لكن بوتين، كعادته، نفى ما جاء في التقرير بطريقته الأخاذة، وانتقد وسائل الإعلام ل\"تطفلها على حياته الخاصة ولأوهامها البعيدة عن الواقع\"، ثم ما لبثت أن احتجبت الصحيفة الروسية التي نشرت الخبر. والحقيقة أنه ربما تكون الصحيفة تطوعت من تلقاء نفسها في أحد مظاهر جلد الذات وإظهار مدى حبها للقيصر، عندما شعرت بالندم والخجل وقامت بإغلاق أبوابها. وليتأكد مجلس \"الدوما\" بأن الحادث لن يتكرر في المستقبل، وافق بعد أيام قليلة على قانون صودق عليه ب 339 صوتاً مقابل صوت واحد يسمح للسلطات بإغلاق أي صحيفة روسية أخرى، تتجرأ على نشر تقارير مماثلة. \r\n \r\n والواقع أنه لم يعد جديداً ولا مثيراً للجدل أن نلاحظ كيف قاد بوتين \"روسيا إلى نوع فج من الحكم الشمولي بملامح فاشية\"، كما قال الأكاديمي الفرنسي \"بيير هاسنير\" في خطاب ألقاه الخريف الماضي. لكن مع ذلك من المفيد استحضار الأسلوب الممنهج والدؤوب الذي اعتمده بوتين للزحف في اتجاه الديكتاتورية، لأن الأحداث الأخيرة تثير مخاوف من أنه يتبع نفس النهج لخنق الاستقلال وأجواء الحرية التي تنعم بها الدول المجاورة لروسيا، وذلك لأول مرة منذ انفصالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991. فالرئيس بوتين لم يعلن قبل ثماني سنوات أنه ينوي إقامة نظام شمولي تخضع فيه جميع المحطات التلفزيونية لسيطرة الكريملن، ويحسم فيه بوتين موعد الانتخابات، فضلاً عن التفاف كبار رجال الصناعة وحكام المحافظات حول سياساته وتسليط أيدي الشباب الروسي القومي للعبث وتهديد كل من يجاهر بالمعارضة لسياسات الرئيس ويشكك في دوافعه. \r\n \r\n في مسعى لإيجاد الأعذار ل\"روسيا- بوتين\"، عمد الغرب إلى مقارنة وضعها الحالي ب\"روسيا- ستالين\" وكأن الفروق الإيجابية بين العهدين تبرر التراجع الحالي عن الديمقراطية. \r\n \r\n \r\n وهو في منهجه التدريجي للسيطرة على مقاليد السلطة، لم يصرح بأنه ما إن يتنازل عن الرئاسة حتى يكون قد بحث عن بديل في حزب سماه \"روسياالمتحدة\"، وبأنه سيقبل في سابقة هي الأولى من نوعها رئاسة الحزب دون أن ينضم إليه. ومع أن بوتين لم يشرف على كل ذلك بنفسه، إلا أنه زحف ببطء ودهاء على السلطة دون أن تقر إدارة الرئيس بوش والحكومات الغربية بما يجري تحت أنظارها. وفي مسعى لإيجاد الأعذار ل\"روسيا- بوتين\"، عمدت الحكومات الغربية إلى مقارنة وضعها الحالي ب\"روسيا- ستالين\" في عهد الاتحاد السوفييتي، وكأن الفروق الإيجابية بين العهدين تبرر ما يجري حالياً من تراجع عن الديمقراطية. وحتى عندما تحولت السلبيات إلى صورة قاتمة تفوق أية قدرة على الإنكار، بقيت الدول الغربية على ترددها واستنكفت عن إغضاب الدب الروسي. لذا ليس مفاجئاً أن يشعر قادة الدول الصغيرة المجاورة لروسيا بالقلق والانزعاج حيال التهديدات التي تمثلها سياسات بوتين على سيادة دولهم ومستقبل أوطانهم. فقد عانت إستونيا على سبيل المثال من هجمات إلكترونية على مواقعها الحكومية، وحوصرت الصادرات الجورجية إلى روسيا ومُنعت من اجتياز الحدود. أما أوكرانيا، فقد وجهت لها روسيا تهديداً باستهدافها بالصواريخ النووية، إنْ هي فكرت في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ورأت كيف تعرض رئيسها المنتخب إلى التسمم، وكاد على إثره أن يفقد حياته. \r\n \r\n وقد أخبرني رئيس إستونيا \"توماس ألفيس\" في زيارة قام بها إلى واشنطن بأن \"روسيا أصبحت خطراً حقيقياً على كل الدول الشيوعية السابقة، لا سيما إذا تحولت إلى الديمقراطية، وفرضت مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان\". واستكمالاً لهذا النهج المناوئ للدول المتاخمة للحدود الروسية، أصدر الرئيس بوتين قراراً يقضي بتقنين العلاقات وشرعنتها مع \"أبخازيا\"، و\"أوسيتا الجنوبية\" اللتين تسعيان للانفصال عن جورجيا، وهو استفزاز يريد بوتين من خلاله أن يفهم المسؤولين في جورجيا بأنهم لا يملكون السيادة حتى على شعبهم بعد مطالبة الرئيس الروسي جزءا منه بالاستقلال. وفي الأسبوع الماضي، زار وزير خارجية جورجيا \"ديفيد باكاردازي\" واشنطن للدفاع عن بلاده، مؤكداً أن \"الأمر لا يتعلق بجورجيا فقط، إنها المرة الأولى التي يحس فيها الروس أنهم أقوياء بما يكفي لتغيير حدود الدول التي خرجت من عباءة الاتحاد السوفييتي... وإذا لم يتم إيقافهم فسيستمرون إلى النهاية\". \r\n \r\n وقد يكون الكريملن غير مستعد في حقيقة الأمر لاستيعاب \"أبخازيا\" و\"أوسيتا الجنوبية\" وتحمل مسؤوليتهما في الوقت الراهن، لكن لابد أن روسيا قد لاحظت في الشهر الماضي كيف صممت ألمانيا، خوفاً من بوتين، على تجميد انضمام جورجيا وأوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، فما كان من هذا الأخير سوى وقف \"خطة العمل\" الممهدة للانضمام. وقد فسر الرئيس الجورجي ميخائيل ساكشفيلي، تردد حلف \"الناتو\" لانضمام بلاده على أنه \"ضوء أخضر\" لروسيا، ورغم أن رسالة الحلف مخالفة لتفسير الرئيس الجورجي \"لكن روسيا قرأتها على ذلك النحو\". وفي رد للقوى الغربية، بما فيها ألمانيا والمرشحون الثلاثة في الانتخابات الأميركية، على قرار روسيا التعامل مع المنطقتين الانفصاليتين في جورجيا، لم تقم بأكثر من توجيه الانتقاد للكريملن. لكن بوتين سيصبح عما قريب رئيس الحكومة الروسية، وليس فقط زعيماً للحزب، وسيكون مسؤولاً شخصياً عن تنفيذ القرار الذي أصدره سابقاً. وبالرجوع إلى لاعبة الجمباز الحسناء \"ألينا كاباييفا\" فقد دخلت مجلس \"الدوما\" كنائبة عن حزب \"روسياالمتحدة\"، فهل تكون العلاقة بينها وبين الرئيس بوتين مجرد زمالة عادية تجمعهما قبة البرلمان، أم أن في الأمر شيئاً آخر؟ على كل حال وكيفما كانت طبيعة العلاقة، فإنك لن تجد الجواب في الصحف الروسية. \r\n \r\n \r\n \r\n فريد حياة \r\n \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n