غير انه ليس بالامر الطبيعي بالنسبة لمعلم مدرسة عربي, ان يقف امام التلاميذ في احد الصفوف المدرسية, ويتحدث عن \"حرب الاستقلال الاسرائيلية\", ولا يذكر لهم ان الفلسطينيين يسمّون الحدث نفسه \"النكبة\". وادراكا لذلك, اعطت وزيرة التربية والتعليم الاسرائيلية, الاسبوع الماضي, مصادقتها على كتاب مدرسي مقرّر بالعربية, يتضمن ذكر \"النكبة\", في خطوة حظيت بالترحيب من بعض الجهات, واثارت الغضب لدى جهات اخرى. \r\n \r\n في هذا الخصوص, يقول عيسى جبر, الذي يشرف حاليا على نظام تعليمي في قرية ابو غوش العربية داخل اسرائيل, وتقع قرب القدس, ويلتحق حوالي 1000 من ابنائها بالمرحلة الثانوية سنويا, \"في جميع الاحوال والازمان, كنا, كمعلمين, نواجه معضلة تتمثل في: تدريس المنهاج كما هو, او تدريس ما يجول من مشاعر داخلية فينا\". \r\n \r\n ويبدو الخلاف مركزا على بضعة سطور صغيرة كتبت لاطفال صغار. اما الكتاب المنهاجي المقرر قيد البحث, فموضوع لتلاميذ الصف الثالث الابتدائي. وقد وضع اصلا باللغة العبرية, وترجم الى اللغة العربية. \r\n \r\n لكن اهمية هذا الكتاب تمتد الى ما هو ابعد من غرفة الصّف. فالصهاينة التقليديون يرون في تعليم الاطفال والنظر الى عام 1948 عام \"النكبة\", بانه يعطي الشرعية لقرار البلدان العربية بعدم القبول بإنشاء دولة اسرائيل. وبالنسبة لحوالي 1.2 مليون عربي, من مواطني اسرائيل, فان تجاهل هذا المصطلح يعتبر انكارا لجزء من تاريخهم. فيقول عيسى جبر, \"والآن, بمقدورنا ان نعبر عما نعرف وعما نحسّ به. وعلينا ان نقوم بذلك بمسؤولية, على مستوى التربية والتعليم ولا على مستوى السياسة\". \r\n \r\n ومثل الكثير من القضايا الاخرى في هذا الجزء من العالم, هذه مهمة الحديث عنها اسهل من التطبيق. فقد هاجم العديد من السياسيين اليمينيين في اسرائيل, ابتداء من رئيس الوزراء الاسبق بنيامين نتيناهو حتى اعضاء في حزب \"كاديما\" الحاكم, وزيرة التربية والتعيم, يولي تامير, على قرارها السماح بالاشارة الى \"النكبة\" في الكتب المنهاجية الاسرائيلية. ويطالب عدد من نواب البرلمان الاسرائيلي رئيس الحكومة ايهود اولمرت باقالة الوزيرة تامير, التي وضعتها شهرتها, كيسارية واحد نشطاء حقوق الانسان, في حالة احتكاك دائم مع القوميين المتشددين. ففي الفترة الاخيرة, على سبيل المثال, حاولت تامير السماح باستعمال خرائط في المدارس الاسرائيلية تبين \"الخط الاخضر\", اي حدود اسرائيل مع الاردن, قبل عام .1967 فالاجندة التي تبدو مقبولة منطقيا في الخارج, والمتمثلة في ان يعرف التلاميذ الاسرائيليون معرفة يقينية, اين كانت الحدود قبل 40 سنة, وما هي المناطق التي يعتبرها القانون الدولي اراضي محتلة, مصيرها الرفض من بعض الكتل والتنظيمات اليمينية في اسرائيل. فيقول زيولين اورلي, عضو البرلمان عن الحزب القومي الديني, \"ان استعمال كلمة \"نكبة\" تفسير سياسي للواقع القائم, ويمثل رأيا طالما استعمل لسحب الشرعية عن حق اسرائيل في الوجود. لهذا نحن بحاجة الى مقاومته, لا القبول به. \"مضيفا بأن هذا الاجراء معاد لليهود, وطالب باقالة وزيرة التربية والتعليم من الحكومة. \r\n \r\n جماعات مختلفة وتواريخ مختلفة \r\n \r\n تطال كلمة \"نكبة\" قضايا تعقد حياة المربين والمعلمين وصناع السلام المستقبليين على حد سواء, ووضع اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص. فيقول الفلسطينيون ان اسلافهم اخرجوا بالقوة من ديارهم, بينما يقول معظم الاسرئيليين ان غالبية الفلسطينيين قد غادروا بلادهم بتشجيع من قادة البلدان العربية الذين اوعزوا اليهم بالابتعاد عن الطريق الذي يلحق بهم الاذى, وافساح المجال امام جيوشهم لطرد الصهاينة. \r\n \r\n وتشير السجلات الاسرائيلية اليوم الى ان الحقيقة تكمن بين الادعاءين: اي ان بعض سكان القرى العربية قد اكرهوا على المغادرة تحت تهديد السلاح, بينما هجر البعض الآخر بمحض اختيارهم. \r\n \r\n في هذا الخصوص, يقول اورلي متبنيا وجهة نظر الاسرائيلية التقليدية عما حدث في عام ,1948 \"القيادة العربية هي التي خلقت هذه النكبة; فهي التي دعت السكان المحليين العرب الى ترك منازلهم, كي تتمكن من رمي اليهود في البحر. فان كانت وزيرة التربية تريد تعليم الاطفال كما لو كنا نحن سبب هذه الكارثة, فلماذا ينبغي على العرب ان يكونوا مواطنين مخلصين للدولة? وقرارها هذا عبارة عن هدية لاولئك الذين يريدون التحريض على اسرائيل\". وقد اجرى اورلي, مؤخرا, استطلاعا للرأي, تبين فيه ان حوالي 60 بالمئة من الجمهور العام الاسرائيلي يتفق معه في هذا الرأي. \r\n \r\n وفي قرية ابو غوش, التي ينعم سكانها بعلاقة سلسلة مع دورهم كأقلية عربية داخل الدولة اليهودية, ويؤمّ مطاعمها الطريفة الاسرائيليون في عطل نهاية الاسبوع, لا يقتصر قرار وزيرة التربية والتعليم على كتاب منهجي مقرر للصف الثالث الاساسي, بل انه يفتح الباب, من وجهة نظر مدير المدرسة, على التعليم الصحيح. وفي هذا الصّدد, يقول عزمي عرفات, معلّم التاريخ سابقا, \"علينا ان نفكر في كيفية تضمين ذلك في المنهاج الدراسي. اما التغيير الحقيقي فيتمثل في ان نظرة مسؤولين اسرائيليين تجاه المجتمع العربي آخذة في التغيير نحو الافضل\". ويقول آخرون افزعتهم العاصفة السياسية التي اثارها هذا القرار, ان ذلك يمثل خطوة صغيرة نحو تخصيص وقت مماثل لتدريس وجهة النظر العربية في المدارس. فيقول ابراهيم صرصور,, رئيس الحركة الاسلامية في الجنوب, وهو يتظاهر احتجاجا امام البرلمان الاسرائيلي, ومطالبا بحقوق المواطنين البدو الاصليين, \"هذه خطوة هامشية, ولا علاقة للسياسة الرسمية للحكومة بالقرار ان لم يقبل به الوزراء زملاء تامير\". مضيفا بان ما يحدث يعد تأثيرا حقيقيا يتمثل في مطالبة جميع المدارس اليهودية في اسرائيل بتعليم الطلبة ما حدث عام 1948 من وجهة النظر العربية ومن المنظور الصهيوني. \r\n \r\n تبلور الهوية العربية في اسرائيل \r\n \r\n افصح الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني عن نفسه باطراد في شكل التوترات العربية - اليهودية داخل اسرائيل. وقد مهّد جيلان قبلا الدلالة عليهما كعرب اسرائيل, مهدا الطريق امام جيل يفضل ان يسمي نفسه فلسطيني اسرائيل, او فلسطينيي بجنسية اسرائيلية. وادى هذا التبلور في الهوية. مصحوبا بمعدل توالد يفوق دائما نظيره اليهودي, الى الحذر المتزايد, لدى العديد من القوميين الاسرائيليين, من تنامي عدد الاقلية العربية. \r\n \r\n وفي الوقت ذاته, اتفقت مجموعة من الاحزاب السياسية العربية, مؤخرا, على المطالبة باستقلال ثقافي وتربوي - تعليمي. وفي هذا الخصوص, يقول عضو البرلمان الاسرائيلي, جمال زاحلكا, ان قرار تضمين مصطلح \"النكبة\" في كتاب مدرسي مقرر هو لعبة اطفال. فقد \"اثار ذلك اعصاب السياسيين الاسرائيليين, لانهم يخشون الرواية العربية\". وقال زاحلكا ايضا ان ملعميه, عندما كان طفال, حاولوا بكل ما استطاعوا من جهد ان يوفقوا بين المنهاج المتبع وبين التفسير العربي. \"فالعديد من المعلمين سيقولون للتلاميذ: \"نحن مجبرون على ان نعلمكم بان هذا هو ما حدث. فان كتبتم ذلك في ورقة الامتحان, ستحصلون على علامة .100 وتحاول الكتب تشكيل هويتنا, لكنها تتجاهل تاريخنا. وبالنتيجة, فانه حتى المعلمون لا يؤمنون بما يدرسونه التلاميذ\". \r\n \r\n