حدّة الانفعال في تركيا هي على مستوى الاضطرابات التي قد تندفع البلاد إليها إذا وصل هذا المسعى القانوني إلى نهايته. ويزيد من القلق كون المحكمة الدستورية قد أعطت موافقتها في 31 مارس على الاستمرار في القضية. \r\n \r\n \r\n إن فهم دلالة الأحداث الأخيرة يتطلب وضعها في سياقها والعودة إلى الأزمة السياسية التي شهدها الربيع الماضي. كانت تلك الأزمة قد نشبت بصدد انتخاب رئيس الجمهورية؛ ففي تركيا النواب هم الذين ينتخبون الرئيس والجمعية الوطنية يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية منذ انتخابات شهر نوفمبر 2002. \r\n \r\n \r\n هذا الحزب يجد جذوره في أجواء الإسلام السياسي التركي، وقد ينبغي التذكير مرورا أنه برز في نهاية سنوات الستينات الماضية وبالتالي لا يمكن اعتباره كوافد جديد على رقعة الشطرنج السياسي في البلاد. ومع ذلك من الصعب توصيفه سياسيا بشكل دقيق. قادته يصفون أنفسهم على أنهم محافظون ديمقراطيون. وهو بلا جدال حزب وسطي يميني كان قد أضعف الحزبين الوسطيين اليمينيين الآخرين اللذين كانا قد سيطرا على الحياة السياسية التركية منذ أكثر من خمسين سنة. ويمكن بدقّة أكثر اعتباره حزبا محافظا على الصعيدين الاجتماعي والثقافي وليبرالي على الصعيد الاقتصادي وديمقراطي على الصعيد السياسي. \r\n \r\n \r\n إن ما يسميه معلّقون عدة، مجاملة ومبالغة في التبسيط، بمعسكر العلمانيين كان له رد فعل عنيف في الربيع الماضي ضد منظور رؤية رجل من صفوف حزب العدالة والتنمية يصل إلى المنصب الرئاسي ويحتل القصر الذي أنشاه مصطفى كمال مؤسس تركيا الجمهورية الذي كان قد انتهج سياسة علمنة راديكالية في زمنه. لقد جرى تنظيم مظاهرات عارمة في العديد من المدن التركية وذلك بالتنسيق جزئيا مع رئاسة الأركان. \r\n \r\n \r\n وتمثّلت إحدى المنظمات الرئيسية التي دعت لتلك المظاهرات في «جمعية دعم الفكر الكمالي» التي يقودها جنرال شرطة متقاعد. بالإضافة إلى ذلك وجّهت رئاسة أركان الجيش مذكرة عنيفة يوم 27 ابريل نيسان 2007،أي في نفس مساء الدور الانتخابي الرئاسي الأول. لقد أكّدت المؤسسة العسكرية عبر بيان على موقعها الالكتروني أنّها تتابع الوضع بقلق وأنها «ستبقى مصممة دائما على القيام بالمسؤوليات التي حددها لها القانون من أجل حماية السمات الثابتة للجمهورية التركية»®®. الرسالة واضحة وتشكل مرّة أخرى تدخلا مباشرا للمؤسسة العسكرية في المجال السياسي. \r\n \r\n \r\n في مثل ذلك السياق، ونظرا لحالة الانسداد السياسي المؤسساتي، جرى تنظيم انتخابات تشريعية مبكّرة في شهر يوليو وحقق فيها حزب العدالة والتنمية فوزا كبيرا إذ حصل على نسبة تقارب 47% من أصوات الناخبين. \r\n \r\n \r\n يبدو أن قراءة الأزمة التي قام بها عدد من المراقبين، خاصة في فرنسا، كانت خاطئة أو على الأقل مبتسرة؛ فالأمر لا يترجم في الواقع مواجهة بين أنصار العلمانية وبين أولئك الذين يريدون إسقاط المؤسسات العلمانية والجمهورية التركية، وإنما يتعلق أساسا بمسألة تثبيت الديمقراطية في تركيا وبالتالي الخروج نهائيا من أيديولوجية الأمن القومي التي دشّنها الانقلاب العسكري الذي قامت به المؤسسة العسكرية في شهر سبتمبر عام 1980. \r\n \r\n \r\n ومن الملاحظ أنه أثناء المظاهرات الأخيرة، وبمعزل عن الطبيعة السياسية للمنظمّين، كان أحد الشعارات المطروحة والذي تردد كثيرا يقول «لا الشريعة ولا انقلاب عسكري». وكان ذلك يدل بجلاء على أن قسما كبيرا من المتظاهرين يرفضون بشكل قاطع أي تشكيك مفترض بالقيم الجمهورية مثلما يرفضون كل شكل للتدخل من القوات المسلّحة في الحياة السياسية. \r\n \r\n \r\n هكذا يمكننا إذن استخراج درس أول من هذه الأزمة، وهو أن الجيش وقسم من النخب الكمالية، كما لوحظ بالنسبة للمؤسسة القضائية في الأيام الأخيرة، يريدون المحافظة على امتيازاتهم وسلطاتهم ويحاولون معارضة التطورات التي أدخلتها المسيرة الطويلة للتقارب مع الاتحاد الأوروبي. وكشفت الأحداث أيضا في نفس الحركة أن تركيا بلد يتطوّر بعمق اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا والسلطة في داخله تغيّر القائمين عليها، وهذا ما يصعب على الخاسرين وأنصار المحافظة على الأوضاع كما هي قبوله. \r\n \r\n يمكن بالتأكيد فهم أن هؤلاء يعتريهم الإحساس بالقلق الحياتي العميق من رؤية المجتمع ينحو باتجاه أكثر إسلامية ويخشون أكثر ما يخشونه تغييرا في المثال الاجتماعي والثقافي. ولكن ينبغي كذلك قبول أن خشية كهذه تعود على هذا المستوى إلى تهويمات الخيال أكثر مما هو إلى تحليل دقيق. واليوم ليس هناك أي دليل دامغ يستند على أحداث واقعية على أن حزب العدالة والتنمية ينتهج سياسة التشكيك بالعلمانية. \r\n \r\n \r\n وينبغي الاعتراف، مثلما هو الحال في كل ديمقراطية، أن واجب الحذر مطلوب من أجل الدفاع عن المكتسبات والحريّات. لكن يبدو من المفيد عدم خلط كل الأشياء وعدم اللجوء إلى حشو الكلام من أجل إدراك التطورات التي تشهدها تركيا. ولا يمكن أيضا تحليل الهجوم الذي قام به نفر من رجال القضاء أنه يعتمد على وجهة نظر قانونية، إذ لا شك أن تركيا تواجه من جديد تحديا سياسيا واضحا. وليس مقبولا من وجهة النظر هذه أن يستأثر رجال القضاء الأعلى بحق ملاحقة حزب يتمتع بشرعية ديمقراطية قوية؛ هذا بغضّ النظر عن التقييم الذي يمكن القيام به حياله. \r\n \r\n \r\n \r\n كاتب فرنسي \r\n \r\n