وكانت روسيا قد دعت منذ عدة سنوات لبحث إمكانية تأسيس اتحاد دولي لمنتجي الغاز على غرار منظمة «أوبك»، حيث اعتبرت موسكو أن الدول المنتجة للغاز تخضع لاستغلال المستهلكين، الذين يفرضون شروطا تؤثر على مصالح المنتجين، مستغلين حالة التشرذم، وسادت قناعة في الأوساط الاقتصادية الروسية أن أسباب فشل مفاوضات مصدري الغاز الطبيعي مع المستوردين، تعود إلى أن هذه المفاوضات تجري بشكل منفصل دون وجود إطار أو مظلة تجمع المصدرين والمنتجين لحماية مصالحهم، مما يضعهم تحت رحمة احتكار المستهلك. \r\n \r\n \r\n ما دفع العديد من السياسيين الروس إلى التأكيد على أهمية تأسيس هذا الاتحاد، باعتبار أن سياسة أوروبا لاستيراد الغاز وتركيزها على العقود قصيرة الأجل لا توفر الإمكانية لتوظيف استثمارات في تطوير وتحديث البنية التحتية لإنتاج الغاز الطبيعي للدول المصدرة، وإنشاء شبكات أنابيب لنقل الغاز. \r\n \r\n \r\n ومنذ اقل من عام وعلى أعتاب انعقاد لقاء الدوحة لمصدري الغاز، دعت طهران إلى اتخاذ خطوات عملية لتأسيس هذا الاتحاد، وما كان مثيرا للدهشة أن روسيا تعاملت مع المقترح الإيراني بدون حماس، بل ودعت للتريث بينما رحبت الجزائر بالمقترح الايرانى. \r\n \r\n \r\n ولعل الموقف الروسي تأثر آنذاك بردود الفعل الغربية الحادة، والتي رأت في تشكيل هذا الاتحاد محاولة للضغط عليها عبر التحكم في إمدادها بالطاقة. \r\n \r\n \r\n واعتبر بعض السياسيين الروس أن المقترح الإيراني ليس جادا، وإنما هو محاولة لاستقطاب روسيا، واستمالتها، للحصول على المزيد من الدعم الروسي دوليا لبرنامج طهران النووي، ما يفسر فتور الحماس الروسي لتأسيس اتحاد منتجي الغاز بالتعاون مع إيران، فيما اعتبر فريق أخر أن الضغوط الأميركية قد حققت ناجحا ملموسا، وأجبرت موسكو على التراجع عن خطتها. وحقيقة الأمر، أن روسيا لم تكن تحاول تأسيس هذا الاتحاد ليكون أداة تستخدم فى الصراعات السياسية، وإنما ليكون الإطار الذي يحمى مصالح المصدرين. \r\n \r\n \r\n وتم التركيز على البنية التحتية لاستخراج وإنتاج الغاز في روسيا، وتشييد شبكات الأنابيب لنقل الغاز إلى أوروبا مثل خط الغاز الشمالي وخط الغاز الجنوبي. \r\n \r\n \r\n واتجهت شركة «غاز بروم» لعقد اتفاقات تعاون ثنائي مع شركات الدول المصدرة للغاز، إلا أن هذه التوجهات تعرضت إلى عقبات ملموسة،: \r\n \r\n \r\n 1- من ابرز العقبات هو سمة الاستعجال في عقد اتفاقات التعاون دون وضع أسس علمية ومدروسة لها، ما أسفر عن رفض (سوناطراك) الجزائرية تمديد مذكرة التفاهم الموقعة مع (غاز بروم). \r\n \r\n \r\n 2- أزمات إيران السياسية والتي دفعتها للالتفاف على الشريك الروسي، وعرض منتجاتها في الغاز في الأسواق الأوروبية كبديل عن الغاز الروسي، وترافقت هذه الخطوات مع دعمها لمشروعي خط أنابيب( نابايكو) لنقل الغاز الذي تدعمه واشنطن بشكل كبير، وخط أنابيب (الغاز الأبيض)، وكلاهما يؤثر سلبا على المصالح الروسية. \r\n \r\n \r\n 3- إنتاج شركة (غاز بروم) سيبلغ ذروته عام 2010 ليصل إلى 560 مليار متر مكعب سنويا، ثم سينخفض إلى 500 مليار متر مكعب عام 2015. مما يعنى أن روسيا ستواجه نقصا في الغاز رغم أنها تملك أكبر احتياطي للغاز في العالم يزيد على 47 ألف مليار متر مكعب. وذلك بسبب عدم توظيف شركة(غاز بروم) لاستثمارات جديدة في تنمية صناعة الغاز. ويبلغ حجم نقص الغاز التي ستواجهه روسيا خلال السنوات المقبلة بأكثر من 4 مليارات متر مكعب. \r\n \r\n \r\n 4- مشاكل البنية التحتية لإنتاج الغاز، والتي دفعت شركة «غازبروم» للتعاقد مع Total الفرنسية وStatoilHydro النرويجية لاستثمار المرحلة الأولى في حقل الغاز «شتوكمان». ويعادل احتياطي الحقل المذكور 8,3 تريليونات متر مكعب من الغاز وحوالي 37 مليون طن من متكاثف الغاز. \r\n \r\n \r\n وترافق ذلك مع رفع تركمانيا لأسعار الغاز الذي تورده إلى روسيا وأوكرانيا، ما قلص من إمكانيات الشركة الروسية في تحديث آليات عملها، وتوسيع استثماراتها. \r\n \r\n \r\n يبدو أن فكرة إنشاء كارتيل للغاز تثير قلق مستوردي الغاز، وتشغل حيزا كبيرا في اهتماماتهم، يزيد على اهتمام المصدرين. حيث يتنامى اعتقاد في الأوساط الأوروبية والغربية، أن قيام روسياوإيرانوالجزائر ودول أخرى بتأسيس هذا التكتل الدولي سيضر بمصالحهم. خاصة وأن التكتل المتوقع تشكيله يمكن أن يضم عددا من الدول المنتجة للغاز، والتي تسيطر على أكثر من 30% من مجموع الغاز المستخرج في العالم. ويبلغ المخزون المؤكد من الغاز لهذه البلدان أكثر من 60% من الاحتياطي العالمي. \r\n \r\n \r\n إلا أنه لابد من التعامل مع الواقع، لأنه بالرغم من تردد روسيا بسبب الأوضاع السياسية في الساحة الدولية، والضغوط التي تمارس على الدول المصدرة للغاز، إلا أن هذا التكتل لابد وأن يتم تأسيسه، لأن مصالح المصدرين تجبرهم على القيام بهذه الخطوة. \r\n \r\n \r\n الرئيس الجزائري بوتفليقة في زيارته الأسبوع الماضي لروسيا اعترف بوجود عوائق في العلاقات بين البلدين، ووعد بوتفليقة بحل هذه العوائق، ولهذا يتوقع الخبراء أن إلغاء مذكرة التفاهم بين شركتي الغاز الروسية غاز بروم والجزائرية سوناطراك مسألة مؤقتة لحين تجاوز الأزمة السياسية في الجزائر وبقاء الرئيس بوتفليقة في الحكم لفترة ثالثة، عندها ستعود المياه بين موسكووالجزائر لمجاريها، وعندها يمكن الحديث بجدية عن كارتيل لاحتكار الغاز. \r\n \r\n \r\n مركز دراسات الطاقةروسيا \r\n \r\n