية التي كانت غير متحمسة لتلك السياسة. لكن جرشوم غورنبرغ اتبع ذلك بكتاب جديد هو كتاب »امبراطورية الصدفة« الذي يقدم فيه تحليلا اعمق للظاهرة الاستيطانية, في هذا الكتاب لا يرى غورنبرغ في المستوطنات مجرد نتاج للمناورة السياسية, انما يعتبرها ايضا تعبيرا عن هوية اسرائىل نفسها. فالاستيطان في الارض كان على الدوام جزءا جوهريا من التجربة الصهيونية. لكن كثيرا من الاسرائيليين كانوا قد فقدوا ثقتهم بالحلم الصهيوني القديم بحلول عام 1967 . ثم جاء النصر الاسرائيلي الساحق في ساحة المعركة ليعكس هذا التوجه, مشجعا الكثير من الاسرائيليين على الانضواء تحت العباءة الصهيونية من جديد وبدء حياة جديدة في الاراضي المحتلة حديثا. \r\n \r\n في كتابه »امبراطورية الصدفة: اسرائيل وولادة المستوطنات« يتابع غورنبرغ وهو صحافي اسرائيلي من اصل امريكي, نشوء وتطور الحركة الاستيطانية في الارض المحتلة. لكنه يخفق في تحليل السبب وراء تحول المستوطنات من تعبير عن الحماسة الصهيونية الى تهديد وجودي وعبء اخلاقي يثقل كاهل البلاد. \r\n \r\n الاحتلال غير الضروري \r\n \r\n على الرغم من ان حرب الايام الستة قد انتهت باحتلال غزة والجولان والضفة الغربية, فان الاستحواذ على الضفة الغربية لم يكن من بين اولويات اسرائيل عند بدء الحرب. اذ ان معظم الاسرائيليين كانوا سيرضون بالحصول على السلام وحده تبعا لخط الهدنة عام 1949 . \r\n \r\n الا ان عددا آخر من الاسرائيليين لم يكف ابدا عن الحلم باسرائيل العظمى. وكان البعض يبرر رغبته في الحصول على المزيد من الارض باسباب استراتيجية, في حين كان البعض الآخر مدفوعا بالمشاعر الدينية والقومية. وعلى الرغم من ان هذين الفريقين ظلا خارج نطاق الغالبية السائدة, فانهما مارسا تأثيرا معنويا وسياسيا كبيرا خلال السنوات العشرين الاولى من عمر اسرائىل. \r\n \r\n يكتب غورنبرغ ببصيرة ثاقبة عن تلك القوى وبضمنها الراديكاليين داخل حركة حزب العمل الحاكم الذين عارضوا فكرة التقسيم منذ عشرينات القرن الماضي واستمروا في معارضتهم لها بعد قيام دولة اسرائيل. وتجده من دون مقتطفات من صلوات بعض الحاخامين ودعواتهم بان يستولي اليهود على حائط المبكى وغيره من المناطق المقدسة لديهم والتي اصبحت بعد عام 1949 تحت السيطرة الاردنية, وقد كانت هناك قوة مهمة اخرى هي حزب حيروت (الحرية) اليميني بزعامة مناحيم بيغن الذي فاق جميع الفئات والاحزاب الاخرى في المحافظة على الامل باقامة اسرائيل الكبرى حيا على الاجندة السياسية الاسرائيلية بعد عام 1949 . وبصفته عضوا في حكومة الحرب التي شكلت على عجل في شهر حزيران ,1967 لعب بيغن دورا رئىسيا في التوصل الى القرار المصيري باحتلال القدسالشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة. \r\n \r\n لم يكن ذلك القرار, بأي وجه من الوجوه, نتيجة حتمية او طبيعية لما افرزته الحرب. ففي عام ,1967 كان الخطر العسكري الاكبر الذي يتهدد اسرائيل يتمثل في مصر. الا ان هذا الخطر قد ازيل بفاعلية خلال الساعة الاولى من الحرب عندما اجهزت القوة الجوية الاسرائيلية علي جميع طائرات مصر الحربية تقريبا حتى قبل ان يتسنى لتلك الطائرات الاقلاع من مدارجها. منذ تلك اللحظة فصاعدا, لم يعد لدى اسرائيل سبب للخوف على وجودها. فلماذا, اذن, اقدمت على احتلال الضفة الغربية? \r\n \r\n قبل الحرب بستة اشهر فقط, كان خبراء الاستخبارات الاسرائيلية قد حذروا الحكومة من مغبة الاستيلاء على المنطقة لان ذلك يتطلب من اسرائيل السيطرة على شريحة كبيرة من السكان الفلسطينيين المعادين, لكن الحكومة الاسرائىلية تجاهلت تلك النصيحة. صحيح ان الجيش الاردني كان قد استفز اسرائيل بتجاهله تحذيراتها من القيام بقصف القطاعات الاسرائيلية من مدينة القدس, لكن رد الهجمات الاردنية ما كان ليستدعي ابدا احتلال الضفة الغربية. فالاستيلاء على الارض كان عملا غير عقلاني وبالضد من المصلحة الوطنية الاسرائيلية. \r\n \r\n يبدو ان خير تبرير لتلك الحماقة هو في حالة النشوة التي استبدت باعضاء حكومة الحرب الاسرائيلية في اعقاب النصر العسكري السريع على الجبهة المصرية. فقد تم تناسي المنطق والاستراتيجية. ولم يكلف احد من الوزراء الاسرائيليين نفسه بالسؤال عما اذا كان الاستحواذ على الضفة الغربيةوالمدينة القديمة في القدس يخدمان حقا مصلحة البلاد. \r\n \r\n يبدو ان النصر قد ساق البلاد باكملها الى حالة جنونية, تصرف الكثير من الاسرائيليين كما لو انهم قد انقذوا بمعجزة من الابادة وانهم قد بلغوا عصر الخلاص. وفسروا النصر على انه اشارة من الرب. طالب شلومو غورين كبير حاخامات الجيش الاسرائيلي بنسف المساجد الاسلامية القائمة في جبل الهيكل, وطالب دافيد بن غوريون, اول رئىس لوزراء اسرائيل, بتدمير جدران المدينة القديمة في القدس. اما رئيس الوزراء في حينه ليفي اشكول فقد بحث بجدية في ترحيل مئات الالوف من الفلسطينيين من سكنة المناطق المحتلة الى العراق. \r\n \r\n الصدمة والرعب \r\n \r\n بعد الحرب, انقسمت الحكومة الاسرائيلية على نفسها حول كيفية التصرف. وقف الحمائم الذين يفضلون اعادة معظم الاراضي المحتلة ومقايضتها بالسلام في جانب تحت زعامة وزير المالية بنحاس سفير. في حين وقف على الجانب الاخر الصقور من ضمنهم بيغن ونائب رئىس الوزراء ايغال آلون, ووزير الدفاع موشي دايان, وكانوا جميعا يرغبون في الاحتفاظ بمعظم الاراضي. كان رئىس الوزراء ليفي اشكول مترددا وغير قاطع الرأي. وانقسم المواطنون الاسرائيليون بدورهم حول ما يتوجب عمله. الا ان الغالبية كانت ترى ضم القدسالشرقيةوغزة الى اسرائيل ضما نهائيا, كما كانت الغالبية تميل ايضا الى الاحتفاظ بجزء من الضفة الغربية على الاقل. \r\n \r\n تتأصل فكرة الاستيطان في تلك الاراضي عميقا في العقيدة الصهيونية, حيث تعتبر فكرة العودة »شيفا« فكرة مركزية في التراث اليهودي والصهيوني. فدولة اسرائيل, تبعا للرؤية الصهيونية, ولدت عندما عاد اليهود من الشتات الى ارض اسلافهم التوراتيين. ويعتقد العديد من الاسرائيليين ان لهم حقا قطعيا في الارض: كل الارض. وقد شكلت النزعة الاستيطانية حجر الزاوية في الحركة الصهيونية منذ قدوم الرواد الاوائل للعيش في المنطقة. \r\n \r\n يشير غورنبرغ الى مصدر آخر اكثر حداثة للحماسة التي حركت مستوطني اسرائىل الجدد بعد عام 1967 . ونجده يشير في كتابه الى عدد كبير من الحوارات المعمقة التي اجراها مع كثير من اولئك المستوطنين الذين يربط بين تجربتهم وبين حالة عدم الاستقرار التي ميزت نهاية ستينات القرن الماضي في اوروبا والولاياتالمتحدة, يقول غورنبرغ ان الشباب الذين عملوا على تأسيس حركة »اليسار الجديد« حول العالم كانوا يعانون من »عقدة اللاشرعية«. فقد شعر اولئك الشباب المتكئين على دعائم من البطولات اليسارية التي حققها جيل ابائهم بانهم يشكلون خيبة لذلك الجيل بكل ما ينعمون به من حياة رخية. وكان تلاميذ المدارس في اسرائيل قد تربوا على حكايات رواد ما قبل قيام الدولة ممن تصدوا للعداء العربي والبريطاني, وصارت حياتهم تبدو لهم ناعمة جدا بالمقارنة مع حياة اولئك الرواد. بحلول ستينات القرن الماضي, كان ابناء الجيل الجديد قد بلغوا سن الرشد, وكانت التحديات الاولى التي واجهت اسرائىل قد بدأت تبهت, وكان الروتين الاسرائيلي يحل محل الدراما الصهيونية. واخذ الكثير من الشباب الاسرائيليين يشعرون بان بلادهم قد كفت عن اعطائهم ذات الاحساس الاسطوري بالمغامرة. ولم يقف الامر عند حدود توقف الهجرة الى اسرائىل في ذلك الحين, انما تعداه الى مغادرة الالاف من الشبان الاسرائيليين البلاد بلا عودة والاستقرار في الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n