\r\n \r\n \r\n وقبل ذلك بأيام قليلة طاردت السلطات الروسية الأقلية الجورجية التي تعيش على التراب الروسي فيما يشبه التنكيل والإبعاد، حيث أقدمت على إقفال مقار أعمالهم، وطالبت المدارس بتسجيل أسماء الطلبة الجورجيين، وكل ذلك بهدف معاقبة الحكومة الجورجية على رفضها السير وفق رغبات موسكو. \r\n \r\n ورغم أن الحدثين يبدوان في الظاهر منفصلين لا يربطهما رابط، فإنهما يتقاسمان العديد من النقاط المشتركة. فهما أولاً يرتبطان معاً بمنطقة القوقاز الاستراتيجية المتاخمة للحدود الجنوبية لروسيا والتي تعيش اضطرابات لا حد لها. وبينما بنت بولتيكوفسكايا سمعتها بنقل الفظائع التي ترتكبها موسكو في الشيشان إلى قرائها، حاولت جورجيا التي توجد إلى الجنوب من الشيشان، رغم استقلالها كدولة ذات سيادة، انتهاج سياسة خارجية تختلف عن روسيا، ما أفضى إلى تدهور العلاقات بين البلدين واستياء السلطات الروسية من التوجه الجورجي الجديد. وثانياً يشير الحدثان معاً إلى مسألة غاية في الأهمية تتجلى في المصير الذي ينتظر الأفراد والدول حين تحاول شق عصا الطاعة وعدم إبداء الاحترام اللائق بدولة صاعدة غنية بالنفط مثل روسيا. فقد كانت بولتيكوفسكايا مصدر إزعاج دائم للرئيس فلاديمير بوتين وحكومته ما عرضها لسخرية المسؤولين الرسميين وجعلها هدفاً لاتهاماتهم التي وصلت حد التخوين. وفي إحدى المرات احتجزتها المصالح الأمنية التي كان بوتين نفسه يرأسها في السابق، داخل حفرة لمدة ثلاثة أيام دون مأكل أو مشرب، كما سعوا في إحدى المرات إلى تسميمها وهي على متن طائرة متوجهة إلى منطقة القوقاز، ما اضطرها للبقاء في المستشفى لعدة أيام. ورغم كل ذلك رفضت بولتيكوفسكايا دخول بيت الطاعة حتى بعدما سيطر الكرملين على أغلب وسائل الإعلام في روسيا. ولم تثنها المراقبة الأمنية اللصيقة عن مواصلة عملها، حيث استمرت في رفع تقاريرها الإخبارية إلى جريدتها وإطلاع العالم على ما يجري في الشيشان. ويبدو أن أحدهم طفح به الكيل في الأسبوع الماضي فأقدم على جريمته النكراء ما دفع بلجنة الدفاع عن الصحافيين إلى اعتبار روسيا إحدى أخطر ثلاث دول في العالم بالنسبة للصحفيين. \r\n \r\n أما فيما يخص جورجيا فقد صرح مؤخراً نائب وزير الخارجية الروسي بأن \"روسيا لا تريد من يستفزها، بل تريد من يحترمها\"، مضيفاً أن السياسات الروسية تجاه جورجيا لن تتغير قيد أنملة ما لم تشعر موسكو بأنها تحظى بالاحترام الذي تستحقه. وحتى ذلك الحين ستواصل روسيا خنق جورجيا والتضييق عليها من خلال دعم المناطق الانفصالية داخل أراضيها ومنع دخول الصادرات الجورجية إلى روسيا، فضلاً عن قطع موارد الطاقة والتهديد بضربات عسكرية ضدها. ورغم أن روسيا لا تستطيع قتل دولة كما تفعل مع الأفراد، فإن جليب بافلوفسكي، أحد أقرب المستشارين إلى الرئيس بوتين، لمح مرة إلى أن \"حل مشكلة جورجيا لا يساوي سوى ثمن رصاصة\"، في إحالة واضحة إلى احتمال اغتيال الرئيس الجورجي ميكائيل ساكاشفيلي. \r\n \r\n ولئن كانت روسيا تدعي أنها تسعى إلى تكريس احترامها من قبل جيرانها، فإنها تحاول الحصول على الاحترام عبر زرع الخوف في النفوس. فقد تمردت بولتيكوفسكايا على الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في الشيشان، واستنتجت عبر ملاحظاتها العديدة أن السلطة المركزية في روسيا تغض النظر عن تلك الجرائم، إن لم تكن تشجعها. كما كانت تنتقد السلطة الشمولية المتصاعدة للرئيس بوتين التي أرساها في البلاد بعدما أصبحت حرية الصحافة جزءاً من ماض بعيد. وكل ذنب جورجيا أنها حاولت أن تخط لنفسها طريقاً مختلفاً عن روسيا وأن تبلور سياسة خارجية مستقلة تمثلت في توجهها نحو الاتحاد الأوروبي وإعلانها عن رغبتها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. والأكثر من ذلك سعى الرئيس الجورجي إلى إرساء قواعد الممارسة الديمقراطية في بلاده، وهو النموذج الذي لا يرغب بوتين في رؤيته بجوار روسيا، كما تحلى الرئيس الجورجي بالجرأة الكافية للمطالبة بخروج القوات الروسية من بلاده وببسط سيطرته على كافة مناطق جورجيا. وفي الوقت الذي تواصل فيه روسيا مضايقاتها لجيرانها، التزم الغرب الصمت المطبق وآثر تغليب لغة المصالح على قيم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان التي تدوس عليها موسكو. ورغم انحسار التأثير الغربي على روسيا بسبب تصاعد مداخيل النفط وتزويدها أوروبا الغربية باحتياجاتها من الطاقة، فإن ذلك لا يبرر الموقف الأوروبي والأميركي المتقاعس تجاه ما يجري في روسيا من تجاوزات تهدد بالتمدد إلى الدول المجاورة. \r\n \r\n وأخيراً على الغرب أن يعترف بأن سياساته المتواصلة منذ 15 عاماً إزاء روسيا، والتي كانت تهدف إلى إدماجها في الفضاء الأوروبي وتشجيعها على الانفتاح، قد باءت الآن بالفشل، ولم تسهم سياسة التهدئة سوى في تقوية روسيا وتشجيع السلطة الحاكمة على بناء بلد أكثر ميلاً إلى الاتحاد السوفييتي السابق منه إلى أوروبا الحالية. \r\n \r\n سفانت كورنيل \r\n \r\n مدير معهد آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز في جامعة جون هوبكنز الأميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n