\r\n هذا الأمر على غرابته يمكن أن يحصل في تركيا. ففي 31 مارس قررت المحكمة الدستورية قبول النظر في الدعوى التي رفعها المدعي العام لحظر حزب العدالة والتنمية ومنع «70» مسؤولا في الحزب بمن فيهم رئيس الوزراء رجب طب أردوغان من ممارسة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات. \r\n \r\n هذا الأمر ليس بالشيء الغريب في تركيا، فهناك الكثير من السوابق في الجمهورية التي أقامها كمال أتاتورك في العشرينيات من القرن الماضي. فقد سبق حظر حزب الرفاه قبل عشر سنوات مضت بعد وقت قصير من تمكن الجيش من إجبار زعيم الحزب ورئيس الوزراء في نفس الوقت نجم الدين أربكان على الاستقالة. \r\n \r\n إن الظروف اليوم تختلف عما كانت عليه بالأمس في الفترة 1997/1998، فحزب العدالة والتنمية هو أكثر اعتدالا في إسلامه مقارنة بحزب الرفاه، وهو يحتفظ بأغلبية برلمانية في الوقت الذي كان فيه حزب الرفاه يحكم عبر إقامة ائتلاف حاكم مع أحزاب أخرى. حزب العدالة والتنمية أعطى تركيا أفضل حكومة منذ الحرب، وحدث قانون العقوبات ومنح حقوقا جديدة للأكراد وللأقليات الأخرى وللنساء، ووضع الجيش تحت السيطرة المدنية وأوجد اقتصادا سريع النمو وهي أشياء عجز عن تحقيقها أسلافه من عتاة العلمانيين. ليس من المستغرب بالتالي أن يعيد الناخبون الأتراك انتخاب الحزب في يوليو الماضي، هذه النجاحات والإنجازات أثارت غيرة وحنق العلمانيين المتعصبين، فالجيش يخشى من خسارته للوضع المتميز الذي يتمتع به إذا ما نجح حزب العدالة في إقرار دستور جديد، العلمانيون يصرون بأن قيادة حزب العدالة والتنمية لها أجندة خفية، وهي تحويل تركيا إلى بلد إسلامي يقوم الحكم فيه على أساس الشريعة الإسلامية. ويتصيد العلمانيون بعض الكلمات التي صدرت عن أردوغان وغول. ومن الاستشهادات المشهورة ما ينسب لأردوغان من قول إن الديمقراطية مثل القطار يتوجب عليك النزول منه بمجرد أن تصل إلى المحطة التي تريد. \r\n \r\n آخر الأحداث التي أثارت غضب العلمانيين مجددا هو اعتراضهم على خطط الحكومة لرفع الحظر المفروض على ارتداء النساء لغطاء الرأس الإسلامي في الجامعات التركية الحكومية. أقام أتاتورك جمهورية علمانية، ولكن أردوغان وغول أعربا علنا وبفصيح العبارة وعلى رؤوس الأشهاد أنهم يحترمون التقاليد والمبادئ العلمانية لتركيا. \r\n \r\n في أبريل من العام الماضي هدد الجنرالات علنا بالقيام بانقلاب عسكري إذا ما مضى الإسلاميون في تنفيذ خططهم لتنصيب غول رئيسا للدولة، ولكن بعدما كسب حزب العدالة والتنمية الانتخابات في يوليو تراجع الجيش وسمح بغول في النهاية ان يصبح رئيسا للبلاد. القضية التي رفعها المدعي العام هي الفصل الثاني في هذه اللعبة الخبيثة والماكرة. إن تلك القضية ضعيفة ولا تستند إلى أي أسس قانونية أو عقلانية، فالحزب يتمتع بشعبية جارفة تجعل مسألة الاقتراب منه على درجة عالية من الخطورة وسيكون لذلك تداعيات كثيرة بدأ يظهر بعضها كبداية في أسواق المال. \r\n \r\n من أجل تجنب حدوث أزمة مطولة يتوجب على أردوغان ان يتقدم بخططه الخاصة باستبدال الدستور الذي وضعه العسكر بعد انقلاب 1980، بدستور جديد يجعل من الصعب على أية جهة إغلاق الأحزاب السياسية المسالمة. إن حزب العدالة والتنمية يتمتع بثلاثة أخماس المقاعد في البرلمان وبإمكانه اقتراح التعديلات وطرحها على الشعب التركي عبر استفتاء ينظم لهذا الغرض. \r\n \r\n يتوجب على تركيا أن تظهر للجميع أن الديمقراطية أكثر أهمية من العلمانية، ودون ذلك لن يكون بمقدورها أن تصبح دولة أوروبية عصرية. \r\n \r\n \r\n