الطوائف المسيحية موجودة في الشرق منذ ألفي عام. كانوا هنا قبل الإسلام. هذه الأرض ليست «أرض الإسلام» كما يقول بعض المتعصبين دينياً، إنها أرض التعددية الدينية. الطوائف المسيحية الأقلوية استمرت برغم كل الاجتياحات وتبدّل الأنظمة في إحدى أكثر المناطق اضطراباً في العالم. لوقت طويل عاش المسيحيون بتفاهم جيد مع المسلمين. نظام صدام حسين، برغم فظاعته، كان يحترم وجودهم، بل أكثر من ذلك كان يحميهم. ولكن حيثما حلّ الغلوّ الإيماني الإسلامي مكان الوطنية كعنصر موحّد للشعب كان الوجود المسيحي يجابه والمسيحيون يصبحون عرضة للاضطهاد. إذا سلمنا بمقولة «الغرب المسيحي مقابل الشرق الإسلامي عندها يصبح مسيحيو الشرق الزاوية الميتة في رؤيتنا للعالم»، كما يقول ريجيس دوبريه في حديث إلى مجلة «لاكروا» في تشرين الثاني/ نوفمبر بمناسبة مؤتمر عقده في باريس حول «مستقبل مسيحيي الشرق». حينها اقترح على السلطات الفرنسية إنشاء مرصد للتعددية في الشرق ولكن من دون جدوى. جاك شيراك أظهر تعاطفاً تجاه المشكلة. نيكولا ساركوزي يبدو أقل منه بكثير على الرغم من تصريحاته حول أهمية الحدث الديني. غير ان الوضع على الأرض يزداد خطورة: خطف، قتل، حرق كنائس، محاولات لفرض الحجاب والشريعة. الطوائف المسيحية على اختلافها ومن بينها غالبية الكلدان الكاثوليك تذوب يوماً بعد آخر. في الثمانينات كان مسيحيو العراق حوالى المليون، بالكاد بقي نصفهم الآن. الأكثر تشاؤماً يعتقدون أن ربعهم فقط لا يزال هنا. غادر نصف المسيحيين منطقة الموصل، بعضهم إلى المناطق الكردية الأكثر تسامحاً أو إلى الأردن. رأينا ما الذي حصل في تشرين الأول/ أكتوبر 2006 للكاهن السرياني الأرثوذكسي بول اسكندر أب لأربعة أطفال، الذي قطع رأسه لأنه رفض أن يتحول إلى الإسلام. في 3 حزيران/ يونيو الماضي أطلق الرصاص على كاهن (31 عاماً) لدى خروجه من الكنيسة مع ثلاثة شمامسة (الفيغارو ماغازين 12 كانون الثاني/ يناير 2008). وصل خبر مقتل مطران الكلدان في الموصل بولس فرج رحو الذي اختطف في 29 شباط/ فبراير ووجد ميتاً بينما كانت مؤسسة «باكس كريستي» تنظم فعاليات «أعياد الفصح مع مسيحيي الشرق» بمبادرة من مطران تروي «ستنغر» وجان دورميسون يطلق نداءه «لا تهملوا مسيحيي العراق». لا يمكننا القول إن خطورة هذه الحادثة بكل بربريتها أثارت سخط الصحافة الفرنسية. إزاء هذا الوضع المرعب الذي يعيشون فيه، يشعر مسيحيو العراق بأنهم متروكون لقدرهم. لذا علينا أن نؤكد أولاً أن حقهم بالعيش في الشرق يعادل حق المسلمين بالعيش في الغرب. ثانياً أن وجود الطوائف المسيحية في الشرق هو قضية أكثر شرعية وواجباً أكثر أحقية من وجود إسرائيل في هذه المنطقة من العالم. وأخيراً، أن الموافقة الضمنية للقوى الكبرى على التطهير الثقافي في الشرق الأوسط لصالح الإسلام هو فعلاً بمثابة خديعة وقراءة رديئة (يذكرنا بمؤتمر ميونيخ) سوف يجلب لها غداً الخزي والندم. ألهذه الدرجة نحن خجلون من جذورنا لكي يجعلنا الاضطهاد الذي كان المسيحيون ضحيته في أكثر من ثلاثين بلداً، في العالم الإسلامي، والعالم الهندوسي، والعالم الاشتراكي غير مبالين؟ وبأن لا نقوم بأي ردة فعل عندما يتعرض أقباط مصر للتمييز وفي بعض الأحيان للقتل؟ أو عندما يحكم على كاهن كاثوليكي بالسجن سنتين في الجزائر لأنه قام بأداء صلاته خارج أماكن العبادة؟ إذا صار الدفاع عن حرية المسيحيين شأناً مسيحياً فقط، والدفاع عن الإسرائيليين شأناً يهودياً والدفاع عن المسلمين شأن المسلمين فبئس العلمنة وبئس حقوق الإنسان. \r\n \r\n \r\n الفيغارو ماغازين \r\n \r\n \r\n \r\n \r\n