وبخلاف رئيس الولاياتالمتحدة الذي تدعمه قوة عسكرية كبيرة تساعده على تعزيز سياسة بلاده الدبلوماسية، لا يتوفر الأمين العام للأمم المتحدة على جيش جرار لضمان تنفيذ القرارات الدولية، بل هو يفترض به عدم اللجوء إلى القوة كوسيلة لإرساء السلم والأمن الدوليين. ومع حلول الذكرى الأولى لتولي \"مون\" منصبه على رأس المنظمة الأممية، يحق للمتابعين والمراقبين للشأن الدولي التساؤل عن أداء الأمين العام في سنته الأولى والنجاحات التي حققها. \r\n \r\n وعلى غرار جميع الموظفين في المناصب الرفيعة، عادة ما يلجأ المراقبون إلى مقارنتهم بمن سبقوهم ما يترتب عليه في بعض الأحيان إجحاف للموظف، لا سيما أنه لم تمر سوى أشهر قليلة على توليه المنصب القيادي. فقد تقلد \"مون\" منصب الأمين العام للأمم المتحدة بعد عشر سنوات قضاها سلفه \"كوفي عنان\" في ذات المنصب، شهدت الكثير من الأحداث الجسيمة كظهور تنظيم \"القاعدة\" وبروز الملف النووي الإيراني وما صاحبه من أزمات دولية تنذر بالتفجر بين الفينة والأخرى، ثم غزو العراق بتداعياته الخطيرة وحرب لبنان الدامية، التي كادت أن تجر منطقة الشرق الأوسط إلى حرب موسعة. وكان \"كوفي عنان\" أول أمين عام للأمم المتحدة، يصل إلى منصبه من داخل الجهاز الإداري للمنظمة، وهو ما جعله وجهاً معروفاً بين الموظفين الأمميين وأكسبه احترام الجميع. أما على الصعيد العالمي، فقد ساهم الحضور القوي للأمين العام \"كوفي عنان\"، فضلاً عن دبلوماسيته النشطة في العديد من المجالات في إعادة إبراز المكانة المتميزة للمنظمة الأممية على الساحة الدولية. \r\n \r\n \r\n الفلسطينيون استاءوا من تصريحات \"مون\" في القدسالشرقية قال فيها إنه سعيد بتواجده في إسرائيل، رغم أنه كان يطأ أرضاً محتلة حسب قرارات الأممالمتحدة! \r\n \r\n \r\n وبخلاف ذلك، يعتبر \"بان كي مون\" وجهاً جديداً وغير معروف في أروقة الأممالمتحدة، وهو كثيراً ما وصف نفسه برجل \"الوسط القريب من الجميع\". وينحدر \"بان كي مون\" من أسرة متواضعة تعمل في مجال الزراعة بكوريا الجنوبية، لكنه تمكن بفضل مثابرته من إنهاء دراسته في الجامعة الوطنية بالعاصمة سيؤول، ومن ثم التوجه إلى جامعة \"هارفارد\" حيث أنهى دراسته العليا. وبالنسبة لمواطنيه يعتبر \"بان كي مون\" نموذجاً للدبلوماسي المحترف الذي عُرف عنه تفانيه في العمل ومهنيته العالية، التي أهلته لاحقاً لتولي منصب وزير الخارجية في كوريا الجنوبية. لكن هذا الرجل الذي وصل إلى الأممالمتحدة من خارجها، ولم يكن وجهاً معروفاً لدى موظفيها، كانت بدايته سيئة على رأس المنظمة الأممية بعد أن طلب من كبار مستشاري الأمين العام السابق الاستقالة من مناصبهم واستبدلهم بوافدين جدد، استقدم العديد منهم من كوريا الجنوبية، دون أن تتوفر لدى بعضهم الخبرة الضرورية للعمل في الأممالمتحدة. \r\n \r\n وفي هذا السياق، وخلال شهر يوليو الماضي، كتب\"جيمس بون\"، مراسل صحيفة \"ذي تايمز\" البريطانية في الأممالمتحدة، مقالاً ينتقد فيه اعتماد \"بان كي كون\" على مساعدين من كوريا الجنوبية، جاء فيه \"إن مراقبين من داخل الأممالمتحدة يشيرون إلى سيطرة المساعد الشخصي للأمين العام \"كيم وان سو\" على مكتب الأمين العام، وهو ما ينتج عنه احتكاكات تعطل في بعض الأحيان أعمال الأممالمتحدة\". ويضيف المقال\"إن الأمين العام للأمم المتحدة يشعر بارتياح أكثر في عمله مع موظفين من كوريا الجنوبية والولاياتالمتحدة\". وكتب \"جيمس بون\" أيضاً في مقاله أنه \"منذ اللحظة الأولى التي أصبح فيها \"مون\" أميناً عاماً للأمم المتحدة، اشتكى أحد المسؤولين البريطانيين من أن الأميركيين ساندوه لأنه ضعيف ويمكن التأثير عليه، واليوم نحن لا نعرف كيف نتعامل معه\". والأكثر من ذلك جاءت بعض الخطوات التي أقدم عليها \"مون\" لتؤكد مدى تعثره في البداية، والنصائح غير الموفقة التي قدمت إليه. \r\n \r\n فعندما طرح المسؤولون في العراق خططاً لإعدام \"صدام حسين\"، تهرب \"بان كي مون\" من المسؤولية، واعتبر أن الموضوع يرجع إلى الدول الأعضاء في الأممالمتحدة. ويبدو أن \"بان كي مون\" نسي الجهود الكبيرة التي تبذلها الأممالمتحدة لإنهاء عقوبة الإعدام في العالم؛ كما أن الفلسطينيين استاءوا من تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة لدى زيارته للقدس الشرقية، وقال فيها إنه سعيد بتواجده في إسرائيل، رغم أنه كان يطأ أرضاً محتلة يطالب باسترجاعها الفلسطينيون استناداً إلى قرارات الأممالمتحدة نفسها. ومع ذلك يمكن رصد بعض التحسن في أداء \"بان كي مون\" على رأس الأممالمتحدة خلال الستة أشهر الأخيرة، حيث علقت مجلة \"الإيكونومست\" على هذا الموضوع قائلة:\"بعد سنوات من الفضائح والانقسامات داخل الأممالمتحدة، يبدو أن المنظمة الأممية العتيدة دخلت مرحلة من الهدوء. فقد اختفت الخطط الطموحة الرامية للإصلاح، كما اختفت الخطب النارية، والرؤى الكبرى لمستقبل المنظمة. لكن خلف الكواليس وبعيداً عن البهرجة، يواصل الأمين العام مسيرته بهدوء وثبات\". \r\n \r\n وبرغم الانتقادات الموجهة إلى \"بان كي مون\"، يقر المراقبون أن الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، يتمتع بدرجة عالية من الذكاء، كما يشيرون إلى محاولاته التخلص من البيروقراطية المترهلة في الأممالمتحدة، التي أبانت عن عدم كفاءتها وفسادها مثلما حصل في برنامج \"النفط مقابل الغذاء\" في العراق. ولا ننسى أيضاً أن العلاقات بين الأممالمتحدة وأميركا التي طبعها التوتر في فترة سابقة، تحسنت على نحو كبير بعدما غادر السفير الأميركي \"جون بولتون\" مقعده في الأممالمتحدة واستُبدل بالدبلوماسي المخضرم \"زلماي خليلزاد\". ويُحسب للأمين العام الحالي أيضاً دعمه لنشر قوة أممية لحفظ الأمن في دارفور يصل قوامها إلى 26 ألف رجل، وهي أكبر عملية لحفظ السلام تتولاها الأممالمتحدة. وفي المؤتمر الأممي حول الاحتباس الحراري الذي عُقد خلال شهر ديسمبر الماضي في مدينة بالي الإندونيسية، حققت الأممالمتحدة تحت قيادة \"مون\" نجاحاً مشهوداً بعد أن أقنعت كلا من الصين والولاياتالمتحدة الانضمام إلى جهودها الرامية إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها. \r\n \r\n \r\n