لكن مثل هذا المواطن قد صدم, بلا شك, بما اظهرته القائمة من بعد الشقة بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين يبدو وكأنهم يعيشون على كواكب منفصلة. \r\n \r\n من جانب, قدم المرشحون الديمقراطيون جميعا الوعود بالخروج من العراق, وطرحوا سياسات ضريبية تقدمية, ومشاريع للرعاية الصحية والعناية بالبيئة. وكانت هذه المواقف مفهومة فالجمهور يكره الحرب, والرأي العام يميل الى الاتجاه التقدمي. \r\n \r\n الا ان ما يجري على الجانب الآخر كان يصعب فهمه, وهو المدى الذي ذهب اليه المرشحون الجمهوريون في الارتباط بالسياسات التي تفتقر الى الشعبية وبالرئيس الذي يفتقر هو الآخر الى الشعبية, ولم يقتصر الامر على ما اظهروه من حماس متواصل لمتابعة الحرب في العراق انما تعداه الى دعم السياسيات الاقتصادية التي جاء بها الرئيس الحالي جورج بوش. \r\n \r\n لماذا, يا ترى, يكون هناك سياسيون يدعمون السياسة البوشية في شقها الاقتصادي؟ فالجمهور غير مرتاح لحالة الاقتصاد. وله الحق في ذلك. فما يدعى ب ̄ \"ازدهار بوش الاقتصادي\" لم يلامس اغلب الامريكيين حيث اصاب الركود دخل العائلة المتوسط الذي صمم لمواجهة التضخم كما شهدت سنوات ولاية بوش ركود الدخل الحقيقي للعامل التقليدي. وفي هذه الاثناء, تفشى الشعور بانعدام الامن الاجتماعي وتناقضت نسبة الامريكيين الذين يتمتعون بالتأمين الصحي الذي تقدمه المؤسسات التي يعملون فيها. \r\n \r\n ويبدو ان الامور تزداد سوءا مع اقتراب موعد الانتخابات, فعلى مدى سنوات كان الاقتصاد يوفر, على الاقل, فرص عمل بنسب معقولة, ولكن مع تفاقم ازمة المساكن والرهن العقاري فإن الخبراء باتوا يتوقعون ارتفاع نسبة البطالة. \r\n \r\n وبشكل عام, يمكن القول ان المناخ السياسي والاقتصادي يحتم على الجمهوريين ان يبحثوا عن طرق للنأي بأنفسهم عن السياسات الاقتصادية للادارة الحالية وعن سجلها غير المرضي وذلك عن طريق التعبير عن بعض القلق بشأن اتساع الهوة بين الدخل وضعف شبكة الامن الاجتماعي. \r\n \r\n واذا استثنينا المرشح الجمهوري مايك هوكابي, الذي يستحق دراسة خاصة في حال بقائه في السباق الانتخابي, فان جميع المرشحين الجمهوريين المهمين قد خرجوا عن طورهم وهم يؤكدون للناخب الامريكي بأنهم لن يحيدوا عن الطريق التي رسمها بوش. \r\n \r\n وحين تسأل لماذا؟ فإن الجواب يكمن في كون الحزب الجمهوري لا يزال يدار من قبل اتباع حركة محافظة لا تتسامح مع الذين يحيدون عن التعصب لخفض الضريبة ولجشع الاقتصاد الحر. \r\n \r\n وبغرض الالمام بالدرجة التي يخضع بها الجمهوريون لنفوذ الحركة المحافظة ما عليك الا ان تفكر بحكاية جون ماكين الحزينة. \r\n \r\n يكتسب ماكين شهرته كمتحدث صريح من معارضته لخوض الضريبة التي فرضها بوش عامي 2001 و ,2003 والتي قال عنها ماكين في حينها انها ضخمة جدا ومصممة لخدمة الاغنياء. \r\n \r\n وتزداد مصداقية هذه الاعتراضات في الوقت الراهن اذ تواجه امريكا نفقات باهظة التكاليف \"لا يتوانى ماكين عن دعمها\" واذ يصل انعدام المساواة في الدخل الى ذروته. \r\n \r\n لكن ماكين صار يقول الآن انه ينبغي ان يصبح خفض بوش للضريبة حالة دائمة, ولا يكتفي بذلك انما بات يدعو بحماس لاقتصاد الطرف المزود مدعيا بأن تخفيض الضرائب يزيد العوائد. وهو اعتقاد يقر الجميع بمن فيهم ادارة بوش بأنه ينطوي على مغالطة. \r\n \r\n وعندما يسأل ماكين عن سبب معارضته السابقة للخفض الضريبي الذي بات يؤيده فانه يقول ان عارض خفض بوش الضريبي لعدم وجود ما يوازنها من خفض في الانفاق. \r\n \r\n فلنترك جانبا التناقض المنطقي الذي يتساءل: اذا كان تخفيض الضرائب يزيد العوائد فلماذا تكون العملية بحاجة الى ما يوازنها؟ ولنتابع التغير الذي طرأ على موقف ماكين الذي يبدو انه يريد اعادة كتابة تاريخه الشخصي. فما حصل في واقع الامر هو انه هاجم تخفيض الضرائب الذي جاء به بوش من موقع اليسار لا اليمين. لكن رغبته الحالية في الفوز بتأييد اليمين المحافظ جعلته يقرر ان تزوير سجله الشخصي افضل من الاعتراف بأنه لم يكن دائما ذلك المحافظ العتيد الذي يشترطه الجمهوريون. \r\n \r\n فما الذي يكشفه لنا تحول ماكين وما يشابهه من تحول المرشحين الآخرين ميث رومني ورودي جولياني؟ \r\n \r\n انه يكشف ان التعصب الحزبي المرير والاستقطاب السياسي الحاد ماكثان معنا ولن نرى لهما نهاية قريبة. \r\n \r\n هنالك وهم ما زال واسع الانتشار بين جمهور الناخبين وهو ان الطيبين من النساء والرجال من كلا الحزبين يمكن ان يجتمعوا لوضع حلول ناجعة للمشاكل التي تعاني منها البلاد. ولن يكون ذلك غير ممكن على صعيد الواقع, ولن يكون ممكنا في ظل الطبيعة الطاغية في الحزب الجمهوري التي حولت رجالا مثل ماكين ورومني الى ايديولوجيين متشددين. وفي الاقتصاد, كما في الكثير من المجالات الاخرى, لا توجد ارضية مشتركة بين الحزبين.0